رأسًا على عقب

189 26 7
                                    

وعيه المسجون في زنزانة الظلمات قد تم اطلاق سراحه، وخطواته البطيئة في التخلص من بطشها كانت واضحة؛ فالأسمر كان يستعيد وعيه تدريجيًا. 
حاجباه الكثيفان انزعجا مقتربين من بعضهما؛ فمشاكسات النور كانت كدوي مدفعٍ صامت يحاول أن يوقظ تلك الروح البائسة، منصاعةً لأمر سيدها. وبالطبع لا أقصد السيد بالنور، بل الظلام. مهلًا، لِمَ العجب يا صاح؟ ألا تدري أن النور مؤخرًا بات عبدًا للظلام؟ وأنه قد باع مبدأه دون اكتراثٍ لوعوده؟ وحتى هذا السطر، فلا أحد يدري.. هل النور ظلامٌ منذ البداية؟ أم قد تم التلاعب به؟ أو هو أحد أقنعةُ الظلام؟

تباعدا جفناه عن بعضهما، وراحت رموشه تكنس عن عينيه بقايا النعاس. زفر أنفاسه بضيقٍ، كما لو أنه يُبعد عن صدره ثقلًا أتعبه. 
التقطت عدستاه أشعة النور المشاكسة، فراح يرمقها بغضبٍ هي والستارة المفتوحة.. أنسي أن يغلقها الليلة الماضية؟ 
مهلًا! الليلة الماضية؟ 

انتفض جسده بسرعةٍ دافعًا عنه الغطاء المُلقى عليه؛ لقد استوعب أخيرًا أنه قد اغلق عينيه ليلة أمس على صوت وضربات وحشٍ ما قد داهم منزله بمكرٍ، تحول لاحقًا إلى وحشيةٍ تركت أثارها على جسد الأسمر.. على الأقل كما يعتقد.

أجال نظره سريعًا حوله وهو يحاول أن يتعرف على هوية الغرفة التي كان نائمًا فيها، ما هذا؟ إنه ليس في منزله! هذه الغرفة لم يراها سابقًا! هل اختُطِف؟ 
لحظة أيها الأسمر، هل خاطفك يدللك بفكه وثاقك ويترك لك باب غرفتك مفتوحًا؟ 

بخطواتٍ متسارعة اتجه خارجًا من الغرفة؛ قاصدًا التعرف على ما حدث وما يحدث. هل ما رأه حلمًا؟ إن كان كذلك حقًا لما استيقظ في مكانٍ يجهله! فلا الغرفة ولا الممر الذي يمشي به الآن أو حتى الأثاث الذي يحيطه.. قد رآه سابقًا في حياته، مجددًا، كما يعتقد. وإن كان رسول أحد مهووسيه، فما الذي يدفعه إلى حبسه في مكانٍ مفتوح؟ أيسمى هذا حبسًا حتى؟ فشبابيك غرفته رغم ابوابها المغلقة، إلا أنها مطلةً على حديقةً خارجية، لا أسوار فيها ولا حدائد تمنعه من الهرب!

خطواته تلك تباطأت حينما شاهد أمامه امرأةً بلون بشرةٍ أقرب لأن تصبح زرقاء كالموتى، عيناها جاحظتان تطفوان على هالاتٍ سوداء داكنة أسفلهما، جسدٌ نحيل كمن لم يدخله الغذاء لأيام، شعرٌ أبيض أشعث كمن لم تستحم لأشهر! والرائحة؟ نتنةً مُنفرةً كالقبور. 

بنبرةِ صوتٍ متفاجئة تحدثت السيدة كما لو أنها طبيعية غير ظاهرةً بصورة الموتى التي عليها: «جونغكوك! حبيبي! المجدُ للشيطان؛ لقد استعدت وعيك!»

لم يكن جونغكوك يدري على أي شيءٍ يُذهَل ويُصدَم؟ أعلى صوت السيدة الذي يطابق تمامًا صوت والدته؟ أم تمجيدها لعدو الله؟ أو على رؤيته لتلك المخلوقة في هذا المكان الغريب؟ 

تراجع الأسمر عدة خطواتٍ إلى الخلف ببطءٍ وعيناه مصوبتان ناحية تلك السيدة بترقبٍ وذهول، كان يحاول جاهدًا أن يدفع عقله إلى التفكير؛ فكل ما يراه ويسمعه لا يدل إلا على أمرين: إما أنه قد مات وهذا هو العالم الآخر، أو أنه يحلم!

الذي يساعده الشيطان || JK. KTحيث تعيش القصص. اكتشف الآن