أنت تبهرني؛ وصلت للنظرة السادسة بالفعل!
هنا ستصارح نفسك أكثر، ولنرى إن كنت ستكمل الكتاب أم لا.---*---
الصدق والصراحة، قد لا تكسبك الكثير من الناس، لكن ستوفر لك أفضلهم رغم قلتهم.
غابريل غارثيا ماركيث.
---*---
لا ادري من ابتكر كلمة الصراحة، ومن أي جاءت وما هو تاريخها فعلًا.. لكنني أومن بأنه شديد الذكاء والحكمة؛ فمن اوجدها جعلها تتكون من شطرين أساسيين: صـ راحة، حرف الصاد مُلتصقٌ بالراحة.. فتشكلت كلمة صراحة!
ما الذي يرمز إليه الصاد؟ إنه الصدق، الصفاء، الصلابة، الصواب والصلاح.
هل لك أن تتخيل أن تلك الصفات جميعًا رُمز لها بحرف الصاد؟ لترتبط بعد ذلك بالـ راحة!ولأن فكرة الصدف ساذجة بالنسبة لي، وأن لكل شيءٍ سبب.. فما بات تكوين هذه الكلمة عبثًا.
أن الـ صاد راحة طريقها الصراحة. وما من صادقٍ تحدث بصفاءٍ حتى كانت ارضيته صُلبة، وما من صوابٍ إلا جاء لإصلاح.وكما هو متعارفٌ عنكم يا بني البشر، فإنكم تخلطون الأوراق دومًا ببعضها.. بقصدٍ أو بدونه، أنتم تفعلون ذلك.
وبسبب هذا، فقد فَهِم البعض أن الصراحة تكون مُرافقةً للصخب والوقاحة.. فضاع معناها الحقيقي، فزُيفت الحقائق وطُمِرَت، ضاع الصادق في حشد السفهاء وساد الخوف من قول الحقيقة.للصراحة فنٌ يا صاح، هي ليست دولاب ثيابك الذي ضُرِبَ بزلالٍ عنيف ولا حتى افكارك المُبعثرة!
لا تعتقد أن كلامي هذا يشجعك أن تهرب منها، بل إليها! ليست صعبة، لا تقلق ستتقنها بسهولة.
الأمر بسيط لا حاجة لخريطة كي أدلك عليها.تخيل أنك كاتب، تهوى كتابة القصص وشغفك يُحركك دومًا ناحيتها.. لكنك بالطبع لم تولد بمهارات الكاتب المحترف، في سنتك الأولى كهاوي كتابة قصص؟ ستجد نفسك كطفلٍ صغير يحاول أن يخطو خطوته الأولى في المشي.
نعم ستسقط كثيرًا، قد تُجرح، ستتألم حتمًا.. لكن كرد فعلٍ بديهي؟ أنت تنهض في كل مرة تسقط فيها كي تواصل رحلة تعلمك.
هل تأملت المثال جيدًا؟ على الرغم من الألم الذي تسببته لنفسك في كل مرة خذلتك فيها ساقيك الصغيرتين على حملك؟ كنت تصر في الوصول إلى غايتك.حسنًا، لنعد إلى تخيلنا أيها الكاتب.. لنشبه التعثرات باخطائك أثناء الكتابة، كأن تكون اخطاء نحوية، لغوية.. وغيرها. ولنشبه الألم بذلك النقد الذي تسمعه من متابعيك أو حتى ذوي الاختصاص.. الطبيعي؟ ستتعلم من اخطائك، تصححها وتكمل المسيرة كي تصل إلى الهدف.. أوليس؟
ماذا لو كان ذلك النقد الذي وُجِه إليك شديد القسوة، مليئا بكلمات الاستنقاص والوقاحة..؟ غالبًا، سيكون أمامك أحد الطريقين: أما تعتزل الكتابة وتكره اليوم الذي فكرت فيها كهوايةٍ لك.. أو تواصل المسيرة على الرغم من اخطائك ولن تفكر باصلاحها حتى، المهم أن تفعل ما يحلو لك. وطريقٌ ثالث يسلكه القلة القليل: اولئك الذين يعملون على تصفية النقد الموجه إليهم، والاستفادة من خيره وسكب شره في أقرب سلة قمامة.
ذلك النقد، حتى وإن كان يحوي على خمسٍ وتسعين سطرًا مادحًا بقصتك.. تلك الأسطر المتبقية الذامة بأسلوبها الجارح ستثير غضبك.وفي حال كان النقد حاويًا على ثمانية وتسعين سطرًا ذامًا لما كتبته لكن بأسلوبٍ لبق؟ ستجد نفسك تطمح لتقليل عدد تلك الاسطر وتحويلها إلى مدح.
ذات الأمر ينطبق على بقية المواضيع التي تتطلب الصراحة، فهي ليست سيفك لتجريح خواطر الآخرين يا بطل العالم الأكثر جاذبية! بل هي اسلوب تقويمي لتقليل نسبة الاخطاء أيًا كانت.
الفارس لا يقتل أيًا كان، فهو ليس مجرمًا ولا سفاحًا.. بل يقتل العدو!
فارس الصواب يسعى للإصلاح، لا للخراب.اعتبرها عملة واحدة، وجهة فوزك هي الصراحة، وخسارتك هي الوقاحة.
أنا لا اطلب منك أن تُجامل الآخرين، ففعلك هذا سيؤذيهم إن كنت تعتقد أنك تفيدهم وتخشى على خواطرهم من الكسر؛ لأنك إن لم تقل الحقيقة سيقولها غيرك.. قد يكسره بوقاحته، فلِمَ لا تفعلها بنفسك؟
قد تفكر الآن أن لا شأن لك بتوجيه الآخرين، في الواقع عدم التدخل له حدود معينة اوافقك عليها كأن يصل الأمر إلى الحرية الشخصية. لكنك حينما تعتقد بأهمية الكلمة الصريحة؟ قدمها؛ فقد تكون سببًا في تطور هذا الكاتب (على السبيل المثال) فأصبح الأكثر شهرةً في جيله!ارفق صراحتك بالمعلومات المؤكدة أو حتى بتحليلاتٍ منطقية.. ولا تكن فيلسوف القرن الجديد، كُن النور وسط الظلام.
لا يمكن للعالم أن يتطور بدون اكتشاف الحقائق واضاءة الطرقات المظلمة، فقد تكون هناك فكرة أو غاية بحاجة لرأيك، لِم تتلفها بوقاحة كلماتك؟ أو تراجعك عن قول الحقيقة؟
تدهور علاقتك مع افراد عائلتك، اصدقائك، شريك حياتك، زملاء عملك.. قد يكون سببه بعدك عن الـ صاد، فاختفت الراحة من ايامك!
فكر بالأمر مليًا، ستجد نفسك متأثرًا بالأمر بطريقةٍ أو بأخرى.سر على درب الصدق لتنال الراحة، والصدق ليس شرطًا أن يكون نبرةً غاضبة أو حتى كلمة جارحة.. بل قد تكون همسة رقيقة، لمسة حانية تخبر فيها الطرف الآخر أن ما يفعله خاطئ.
ولتتذكر، الخطوة الأولى لتحقق شروط الصراحة هي أن تكون صادقًا مع نفسك أولًا قبل الآخرين.
لتصل إلى الراحة داخليًا؛ كي تتمكن من ايصالها لغيرك أيضًا.
فهل سمعت يومًا عن شمسٍ تضيء كونًا دون أن تحوي بداخلها النور؟