- اتعرفين تايتنك، أنا من أغرقها، وأنف ابو الهول أنقضضتُ عليه بأسناني في لحظة غضب، ومازلت أحتفظ بالأنف المكسور في خزينة سحرية صنعتها بنفسي في جدار البيت!
قالها ثم سكت سكتة طويلة لم ينجح أي شيء في قطع اوصالها.. ذهبت حواء بالكلمات إلى حافة الجنون، ودخل يونس كهف التجاهل يسكن اليه، التجاهل هو سلاحه الخاص.
كاد أن يستدير عائدًا إلى داخل الكهف، اوقفته بنظراتها المتفحصة، تتبعها فوجدها تستقر عند أصابع يده اليسرى التي يحك بها ذقنه، علت الدهشة وجهه بدوره وهو يتحسس حلقة فضية تطوق خنصره!
دقَّ قلبها بعنف، تجهل خوفًا أم غيضًا، ولعله مزيج من الأمرين، سألته بأندفاع:
- لماذا ترتدي خاتم زواج؟
يونس لا يحب أرتداء الخواتم، ولم يسبق له ان ارتدى واحدًا، رغم أصرارها عليه أن يفعل، فالخاتم في ظنها رسالة صارخة في وجه أي امرأة هذا الرجل ملك لأخرى.. لكن يبدو ان يونس لم يحب يومًا ان يكون من ممتلكاتها.
أخذ السؤال ذاته يتردد بداخله، لمن هذا الخاتم، وماذا يفعل في أصبعه؟أخبره ابوه ذات رحلة صيد أن النساء كالأسماك، يسِرنَ مع التيار، لا يجرؤن على النظر الى السماء، واذا خرجن من الماء قُتلن!
فنما بداخله قناعة راسخة ان النساء طيبات كالأصفار، لا يغيرن من معادلة الحياة شيئًا.. ظن حواء مثل أمه، صفرًا وديعًا، محايدًا مُطيعًا، ولم يسامحها كونها جرؤت على أن تكون رقمًا موجبًا!يا ليت أباه بقي على قيد الحياة ليخبره أن هناك نوعًا من النساء يشذ عن القاعدة التي ظنها قاعدة، إنهن كفرس البحر لا يشبه الأسماك إلا في عيشها في الملء، ولا يشبه الحصان إلا في رأسه.. مزيج من عدة متناقظات في آن واحد.
بعد قليل عضها التعب، وفرمتها نواجذه؛ اعتصمت بالكهف الذي هجره يونس، وجلس هو عند مقدمة الكهف يوليها ظهره، كما اعتاد أن يفعل معها وهما يعيشان تحت سقف واحد، يتعامل معها كعقبة ستختفي من حياته إذا تجاهل النظر اليها، لكن لا فارق لديها فيونس هو آخر شخص ترغب في قربه الآن.
فشلت حواء دومًا في العثور على بوصلتها الخاصة التي تمكنها من ضبط خريطتها النفسية المهلهلة، حواء لم تعثر على البوصلة يومًا ليس لأنها لم تبحث بجد، بل لأنها أكتشفت بعد سنوات من البحث ان بوصلتها لم تكن ضائعة بل مسروقة، سرقها أبوها في اليوم الذي هجرها وأمها دون ان ينظر خلفه، يوم فقدت من كل شيء فيها النصف، نصف روحها، نصف عقلها، نصف ذاتها.
فكان عليها ان تكتفي بالنصف، أو ان تسعى لتكملة الجزء الضائع، ظنت في اول زواجها انها ستكمل مع يونس هذا النصف، فأذا به يبذل طاقته ليحاول ان يسلبها نصفها الآخر، كما فعل ابوها من قبل.
نفضت الذكريات المريرة من عقلها، وحاولت أيجاد بوصلة الخروج من هذا المأزق.
دعاها هاجس الأهتمام بالتفاصيل إلى ان تتفحص الكهف شبرًا شبرًا، بحذر تفقدت حواء أركان الكهف، لم يكن كهفًا عميقًا، قدرت مساحته بستين مترًا لا اكثر، يلتحف نصفه بالظلام ليتوارى عن ضوء الشمس، كاد قلبها يتوقف فزعًا عندما أصطدمت قدماها بشيء صلب، ابتعدت خطوة ودققت النظر في ظلام مرقع بخيوط من نور؛ فتبدى لها حقيبة ظهر، قربتها بلهفة من فتحة الكهف كي تقوم أشعة الشمس الذابلة بمهمة كشف محتويات الحقيبة، ماء، طعام مُغلب، مصباح يعمل بالحجارة، سكين صغير، حبال، ضمادة، مطهر جروح، معطف ثقيل، هذا كل ما احتوته حقيبة كبيرة الحجم تصلح للرحلات.
أنت تقرأ
ثاني أكسيد الحب
Genç Kız Edebiyatıأقتربت من الصخرة، كان منحنيًا وكأنه يبحث عن شيء مفقود.. اقتربت منه اكثر، وأكثر فأكثر.. نظرت الى الرمال اولًا، الى موضع نظراته، لم اجد شيئًا، رفعت عيني ببطء الى وجهه، عيناه مفتوحتان لكنهما لا تريان عالمنا هذا، هززته بفزع فمال الى احد جانبيه لا حول له...