البارت السادس (حزن وخيبة وإحباط)

306 19 88
                                    

امتلأت عيناها الجميلتين بالدموع مجدداً ، وأخذت الدموع تنهمر بغزارةٍ على خدودها، تجلس على سريرها، تبكي في غرفتها بصوت خافت وشهقات مكتومة وتتكلم بصوتها الضعيف المهزوز : لماذا لماذا تستمر في إبعادي عنك وانت في أشد الحاجة إلى من يؤنس وحدتك ويبقى بجانبك، لماذا هل أنا أطلب المستحيل حتى يحدث عكس مااريد دائماً، بعد كل ماسمعته حول ماضيك اردت بشدة ان اصبح نصفك الآخر الذي يشاركك ألمك وحزنك، هل كنت أنانية في طلب حبك، اين أخطأت كلُّ مااردته هو البقاء بجانبك بأقرب صورة ممكنة وانت دائماً ماتبعد الناس من حولك، يؤلمني هذا كثيراً، تتكلم بين شهقات بكائها ارجوك لما أنت قاسياً مع نفسك هكذا واجهشت بالبكاء بشدة، ظلّت تبكي حتى نامت.

(فلاش باك)

بعد أن غادرت هانجي، قررت بيترا التخلص من حزنها،فهي قد عزمت الآن على البقاء بجانب قائدها الذي تعشقه ولن تتركه وحيداً، تريد أن تكون بلسم جراحه ونوره وامله. ذهبت إلى مكتبه فعلاً . لايزال باقي زملائها بالحفلة ولم يعودو بعد. وبعد أن وصلت طرقت الباب ثلاث مرات ودخلت، فوجدت الرقيب يجلس كالعادة ويحتسي الشاي.
ليفاي : بيترا لما انتي هنا، ألن تذهبي للحفلة؟!
بيترا : لا.. لقد اعتذرت من هانجي سان فأنا لا اشرب الكحول.
نظرت بيترا إلى ليفاي، فوجدت ان ملامح وجهه هادئة ويتخللها بعض الحزن، لم تستغرب ان تجده هكذا وقد كان يجلس وحيداً للتو.
ليفاي : هذا جيد.. حسناً يمكنك ان تضمي لي لشرب الشاي. ثم قام بسكب الشاي له ولها.
بيترا : حسناً.. شكراً لك.
ليفاي : جيد انك لاتشربين الكحول.. ولكن مالسبب؟
بيترا : هيتشو انا لا اشربها ليس لأني لاازال صغيرة في السن بل لأني اكرهها بشدة.صمتت قليلاً ثم اردفت قائلة : لطالما كانت الكحول سبباً اساسياً في تدهور صحة أبي. وتحولت ملامحها لقليل من الغضب والحزن.
ليفاي بملامح هادئة : هل يحتسي والدكِ الكحول؟؟
بيترا ولا تزال بنفس ملامحها: أجل.. لقد مر في فترة ظروف معيشية صعبة ولهذا اخذ يحتسيها.. وقد بدأ باحتسائها بجرعات صغيرة ولكنه ادمنها وصار يحتسيها بجرعات كبيرة واضرت صحته بشدة.بيترا وقد بدلت ملامحها إلى الهدوء مع ابتسامة صغيرة نظرت إلى ليفاي ثم اردفت قائلة: آسفه لقد اطلت في ثرثرتي وتفوهت بأمور شخصية مزعجة.. آسفه على ازعاجك.
ليفاي ومازالت ملامحه هادئة : لا عليكي.
بيترا : اذاً هيتشو لما تكره انت الكحول؟؟
ليفاي وقد تحولت ملامحه لبعض الغضب ينظر في الفراغ ويتحدث : لعدة أسباب وليس لسبب واحد.. اول سبب أنها تسيطر على العقول الفارغة فتريْن الناس تشربها في الحزن والقلق وحتى في الفرح،والسبب الثاني : لأنها تثمل صاحبها فيصبح كالابله بلا عقل ويصعب عليه السيطرة على تصرفاته كما يصعب عليه كبح شهوته القذره،والسبب الثالث : ان الناس تتوهم انها ستبعد عنهم الحزن والقلق وتغمرهم بالراحة ولكنها في الحقيقه تسمّمهم في كل جسدهم تدريجياً، وزادت ملامح ليفاي غضباً مع الاشمئزاز وأردف قائلاً : كما ان اكثر ضحايا هذه الخمور القذره هم النساء، حيث يصبحون أهدافاً للرجال الثملين الجشعين في إشباع رغباتهم، يدمرون حياتهم وكرامتهم ويرمونهم في النهاية كالقمامة....كم أكره هذا الواقع السيء، كم أكره ضعف هؤلاء البشر امام هذه السموم، ثم نظر أخيراً الى بيترا وقد زادت ملامح غضبه واشمئزازه وأردف قائلاً :وكم اكره هروب الجنود هنا من حزنهم وتعاستهم وآلامهم باللجوء إلى الخمور القذرة، حتى أنهم صارو يحتسونها في فرحهم وانتصاراتهم، يجب عليهم اخذ الحياة في الفيلق بجدية أكبر، يجب عليهم التخلص من ضعفهم، فأنا ارى أنني لست في الفيلق إلا للقتال وحماية البشرية فالإنسانية يجب أن تبقى وعلينا المحافظة على اجسادنا قوية متينة في مواجهة العمالقة القذرين، وأنا اعيش لأجل هذا الهدف وليس من أجل غيره من الأمور والملذّات.
كانت بيترا طوال حديثه اللذي حيرها وصدمها تنظر له بجدية وبعض الخوف، وبعد أن أنهى حديثه الطويل سألته باهتمام وتساؤل: هيتشو ماذا تعني بالملذات؟؟
ليفاي وقد زال عنه الغضب وتحولت ملامحه إلى البرود ينظر إلى كأس الشاي أمامه : اقصد الخمور والنساء وعلاقات الحب وغيرها من الأمور التافهة.
كان كلامه كالسيف مزّق كلَّ آمالها كما قد حطم وصفه للحب والعلاقات العاطفية بالأمر التافه قلبها إلى قطعٍ صغيرة، تغلغلت الدموع في عينيها وشعرت بقشعريرة سرت في كل أنحاء جسدها، أوشكت على البكاء ولكنها مسحت دموعها التي ستنهمر بسرعة. يبدو أنها باتت الآن هي من تحتاج لمن يهدئها ويوقف المها فكيف ستداوي جراحه إذاً، احست ان الطريق قد سُدَّ أمامها وان احلامها تناثرت كحبات الغبار في الهواء، فانسحبت بهدوء من مجلسه ولكن قبل أن تغادر قالت بصوت خالي من الحياة ووجه شديد الحزن : سأذهب لقد تأخر الوقت.. أستأذنك.
وغادرت غرفته بجسد متألم في جميع انحائه وقلب محطم دامي وعيون سخية بالدموع تتمايل في مشيتها كالثملة حتى وصلت باب غرفتها فتحته ودخلت أرادت إغلاقه ولكنها تركته مشقوقاً عندما سمعت صوت زملائها آت من بعيد حتى اصبحو قريبين وصار صوتهم مسموعاً تماماً، أخذت تسترق السمع على حديثهم من خلف الباب المشقوق.
ايلدو يتحدث وهو ثمل قليلاً : لقد هزمتك عدة مرات ياصاح اعترف.
غونتر وهو ثمل قليلاً أيضاً : تباً لك ياهذا... هل شوقك لزوجتك جعلك تفقد عقلك أيها العاشق.
اجابه ايلدو : لاتذكر زوجتي على لسانك ايها الثمل العاذب... عليك أن تتزوج وحسب تباً لعقلك الفارغ.
غونتر : اتزوج اليوم واموت غداً هههههه يالها من مزحة سخيفة الزواج في زمن الحرب... العشق أفضل.
ايلدو : اذاً انت عاشق ها... لقد فضحت نفسك... من هي عشيقتك لا تقل بيترا.
غونتر : أجل بيتراااااا ههه... لا لا كنت امزح.. ثم انا لست مخموراً إلى هذه الدرجة مثلك ايلدو.
ايلدو : وانا أيضاً لست مخموراً كثيراً ايها الابله.... لاأزال صاحياً على ماحولي.... لا اشرب حتى الثمالة.
غونتر : أجل وانا أيضاً لا اشرب حتى الثمالة...ثم إني حديثٌ في الشرب.
لاتزال بيترا بحالتها المذرية تستمع إلى ثرثرتهم المملة الفارغة ولكنها لم تسمع صوت اولو، وهي تعرف أنه مدمن، وقد ادمن الكحول بسببها لأنها ترفضه دائماً، وماذا تستطيع أن تفعل لا يمكنها إجبار قلبها على حبه فالحب احساس عفوي هو من يتحكم بنا ولسنا نحن،ولكنها مع ذلك تريد الآن الاطمئنان عليه تشعر بالقلق كيف سيكون حاله( بيترا في نفسه بقلق على اولو ولايزال حزنها والمها واحباطها يقتلون جسدها: أيعقل أنه فقد وعيه من كثرة الشرب؟) وبينما تتسائل في داخلها سمعت رفاقها يتحدثون عنه أخيراً بعد ثرثرة طويلة سخيفة.
ايلدو : غونتر هل تعلم لقد سمعت اولو في الحفلة يردد اسم بيترا عدة مرات بصوت خافت!!!
غونتر باستغراب: حقاً؟؟!! انا لم انتبه... لربما كان إفراطه في الشرب هو السبب.
ايلدو بحيرة: ربما.... حتى أنه رفض ان يأتي معنا.. يريد أن تصطحبه بيترا فقط!!!
ثم دخلا كلٌّ منهما إلى غرفته.
سمعت بيترا حديثهما، فخرجت من الغرفة، تنتظر عودته بقلق، تريد الاطمئنان عليه، تحمِّل نفسها مسؤلية مايحدث معه الآن. هيَ لن تذهب إليه ولكنها ستنتظره حتى يعود.
عاد أخيراً بعد انتظارها له لمدة عشر دقائق، يترنح في مشيته، وملامح وجهه مجنونه منتشيه... حتى وصل عندها وقال بصوت ثمل: اذاً انتي تنتظريني بيترا... لما لم تذهبي للحفلة لقد افتقدتك، واقترب منها أكثر يريد احتضانها، ولكنها ابعدته وقالت : اولو لما افرطت في الشرب هكذا.. تباً لك.
اولو : لما تدفعينني بعيداً عنك، وأخذ يلمس شعرها ووجهها ثم عانقها حاولت فصل عناقه ولكنه كان يعانقها بشدة بيديه ويلصق جسده المتأرجح بجسدها، سمع ليفاي صراخ بيترا فخرج ليرى مايحدث، فصُدِمَ واصابه الاشمئزاز من قبح المشهد امامه، اولو يعانق بيترا ويأرجحها بجسده الثمل وهي تبكي وتصرخ حتى استطاعت التملص منه أخيراً وقالت بغضب وحزن والدموع تملأ عينيها: اولو انت احمق مجنون.. انا اكرهك ودخلت غرفتها ولم تنتبه للذي رأى المشهد.
أقفلت باب غرفتها وانهارت بجسدها على الباب وضعت راسها في حجرها وراحت تبكي بشدة بصوت خافت وتقول : تباً لك اولو... لماذا تفعل كل هذا بي لماذا؟؟ هل تريد توريطي؟؟ ماذا لو علم الرقيب بكل أفعالك؟؟ الا تخشى ان يطردنا، انت حقاً مهووس مريييييض اههههههه واجهشت بالبكاء،خشيت ان يسمع احد ماصوت بكائها لذا ابتعدت عن باب غرفتها وجلست على السرير لتكمل بكائها. كان اولو قد ذهب إلى غرفته بجسده اللذي على وشك الانهيار، واغلق الباب خلفه، وقد تقيأ كل مافي معدته ونام من فوره. وعند ليفاي دخل ليفاي غرفته أخيراً بعد رؤيته للمشهد المقرف الذي ظلَّ يراقبه لمدة ثلاث دقائق، يسمع صراخ وبكاء بيترا التي لم تنتبه له وبقي ساكناً يراقبهم ولايعلم ماذا يفعل، ثم دخل غرفته بعد أن دخلت بيترا إلى غرفتها واطمأن عليها. يعتلي ملامحه الغضب والاشمئزاز، يتكلم مع نفسه : تباً لعقولكم الفارغة هذا ماتفعله بكم الخمور القذره.. تباً اولو أيها الاحمق الضعيف،لقد كنت ثملاً مقرفاً تتحرش بزميلتك...وغداً تستيقظ لاتذكر اي شيء.. كم رغبت في ضربك ولكن مالفائدة وانت ثمل بلا عقل..ولاحتى سأتمكن من معاقبتك غداً فأنت لن تتذكر اي شيء أيها المخمور المعتوه... تشي.
وتذكر ليفاي ملامح بيترا الحزينة عند مغادرتها لمكتبه فتكلم قائلاً : لقد كانت بيترا في حالة سيئة جداً عندما غادَرَت ولا شك أن حالتها الآن زادت سوءاً بعدما فعله اولو. يتساءل في نفسه : ولكن مالذي كان يحزنها هكذا لربما ذكرها لحالة ابيها هو السبب.
هكذا كان مبرره لحزنها ولم يعلم انه المسبب الرئيسي لهذا الحزن . لم تعد له شهية للطعام فقط احتسى بعض الشاي، هدأ غضبه ولكنه يشعر بضيق شديد في صدره لايعلم سببه، لقد كان قلقاً فعلاً على بيترا وخصوصاً أنها كانت حزينة قبل ان تتركه ومافعله اولو جعلها تبكي وتسوء حالتها أكثر ، هل كلُّ ماحصل لبيترا قبل قليل هو السبب أم أنّ هنالك سبباً آخر، لايستطيع الوصول لإجابة. لايزال الم وضيق صدره لم يزل، يشعر بنارٍ تغلي داخل صدره، حتى قرر الاستحمام بالماء البارد علّه يخلصه من حالته هذه. أنهى استحمامه واستلقى على سريره، ينام على ظهره، قام بوضع يده على جبينه، ولايزال هذا الضيق والألم البغيض يخنقه، صار صوت بكاء بيترا يتردد على مسامعه ووجها الحزين الباكي يتراءى له حتى تكلم في داخله قائلاً : كفي عن البكاء أيتها الطفلة البكاءة انتي تزعجين نومي، ثم توقفي عن إظهار هذا الوجه الحزين لي، إنه يخنق انفاسي، وانتي الا تريدين النوم؟؟ يجب عليكي ان ترتاحي وتنامي حتى ارتاح، لماذا لاأزال اسمع صوت بكائك داخل اذنيي ايتها الحمقاء، متى ستتوقفين عن الصراخ وإهدار الدموع،انا لااستطيع النوم بسببك، اريد ان ادخل عالم الكوابيس المعتاد هو اهون عليي من رؤية حزنك وسماع بكائك، وانتي اهدئي واخلدي للنوم ب....ي...ت...ر...ااا (وغرق في النوم أخيراً).

هي في قلبي املا" لايختفي ونورا" لاينطفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن