صوت مياه تُقطَّر بتريث كانت الجَلبة السائدة فى وسط غياهب الظلام التى تُحاوطه، آنَسَ بجسده ساكناً وكأنه الميت فى جنازته ولكن مع غياب روحه الحاضرة، مُستلقىٍ على الهواء بلا شئ يدعمه وكأنه مُعلقاً مِثل السحاب بلا أعمدة، يشعر بكل إنشٍ فى بَدنه ولكن بقى مِثل الذى حلّ به الشَلل والجمود، لا يستطيع تحريك عُقلة إصبع ولا حتى الرَمش، ضاق صدره ومعه قلت أنفاسه، وكأن روحه تُحاول الصعود والخروج من هيكله.. ولكن عبثاً فى النهاية.
مع أخر قطرة اخترقت سمعه شهق شهقةً تعالت وصَدحت ومعه إرتفع جسده وانتفض بشدة، سكتت الأصوات من حوله لبُرهةً تعدَّت الدقيقتين، ظلامٌ دامس يتبعه صدى صوته فى الحلاك اللا مُتناهى الذى قد ابتلعه، وبعد مُعافرة شديدة كُتب الانتصار له وتملك من جفونه ورفعها مِثل رايات الانتصار، فَتح عيناه ولمُفجأته اجتاح البياض الناصع قزحتيه حتى بدا على ملامحه الامتعاض من شدته.
استوعب أن ما حلّ به لم يكُن ظلاماً بل نهاراً، فهو هائماً فى الفضاء الوعر، فوق نجم الشمس مباشرةً بينما النيران تأكل جلده الذى يتجدد بإستمرار إلى ما لا نهاية، وما انفك عن ملاحظة أن المياه المُقطَّرة هى دمه، تقطُّر من جسده وإلى سطح الشمس لتحترق وتتبخر، وبها يزداد أجيج ألسنة الشمس كأنه داعماً لذلك الإحتراق.
فاهُه مُغلقة، مُغلفة ومُخيطّة بخيطٍ رفيع يشعر به مُخترقاً شفتاه، كالحصن المنيع يمنع صراخه وصدح صوته من الهروب والانتقال بين ذرات الفضاء، حاول تحريك جسده عُنوةً ولكنه أحسَّ بحِبالاً قوية تُحاوطه وتمنعه من التحرك إنشاً، ملمسها بدا مِثل التى تُحاوط شفتيه، خَشنة وخانقة، قاوم وعافر مِراراً وتَكراراً ولكن بِلا جَدوّى، كُتب عليه أن يكون أسيراً وذليلاً لجريمة ما بَرح الإعتراف بها أو معرفتها حتى.
اخترق سمعه أصواتاً بدت تتعالى من حوله وتتوالى، وكأنهن نسوة أو قومٍ غَلب صُراخ النسوة على أصوات رِجالهُم، يتفوهون بجُملةً لاحظ تِكرارها رُغم عدم فِقهُه للغة، ثُم يُهلِلُونَ ويُحدِثون جَلبة عالية بعدها، بدا الأمر وكأن هُناك من يشهد على حرقه، وكأنهم جمهور هذه المُحاكمة الكونية.
حاول التحرر من تِلك الحِبال الخَفية مرة أُخرى، ولكنه ما انفك عن فِعلها إلَّا وجاءت أُخرى تعتصره، تتجدد تماماً كما يتجدد جِلده.
- المصير هو الموت المُحَتَّم، لولادة طفل مُحطَّم.
عَلا صوت القوم مرة ثانية ولكن تلك الكَرة كان يفهم لُغتهم ولا يفقه المعنى الذى يَرمون به، ضجّت الضوضاء فى رأسه بين الأفكار المُتخبطة والمشاعر المُضطربة، يا تُرى من هو ذلك الطِفل الذى يتحدثون عَنه؟ أيعقل أن يكون أنا ؟
أنت تقرأ
Astrum
Fantasyبين الماضى والحاضر والمستقبل خيوطّ تُنسج بسلاسة واحدةً تلو الأُخرى بمهارة وبراعة، حيث الخطأ لا يُغفر ومن أخطأ فالحرق هو مصيره لإنتهاء اللعنة التى بدأها. سنّت أسترم القوانين مُنذ عقود وعلى تلك القوانين السلام إن قررتُ عدم الخضوع لها، كُله من وإلى زُ...