الفصل الثالث: فهم اللعنات أصعب مما تصورت

24 2 0
                                    

كله بدى كالطنين، طنين خافت ولطيف يتكرر دون توقف كأنما شريط مسجل مدته ثانيتين فقط: الأولى ميلادي؛ والثانية عكسها.

مغمض العينين؛ تكرر المقطع الرئيس من أغنية في مكان ما فوق قوس المطر¹ بنبرة لا تشبه الأصلية بشيء، فهي خشنة ومتذبذبة تقتل خلايا عقلي ورغبتي في إيقافها تزيد كلما زادت.

لا أذكر متى، لكنني فتحت عيناي بتثاقل وهما يجاهدان ليعودا للنوم مجدداً. يجب ألا يخذلانني، يجب أن أرى السماء فوقي وقد حوط جسدي بغطاء أبيض حتى لا يتقزز العامة من جثتي الباهتة بفعل الشمس -واحتمالية سرقة دمي من أجل الأبحاث-. لكنني لم أبصر سوى السقف الأبيض نفسه لغرفة نومي.

جسد ما كان يلفظ الأنفاس بجانبي مسنداً ظهره إلى عارضة السرير.

أدرت عيناي يميناً مما سبب ألم في مقلتاي لا يحتمل لأرى فخذان مبيضان تشوبهما حمرة قاتمة لجروح كثيرة عرضية تراقصها بحياء أخرى وردية باهتة تميل للأبيض وتلمع أثر الإضاءة الخافتة من المصباح أعلى السرير.

جعلني ذلك أُفزع وأنهض على عجل لكن قواي خانتني وسقطت على يميني أين كان يحملق من لم أتبين وجهه بعد في الفراغ. سقط رأسي الثقيل فوق قدميه فتشنج وأزاحني برفق بيديه.

إثر سحبه للهواء من بين أسنانه معرباً عن تفاجئه؛ تموضعت يداه تحت رأسي ليزحني بصعوبة بالغة وسط ارتجاج أصابعه.

لم أنطق بشيء، فقط اكتفيت بزحزحة جسدي الثقيل مستلقياً على ظهري مجدداً، فهو على الأقل الموضع الوحيد الذي لا يؤلمني بشدة.

"تشارلي، صحيح؟" سألت بعد لحظات غير متفاجئً من ضعف نبرتي.

"إنهُ أنا، نعم" لم يكن صوته أفضل حالاً، فقد تنحنح بعد أن نطق لينظف صوته من ساعات الصمت الثقيلة.

ياله من عالم! عاجزيّن على سرير واحد، لا يعرف أيٌ منهما ما الذي حل به إلا أنه أفضل بمكوث الآخر بجانبه فقط لأن الموت مع الجماعة رحمة!.

ومن قال؟ من الذي مات مع جماعته فشعر بالأمان؟. وكيف أوصل فلسفته الغريبة تلك للأحياء بعد رحيله؟. أفكر بما لا أقدر على حله أو الإفادة به وأنا أجاهد للنهوض مجدداً، هذه المرة غارساً أظفار يدي اليسرى في الفراش محاولاً إسناد جذعي لعارضة السرير.

"تمهل، دعني أساعدك" قال تشارلي بعد أن وضع وسادة خلفي وبدأ برفعي بكلتا يديه.

وهنا جاءت الطامة.

توقف كل شيء عن كونه ساكناً هادئاً، وبدأ الجماد من حولي ينوح ويصرخ مشكلاً هالة حول وجه تشارلي الشاحب بعينيه الخضراوتان المزيفتان وهو يلف يديه حول جسدي المتراخي ليسندني.

سطح الأسفلينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن