أخرجت من حقيبتي ملفًا ورديًا متكدسة أوراقه، يتوسط غلافه رسم كبير لرأس تمساح.. ألقيتُ به بين يديه، قلت بنبرات حاسمة:
- مخطوطة الرواية، ستقرأها الأن.
اتسعت عيناه دهشة، قال:- هنا، الآن!
كررت مؤكدة:- هنا، الآن.
ثم أردفتُ:- لديك ساعات طويلة من اللاشيء قبل أن يعود المصعد إلى العمل.. برأيي القراءة هي أفضل وسيلة لتزجية الوقت كي تحمي عقلك من جنون الأنتظار.
ألقى بالملف أرضًا بعنف، قال بغضب:- لن أقرأ، لن تجبرني قوة على أم أفعل.
يبدو أنه لم يأخذني على محمل الجد بما يكفي، فتحت حقيبتي بهدوء مدروس، أخرجتُ منها بسلاحًا ناريًا أشهرت به في وجهه الذي هجره الغضب، وزاره الخوف، قلت بصوت حمل الثقة والتهديد في آن واحد:- ستقرأ.
- أنتِ معتوهة يجدر بها أن تكون نزيلة السرايا الصفراء، هل أخبرك أحد بذلك من قبل؟
- أنتَ الأول.
أجبتُ سؤاله المستفز بأستفزاز أشد؛ فقال بصوت كشف أضطرابه:
- إذا أستمريتِ على هذا النحو فلن أكون الأخير.
أشرتُ برأسي إلى الملف الذي لا يزال فوق الأرض، قلتُ:
- إقرأ.
ألتقطه بصعوبة بالغة، لا يغالب غضبه فحسب، بل غروره كذلك، فها أنا أخرج من جعبتي القوة التي ستجبره على القراءة.. طوى غلاف الملف ونظر الى الصفحة الأولى التي لا تحتوي سوى أسم الرواية، وفي الأسفل ملحوظة توقفت عيناه عندها لبرهة؛ فقلت له بحزن غلبني:- النهاية لم تكتب بعد.
تجاهل كلماتي، من لا يهتم للبدايات لن يتلهف حتمًا للنهايات، لن يكترث إن لم تأت قط.
ألقى نحو المسدس نظرة ثعلب حذر يتحين اللحظة المناسبة ليمكر بفريسته، هل يظنني مجنونة لأمسك بسلاح حقيقي! وكأن هيأتي تبدو كمجرمة عتيدة تعرف كيف تتحصل على واحد، ألصقتُ ظهري بمرآة المصعد، سألني كمن يبحث عن حجج تفسد عليه القراءة:- كم أستغرقتِ من الوقت في كتابتها؟
أعادني لذكرى عامٍ مضى، وعلى غير إرادة مني خدرني الحنين، قُلت:
- أمسكتُ قلمي في اليوم الذي فقد فيه الكون أحد أضلعه.
تبدَّى التهكم جليًا فوق قسماته، ورغم ذلك أستطردتُ:- جرت أحداث الرواية في هذا المصعد.
لم يفهم عبارتي، أو لم يكترث لها، بلا مبالاة سألني:- لماذا أنا، لديك عشرات دور النشر الأخرى؟
فكرت في تجاهل الرد، ولكنني أردتُ أن أمنحه ولو سببًا بسيطًا يدفعه للأهتمام بالقراءة، قلتُ وأنا أفحص وجهه أترقب وقع كلماتي عليه:
- لأنك أحد شخوص الرواية.. أنتَ نقطة التحول التي بدأ عندها كل شيء.
لم تتأثر قسماته قط، لم يصدقني إذن، ولم أصر عليه ليصدق.. دفن عينيه في الملف الوردي ذي الأوراق المتكدسة، وبدأ في القراءة.. أو تظاهر في القراءة!
أنت تقرأ
ثاني أكسيد الحب
ChickLitأقتربت من الصخرة، كان منحنيًا وكأنه يبحث عن شيء مفقود.. اقتربت منه اكثر، وأكثر فأكثر.. نظرت الى الرمال اولًا، الى موضع نظراته، لم اجد شيئًا، رفعت عيني ببطء الى وجهه، عيناه مفتوحتان لكنهما لا تريان عالمنا هذا، هززته بفزع فمال الى احد جانبيه لا حول له...