الفصل السابع: صاحب الفستان الأسود الصغير

17 2 1
                                    

عندما عادت الحرارة تلحفني في الخارج كنت قد نسيت ما حصل، لكن عبوس وجهي لا يؤكد هذا.

كان ريو يقف بجوار الباب، ما إن رآني حتى اعتدلت وقفته واتخذ خطوة تجاهي؛ لتصدر مني نظرة «ما اللعنة!، لا تمثل أنك صديقي وتخشى على مشاعري، تقابلنا منذ ساعات فقط!» فتراجع متردداً، ليلتقط حقيبته ويعبث بمحتوياتها.

"رباه!، الكثير من الرسائل لتصل" علق ماداً حقيبته يريني إياها. استرسل قائلاً: "طردان فقط في جعبتنا، فلتحمل الرسائل لأنها أخف"

"لنذهب" قلت شاداً حقيبة الطرود على كتفي، متقدماً إياه بالسير.

ماذا الآن، شاب يتصرف وكأننا نعرف بعضنا مذ كنّا أجنه، وآخر وكأننا لا يعرف أحدنا الآخر؟. المشكلة أن الأول لا نعرفه لنثق به ونجعله يحل محل الثاني الذي نعرفه حد خيبة الأمل بتصرفاته. ما الحل؟، أهو الوقت الأمثل لأدعي أنني في غيبوبة بعيداً عنهما؟.

لم أنتبه أنني أسير بخطى سريعة إلا عندما علق ريو أنني أسير وكأنني موظف حكومي يخشى أن يخصم راتبه إن تأخر، والعجيب أنه ضحك حتى بان الشق الطولي في لسانه والشقوق الصغيرة المحيطة به، كل ذلك لنكتة سخيفة كتلك.

ضحكت بسخرية وذكرته أن نعم، نحن موظفين حكوميين فعلاً، لذا لا داعي للسخرية وإلا شكوت عليه وتم فصله.

"لمن الطرد القادم؟" سألته ونحن ننتظر أن تتحول إشارة المرور الحمراء إلى خضراء، مع عدد لا بأس به من أزواج العيون المحدقة.

"آرانكا توري" قال ثم أمال رأسه مستفسراً: "تعرفها، صحيح؟"

أملت رأسي قليلاً رافعاً حاجبي الأيسر ثم ابتسمت بسخرية، لا أحب الأغبياء رغم أنني أحدهم، وأبغض من يدعون ذلك.

صحت بإسمه -وهي المرة الأولى التي أنطقه- واكزاً إياه في كتفه مستعملاً سبابتي. أكملت بذات النبرة الحادة متجاهلاً المارة المراقبين:

"توقف عن تمثيل دور الأبله الذي لا يعيش في هذه البلاد، نعم أعرفها، وأنت تعرف السبب"

تبدلت ملامحه المتعاطفة لملامح أكثر بروداً وانكساراً. هل تماديت؟.

"لم أكن أعرف" تلاطم لسانه بسقف حلقه بتحفز أكثر هذه المرة، عيناه تعتصران مما يدلل على تألمه وهو يتحدث، لكنه تابع دفعة واحدة: "لست أبله، ولست مذنب بعكارة صفوك. أنا غريب، ريو تاناكا من مكتب البريد، ولا أعيش هنا. لذا لا تحملني ما لا أشعر به ولا أنوي فعلها"

هذا، هذا هو أقسى ما سمعت يوماً.

لقد القمني الحجر ولا يمكنني فعل شيء البتة. أصبحت كالقطة التي يركلها أحدهم بنعله في وجهها. كل ما استطعت فعله هو قولي حسناً -مياو!-.

سطح الأسفلينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن