الفصل الثامن عشر

749 8 2
                                    

-" حان الوقت...أهلا بعودتك"

همس خاله وهو يرفعُ يده ليضع المُسدس بها...كان مسدسا إيطاليا قديما...هدية خاله بمُناسبة قتله لأول شخصٍ في حياته... وكان في السادسة عشر من عمره...اهتزت راحة عُقاب وهو يتذكر الجثة الهامدة أسفل رجليه...وكأن روحها تترآى له وهي تُغادر بين أضلعه... ثم كل مخرج نفسٍ...لتلفه!

وكان جائزته هذا المسدس القديم...الذي توارثته أجيالٌ... ليُصبح بين يديه...وتخلى عنه يوم قرر الذهاب بعيدًا.... وبدء حياةٍ نظيفة...!!

بلع ريقه وهو يحشره بين قميصه وحزام سرواله خلف ظهره...ليتجه خلف خاله...!!

..
شعور الخوف والخواء عاد إليه.... أخفى يده التي ترتعشُ في جيبه.... مذاق القتل عاد ليضخ في شرايينه الرغبة في الغثيان.... الكره لنفسه عاد ينهمر لكل جسده.... وعيون الآخر التي اختفت بصعوبة من كوابيسه هاجمته.... وكأن الفوهة مازالت ساخنة والرصاصة تخرج لتخترق الجسد الذي كان يتباهى بقوته ضد نساءٍ.... عيونهن أوسع ما بهن ...من الخوف!

أنين قادمٌ من الزاوية... حيثُ امرأة راقدة والدماء تخرجُ من تحتها...جعله يجفلُ قليلاً.... لتقسو عيونه وهي تعود للجثة الهامدة أمامه....

- " ما الذي فعلته!" صوتُ خاله وصله من الخلف وهو ينظر لجثة أحد رجاله الموثوقين...ليُجيبه بثقة...بعيداً عن الرعب الذي تملكه

- " يستحق.... كيلا يستعرض عضلاته علي"

في تلك اللحظة.... ارتسمت نظرة فخرٍ في وجه خاله...لم يسأله عن السبب...فقط أمره بمرافقته لمكتبه.... ليخبره أنه فخور جدا به... ويُقدم له هديته قائلا:

- " كنتُ أعتقد أنني سأنتظر...لكنك خيبت توقعاتي...أنت رجل... والعمر مجرد رقمٍ...."

منذ تلك اللحظة.... أصبح رجل خاله...وذراعه اليمنى.... كل معاملاته تتم من خلاله....  ليغوص شيئاً فشيئًا في الوحل...ويجدُ نفسه.... غارقًا لأذنيه!

واقفٌ تحت رذاذ الماء.... يستمتعُ بالمياه الدافئة التي تمر على عضلات كتفيه.... ثم صدره التي تئن وجعًا بعد تمارين الضغط التي لجأ إليها.... كوسيلة إلهاء عن ذكريات سوداء تُهاجمه!

خرج لافا المنشفة على وركيه.... اتجه حيثُ رنين هاتفه... ليلمح رقما غير مسجل، ودون اهتمام...كان يضغط عليه مغلقا إياه...!!

ويتجه حيث الشرفة الصغيرة التي تُطل على جبال الريف...التي تلمعُ قممها ببقايا الثلوج... غير مهتم ببرودة الجو...والسيجارة بين أصابعه تجعل الدفيء يتسلل داخله...منظر أشجار اللوز البيضاء الوردية أغصانها...تظهرُ أسفل الجبال من بعيدٍ راسمةَ شكل هالةً ببراعة خالقٍ... وكأنها إحدى الجميلات بفستانها المنفوش.

فتح بوابة الشرفة الزجاجية واستند على السياج المُطل على أسفل الجرفٍ الصخري الذي يحدُ المزرعة...لتلفحه برودة تنخرُ العظام ...وكأن الجبال والبحر الأبيض المتوسط يتنافسان فيمن يضخُ أكثر برودته!!

جرح وشم الروح! ملاك علي.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن