النظرة الرابعة - كرامة

125 16 17
                                    

حسنًا، لقد اجتزت ثلاث نظرات فعلًا! لنرى إن كنت ستجتاز الرابعة.

---*---

إن الذي يثور لأجل الجوع، سيسكت حتمًا إذا ألقيت له كسرة خبز. أما الذي يثور لأجل كرامته، فلن يسكت حتى تكون له كرامة. 

-محمد غنيم.

---*---

يقفُ أمامي أغلب البشر، ولأنني مخلوقٌ يهوى الأعماق.. تجدني أغوص في دواخلهم سعيًا للكشف عن الكنوز. لكن ما يقابلني ليس سوى مجموعةٌ من الصفات البالية، التي لا تلبث طويلًا حتى تحول صاحبها إلى مخلوقٍ لا يمتُ للإنسان بصلةٍ.

وما يجعلني أشفقُ عليكم حقًا، هو افتقاد اغلبكم لأحد أهم الصفات التي تدل على حياة ضميركم.. ألا وهي الكرامة!

الكرامة، هي الكنز الذي يُغني من امتلكه، الدواء الذي يُشفي مُتَجَرعه، روح الأخلاق والقيم، جوهر المبادئ وأساسها، العمود الفقري لكيان الإنسان، والوجه الآخر لضميرك الحي.
تجد من يفقدها دنيئا، رذيلًا، مُنحطًا، مغمورًا في الظلمات كما تغمر القذارة في أنابيب المجاري، جاريًا خلف قذارات الدنيا.. الرغبة والعوز!

فهي كلمة «لا» الثائرة التي نطقها الفلسطيني بوجه المُحتل، ورفضه أن يُسَلِم له أرضه! بل فضل أن تُراق دماءه ويموت، لأجل قضيته.. الكرامة!

وهي صرخة العراقي، المصري والليبي.. بوجه المتطرف الداعشي، رافضين جميعًا فكرة العبودية لغير الله؛ فكما تعلم أن تلك القلوب السوداء تدعو للشيطان، وليس الله كما يدعون.

وهي صفعة المرأة الشريفة على خد كل من ينوي العبث بجسدها وقلبها، تأبى أن تَذِلَ شرفها لأجل رغبة الوحش، وعوزه لمن يُشعِره بالعاطفة المفقودة.

وهي إنحناءة العبد لربه أثناء صلاته، وصلابة جسده وثبوته أمام المغريات؛ فهو يدري أنه ليس كأغصان الشجرة التي تتمايل مع الريح، بل هو الساق المتين الذي لا يُكسر مهما اشتدت الأزمات من حوله، متأصلةٌ جذوره عميقًا في تربته. فلا يقلعه عنها لهوٍ ولا لعب.

وهي اعتراف الإنسان بخطئه،وإعادة الحق لصاحبه؛ فالكبر من شيم الأنذال.

وهي صيانة الصديق لعهده مع صديقه، فلا يغدر ولا يغار؛ لأنه أكثر العارفين بمعاناته، وكيف وصل لما وصل إليه. أن يفهم أنه ما إن لطخ مسمى علاقته مع صاحبه، لن يعود إنسانًا كما كان. بل ربما لم يكن إنسانا منذ البداية.. من يدري!

وهي قطرات العرق المُنصبة من جبين رجل كهل، يشقي نفسه لأجل كسرة الخبز الشريفة، التي يُفَضِل أن يُكسر ظهره لشدة التعب.. ولا أن يمد يده متسولًا العطف من الآخرين.

وهي مواصلة طالب العلم في دراسته مهما عصرته الظروف؛ لأنه يدري أن والديه يتباهيان به، ولا يريد أن يَحُطَ من كرامتهما بسبب كسله، أو حتى العقبات التي تحاول إعاقة طريقه.

وهي إتقان عمل العامل على اختلاف نوع عمله؛ لأنه يرغب أن تبقى سمعته نظيفة، بعيدة عن قذارة الأشخاص الذين يؤذون الآخرين لرداءة جودتهم الإنتاجية.

وهي حرص الإنسان على ألّا يكون سببًا لحوادث الشر التي قد تصيب اخيه الإنسان، فلا يغتاب، ولا يكذب، ولا ينافق، ولا يستغل، ولا يحسد، ولا يحقد، ولا يتطاول بالكلام والأفعال.. لا يشتم ولا يضرب.
بل يذكر خير غيره ويستذكر فضائله، أن يكون صادقًا في حديثه مهما حصل، يحرص على الظهور بوجهه الحقيقي ولا يرتدي الأقنعة، أن يعلم بأهمية مصالح الآخرين وليس مصالحه فقط، يتمنى الخير والبركة لغيره ولا يسمح للسواد أن يُظلم قلبه، أن يكون طيبًا حلو المعشر حسن الأقوال والأفعال.

ذات مرة، كانت ڨيكتوريا تتصفح الإنترنت.. وحينما نهضت من مكانها مرت من أمامي، عادت عدة خطوات إلى الخلف ثم وقفت تنظر إلي.
تساؤلات عينيها واضحة، تعابير وجهها لإستغرابها مكشوفة.. قليلًا حتى طرحت سؤالها:
«كيف للإنسان أن يعيش بلا كرامة؟ فكل من استشهدوا دفاعًا عن الأوطان ماتوا لأجل الكرامة! هل فعلًا هناك بشر يخلون منها؟ هل يُعقل أن يُخان الوطن؟ الوالدين؟ الزوج؟ الصديق؟ الذات!»
قهقهة ساخرة خرجت من جوفها، وابتسامة متهكمة رُسِمَت على شفتيها لتُجيب نفسها:
«لقد خانوا الرب، هل يُعقل أن يُخلصوا لغيره؟»

.
.
.

إن كنتَ تبحث عن شيءٍ يُعلمك الكرامة، فستجده عند الشهداء المدافعين عن أرض وطنهم أينمّا كانوا، ومهما اختلف دينهم؛ فالمبدأ واحد ولا يتغير إلا عند النذل والدنيء.

وتذكر دائمًا: إن كنت بلا كرامة، فلا داعٍ لأن تعيش.
ولا تستغرب إن وصفك غيرك بالسوء، وتباعد عنك الناس؛ فلكل فعل رد فعل.

مرآةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن