الفصل الرابع والعشرين

778 8 0
                                    


....
أصابعهما متشابكة... عارية بين ذراعيه، تتوسدُ ذراعه التي يمتد جرحٌ عميق من معصمه للأسفل...كانت تنظرُ إليه بينما أنفاسه تستشعرها بجانب عنقها حارة، لتُدغدغ مشاعرها أكثر، لا تُصدق كل ما حدث منذ نصف ساعة...كيف كانت ناقمة عليه تكره مجرد التلفظ باسمه...لتُهجم عليه فجأة تُقبله بعنفٍ كما لم تفعل يومًا...كانت تحتاج فعلا لتلك القبلة لتُشعرها بالقليل من الأمان الذي تحتاجه، تخشى جدا من القادم كما لم تخشه يومًا، كم تكره المواجهات...كم تكره أن يُنظر إليها بشفقة.
-" لقد اخبرته بكل شيءٍ"
همست وهي تندس أكثر بظهرها في حضنه، وكأنها تبحث عن السند الذي استجاب له جسده وهو يُحاوطها أكثر، كشجرة لبلابٍ...بعنفٍ وقوة آلمت أضلعها دون أن تأتي بأي ردة فعلٍ...بينما هو يمنعُ جسده من أن يُعاقبها بالطريقة التي تتحدثُ بها، وكأنه فقدت أملها بالآخر، وكأنها كانت تنتظر منه الكثير...وهذا قاتلٌ له...موجع.

  -" كيف كانت حروقي تؤلمني دون معين، أخبرته بسنوات الجحيم التي قضيتها في الملجأ، بالعجوز الإيطالية التي أوتني لأشهر...أخبرته كم أوجعني موتها، ثم كيف اختبأتُ في هيئة صبيٍّ لأنجو..." صمتت قليلا وجبلٌ جليدي يضغطُ على قفصها الصدري ليمنع عنها الهواء...لكن حرارة جسده كانت تبعثُ القليل من السكينة والدفيء لها... فتُذيبه قليلا قليلا ليخف ثقله قليلا قليلا...نطقت أخيرًا وقبلة حارة توضعُ على ندبتها لتنزل لكتفها وتبقى شفتاه هناك "لكنه لم يهتم...أخبرني أنه لا يهتم إلا لعائلته...وأنا...وأنا مجرد واجب، ملف ككل الملفات التي تُقدم له"
أراد بشدة أن يذهب ليُهشم رأسه...ليجعله يركعُ على ركبتيه ويُخبرها  "أنه يهتم"...رغم الغيرة القاتلة التي تنهشه، لكنه يريدها ان تسمع العبارة منه...فقط كيلا يسمع نبرة التخبط منها...لكن عوض ذلك همس
-" أنا أهتم..."
أدراها برقة يُحدقُ بها..."أقسمُ انني أهتم."
أراد أن يصرخ بقوة وهو يقرأ الانكار من خلال نظراتها.
-" افتحي عيونك"
همس بفحيحٍ وهي تٌغلقهما هربا من المواجهة...كيلا يقرأ عشقها له...ولا يلمحَ عدم ثقتها به.
ابتعد عنها يجلس بعيدًا، في ذلك السرير الأبيض الشاسع...ينظر لتفاصيلها، عيونها المغمضة...وجنتيها المرتفعة وقد برزتهما أكثر نحافتها، عنقها الرقيق الطويل...عظام ترقوتها البارزة...وصدرها الذي ازداد نضجًا عن آخر مرة، عظام قفصها الصدري...ثم...
-" يا إلهي"
لثواني بقي مُسمرًا...بخوفٍ كانت كفه تُخفي بطنها التي ظهرَ بروزٌ طفيف شاذ عن جسدها الضعيف جدا...بينما هي ازداد تنفسها وهو يكتشفُ سرها... ابتعد عنها غير مصدق، تنفس عدة مرات وهو ينظر إليها من علوٍ...لجسدها الذي تخلى عن معالم الطفولة المتأخرة...وكأنها تعدت مرحلة الطفولة للبلوغ بالأمس فقط.
لذلك الانتفاخ الطفيف...الذي لم يلحظه وهو في خضمِ بثها أشواقه...كيف غفل عن تغيرات جسدها؟
كيف غفل أنها يمكن أن تحمل منه وهو الذي لم يستعمل معها أية حماية...وما أدراه بالعواقب وهو الذي لم يعرفها من قبل.
يحتاج للخروج من هنا...يحتاج للابتعاد عنها.
رنين هاتفه أعمله أن خروجه أصبح ضرورة مُلحة.
اتجه حيث ملابسه المنتشرة على طول الغرفة...بينما هي مازالت تُغلقُ عيونها تسمع لحفيفه وهو ينتقل في كل أرجاء الغرفة، حاضنة نفسها كجنين داخل رحم أمه...بصعوبة كان يلبس فردة حذاءه الثانية...وقبل أن يخرج كان يسمعُ همستها
-" أهرب...كعادتك"
عاد إليها...ليرفعها بعنفٍ سرعان ما تحول لرقة وهو يتذكر بطنها...أحاط ذراعيها بعنقه...وقبلها برقة، ذراعه تُحيطُ بجسدها الصغير، وأخرى تتمسكُ برأسها يُثبته.

جرح وشم الروح! ملاك علي.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن