وبعد إكمالي سنوات الثانوية
ورغم أنني كنت طالبة متفوقة في المدرسة إذ لم يكن لدي شيئ افعله سوى الدراسة ، إلا أنني اضطررت للتوقف عند هذه المرحلة ولم أستطع ارتياد الجامعة فقد كان هذا الحلم صعباً علي بسبب عدم قدرتي على الكلام
وهكذا أصبحت فارغة بلا هدف اقضي وقتي في القراءة ومشاهدة الأفلام
وكتابة كل فكرة حلوة تخطر على بالي في دفتر أحلامي ، الذي كنت أتخيل فيه كل ما لم أستطع تنفيذه في حياتي
وقد كانت الكتابة في حياتي طريقتي الوحيدة للتواصل مع العالم ، فدفتري دوماً في يدي
ورغم ان عالمي بعد الثانوية اقتصر فقط على أمي أبي فقد كنت لا اخرج بتاتاً من المنزل
فلا أصدقاء لي ، والأقارب بنظراتهم المشفقة والجارحة يبيتونني أياماً في فراشي مكتئبة ففضلت التخلص منهم وعدم زيارتهم وبهذا اصبح عالمي صغيراً جداً يسع شخصين فقط غيري .كانت علاقتي مع أبي الصامت دوماً مميزة فلطالما أحببت هدوءه وصمته المريح فقد كان دوماً يغمرني بحنانه دون أن ينبس ببنت شفة ، فقط بالنظرات ، وحينها كنت أحس ان الأصوات والكلام لا يهمان ، فالعيون تكفي لتنطق بما لا يقدر اللسان على نطقه وتقول مالا يقدر القلب على قوله جهراً ، وفقط بالعيون وبالتربيتات الحنونة على كتفي غمرني أبي دوماً بحبه وحنانه،
أما أمي والتي كانت علاقتي بها شائكة جداً فتراتاً شعرت أنه لا مثيل لها بحبها وقلبها الحنون وتارتاً كرهتها وشعرت أنها مريضة ، مريضة بالخوف من الحسد والمجتمع وكلمة العيب التي كانت دوماً ملتصقة بأي جملة تقولها ، لذا علاقتي بأمي غير قابلة للوصف وأحياناً كنت لا أتواصل معها إلا للوجبات الثلاث أو لحاجاتٍ ضرورية وفي أحيانٍ اخرى كنت ألتصق بها كظلها لتغمرني بحنانها ، حتى تبدأ بوعظي وينتهي كل شيء بشجار صامتٍ من جهتي بعد ان تنطق جملها الشهيرة التي دوماً ما تحتوي على كلمة عيب ضمنها لأقوم من جانبها وأعزل نفسي في غرفتي لأيام دون ان اتواصل مع احد ، منكبةً على كتبي آقرأ واكتب كل مايعجبني ولا أميز في تلك الأيام النهار من الليل ولا الفطور من العشاء.
واستمر هذا الحال حتى دخولي عامي التاسع عشر واكتشافي لكنزي الذي غير حياتي
Discuss with us تطبيق
الذي اكتشفته صدفة عن طريق يوتيوب في إعلان ثلاث دقائق كان سبباً في تغيير حياتي
احتوى الإعلان على جملة معينة لامست قلبي "اصنع الصداقات"
كلمتين فقط وكنت قد غمرت بإحساس غريب يمكن أن أسميه الحماس أو لا أعلم تحديداً إن كان هذا الاسم وصفاً دقيقاً لذلك الإحساس الجميل الذي غمرني لحظتها.
حملت التطبيق حينها ودخلت فيه بصفتي ضيف واذكر أنني جلست النهار كله منكبة عليه اقرأ الحوار تلو الآخر ولم أترك تعليقاً في أي من المناقشات إلا وقد قرأته واعدت قرأته وتحليله عشرات المرات ، واستمررت هكذا اسخر أيامي لقراءة ما في التطبيق حتى رأيت يوماً تعليقاً استفزني كثيراً ، كان صاحب التعليق ينفي وجود التنمر في مدارسنا العربية بل ويكاد يقسم أن العرب لا يعرفون شيئاً كهذا المدعو بالتنمر ولم يسمعوا به قط ، وخلال قرائتي للتعليق كنت قد استذكرت كل لحظاتي المؤلمة والموجعة مع التنمر ، وقررت حينها في غمرة من المشاعر المتدفقة في قلبي ان أسجل في التطبيق وأرد على الجاهل صاحب التطبيق بإحصائيات وتجارب تخرسه لذا دخلت لصفة تسجيل الدخول وبدأت أنشئ ملفي الشخصي حتى أوقفتني في بداية الصفحة خانة( الأسم ). لا أعلم كيف أو مالفكرة التي خطرت على بالي حينها ولكنني قررت كتابة جمان عوضاً عن لظى واستمررت بإدخال بياناتي والتلاعب بها وخلطت الحقيقي منها بالمزيف حتى اكتمل ملفي الشخصي وسجلت في التطبيق وبدأت كتابة ردي على صاحب التعليق الجاهل وقد كانت تلك أول مشاركة لي وأول مرة أدلي فيها برأيي بشكل صريح متناسية خوفي من التواصل مع الناس ولا اعلم هل كنت وقتها مشحونة بالغضب حتى نسيت أم انني وددت المشاركة والنسيان أنني لظى.
حين استيقظت صباحاً تفاجأت بالألف إعجاب لتعليقي وبالردود الإيجابية من الناس وحتى أنني وجدت التعليق الذي رددت عليه محذوفاً ، شعرت حينها بالبهجة والسعادة وأحاسيس أخرى
كثيرة وجميلة تخالجني ، أحسست لأول مرة أن رأيي وكلامي وصوتي مسموع أنني مهمة وأنني فعلت شيئاً رغم بساطة ما حدث ، إلا أنني شعرت بالإنجاز ، لأي سبب؟ لا اعلم ولكنني شعرت وقتها انني تحصلت على جائزة عظمى او وسام شرف ومنذ تلك النقطة بدأت الكتابة ، كتبت عن المرأة والبكم والصم والتنمر واللاجئين والحروب والكثير من الأشياء المختلفة وناقشت العديد من المواضيع مع العديد من الأشخاص ، أبرزهم ريم الفتاة الجريئة التي صدمتني كثيراً بمواضيعها المثيرة للجدل وبردودها المفحمة، واذكر اول موقف بيننا عندما ردت على إحدى منشوراتي وأخبرتني أنني لا افقه شيئاً بالموضوع وانني جاهلة حقاً لحديثي عنه بتلك الطريقة، ثم نشب بيننا جدال حاد لأيام عديدة انتهى بصداقة متينة بيني وبينها ، وكانت ريم إنسانة شجاعة جداً لا تخاف من البوح برأيها عن اخطر واكثر المواضيع حساسية ، جريئة حد الوقاحة ولا لا اظنها تخاف من شيئ حتى الاشباح والشياطين ، وهذا اكثر ماجذبني فيها ، ثقتها وقوتها وجرائتها ، وهذه صفات تمنيت كثيراً تواجدها في .
تعمقت صداقتنا في فترة قصيرة لنغدو مقربتين جداً وكأننا نعرف بعضنا منذ الطفولة ، وأخبرتني ريم بأشياء كثيرة عنها وعن عائلتها وبمواقفها الطريفة في المدرسة وأحداث حصلت لها في مراهقتها وعن إخوتها وأخواتها الستة والمشاغبين جداً على حد قولها ،صراحةً وعندما أفكر بالأمر الآن أجد أنني حقاً غرت منها ولازلت أغار، ولا اعني عندما أقول 'الغيرة ' الحسد والكره والغيرة السيئة بل إنني فقط تمنيت حياتها ، تمنيت ان اكون ريم وان يكون لي العديد من الإخوة والأخوات وأن أعيش كل تلك المغامرات الجميلة مع العديد من الاصدقاء ، وأن أكون الفتاة المشهورة في الصف مثلها ، فقد كانت حياتها اشبه بفلم بالنسبة لي ، فلم حيث كل شيئ زاهٍ وجميل.بعد مدة بدأت أسئلة ريم عن حياتي تزداد ورغبتها المتواصلة في محادثتي هاتفياً تؤرقني لاضطراري الكذب عليها مراراً وتكراراً
فلا أحد علم أنني بكماء ولم أخبر أحداً شيئاً عن حياتي سوى الأكاذيب حتى باتت هي واقعي أو بت احسبها كذلك
كنت تارة أخبرها بأني متعبة ولا أستطيع الحديث معها وتارة أني أفضل الرسائل وتارة اخرى ان الهاتف به خطب ما والصوت لا يعمل ، والعديد من الأعذار الواهية الأخرى حتى استشاطت الفتاة غضباً وسألتني صراحةً ان كنت أتظاهر بأني فتاة واخاف معرفتها الحقيقية ، وكم ضحكت حينها لخيالها الجامح ، ولكن ألن يكون الأمر أبسط في التوضيح ان كانت حقيقة؟ ولكن الامر كان اعقد من ذلك بكثير ورغم اني احياناً احس بأني ابالغ بردود افعالي ولكني حقاً لم ارد لأحد ان يعرف عن مشكلتي ، لم أرد ان تشفق علي فقد كرهت الشفقة كثيراً وتشبعت منها حتى القرف في السنوات 18 السابقة لذا ولمرة واحدة في حياتي اردت ان اشعر اني طبيعية ولست في محل شفقة او استعجاب لذا ورغم اصرار ريم الشديد على معرفة الخطب بي ، لم اخبرها شيئاً وصمت وتوقفت عن الرد على رسائلها حتى طفح الكيل بها وتوقفت عن مراسلتي كذلك ، وكم تألمت حينها وكرهت نفسي كثيراً وعدت لافكاري القديمة وبدأت استحضرها خاصة فكرة محددة منها
" شيطان" كانت تلك العبارة تتردد في عقلي وفكرة كوني شيطان تزداد اقناعاً بالنسبة لي ، فلم لا اكون كذلك مع كل هذا الكذب الذي غلف حياتي؟
ام انني ابالغ في الأمر؟
لذا بين صراعاتي الداخلية وانعزالي عن الواقع وتقمصي لشخصيتي الحقيقية
اصبحت مهووسة بالعالم الافتراضي ، اقضي فيه جل وقتي ، بل لم يصبح بالنسبة لي هذا العالم افتراضياً فقد اصبح واقعياً أكثر من حياتي الحقيقية
أعيشه كما لو كان واقعاً ملموساً ولم أكن أكره ادماني ذاك فقد جعلني أشعر بالحياة ، وأشعر أني اتنفس
وعشت من خلال هذا العالم مالم أعشه في العالم الملموس ابداً
وكنت أحس انني انسانة فيه اكثر من حياتي من دونه كما اني اعتدت الكذب وتقمص الخيال حتى بت لا افرق بين الحقيقة والكذب ، والخيال من الواقع وبات كل شيئ واحداً لي ، فهل انا لظى الخرساء الانطوائية أم جمان الثرثارة الاجتماعية
هل العالم الأفتراضي على الشبكة العنبكوتية هو الواقع أم العالم الملموس في الكرة الأرضية ؟
من انا وما انا؟
لم استطع اجابة نفسي على هذه الاسئلة كما لم استطع اجابة ريم لذا وبعد مدة من انقطاعي عنها وفي تلك المرحلة من فقدان الذات توقفت عن الكتابة أيضاً واعتزلت كل شيئ وكلا العالمين
وتحديداً عندما اعتزلت كل شيئ شعرت أنني اقترب من الجنون خطوة كل مرة
فلم يعد يشغلني سوى التحليل والتفكير بامور قد تبدو للجميع بديهية
فلم أعرف أسمي ولا هويتي وضعت بين واقعي وخيالي وحقيقتي وأكاذيبي وقررت الإنسحاب من كل شيئ والنوم ، النوم لأجلٍ غير مسمى
عل الإجابة توحى إلي.
أنت تقرأ
لظى:من أنا؟
Short Storyمابين العالم الملموس والعالم الافتراضي ، مابين لظى وجمان اعيش انا ، فتاة مجهولة الهوية والشخصية. -إحدى القصص الأعلى تقييماً في دورة "سيبزغ فجري".