يا خديجة دثريني يا خديجة زمليني!
عاد محمد يتخبط في مشيته ويبكي ويتعرق ويرتجف وما عاد والله إلا من أمر جلل فأتته خديجة بنت خويلد، وجلس في حجرها ثم حكى لها..فقالت الكلمة التي بدأ بها التاريخ أول تصديق لنبوة محمد: كلا والله، لا يُخزيك الله أبدًا.
ثم ذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل
وقد كان شيخًا نصرانيًا أعمى، فأخبره أن ما نزل عليه جبريل وأنه نبي هذهِ الأمة، وكانت خديجة تسمع فيقول: يا محمد ليتني فيها جذعاً -أي أكون قوي- ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله ﷺ: «أو مخرجي هم؟»فتيقنت خديجة أنّ الأمر عظيم لم يأتي على العرب مثله وعلمت أنّ محمّدًا حبيبها سوف يؤذى..
فقال ورقة: نعم، لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.
عادوا تلك الليلة وكل خطوة أثقل من الأخرى تنظر خديجة إلى محمد وقلبها يتقطع على ما سوف يأتي به..
مرت الأيام وانتشر خبر الأسلام وبدؤوا يحيكون المؤامرات لقتل النبي وتكذيب دعوته وتشتيت المسلمين فكان النبي يتألم وكانت خديجة تتألم لألَمه وفِي كل ليلة يعود إلى حضنها لعلها تخفف عنه مايمر به!..
كيف لا! وهي التي قال فيها النبي " قد رزقت حبها" كيف لا! وهي كانت المرأة الأولى والوحيدة في حياة النبي فلم يتزوج النبي غيرها إلا بعد مماتها، كيف لا! وهي التي كان يتحدث عنها ويقول: "كان لي منها" ولد فأبناء النبي القاسم وعبدالله منها وكل بنات النبي فاطمة وزينب وأم كلثوم ورقية..
كيف لا! وهي التي حتى بعد مماتها كانت زوجات النبي يغرن منها قد قالت عائشة: ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان النبي يكثر ذكرها
فقلت: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة!
فيقول بنبرة تملأها الحزن والشوق والحب:"إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد"تمر الأيام حتى تصبح سبع سنوات من انتشار خبر النبوة وزيادة المسلمين وزيادة الإيذاء عليهم حتى كتبوا كفار قريش وثيقة الشر أن يقاطعون بني هاشم وبني عبدالمطلب في شعب أبي طالب،
كان كل هذا يهون على النبي في اللحظة التي يأتي فيها إلى خديجة كل ليلة ويضع رأسه في حجرها ويشكو لها كل ما يجري له،
وفِي يوم عاد النبي مهمومًا ينتظر قدوم خديجة ليحكي لها ولكن من أتى ليسَ بخديجة إنما جبريل فقال يا رسول الله: هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه طعام فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.فأدرك النبي أنها النهاية وأنه مفارق خديجة وما أصعبه من فراق، فراق أول من قال محمدًا رسول الله فراق أول من علم بأمر السماء وكأنهُ بالأمس يأتيها مرتعبًا دثريني زمليني، وهو والله اليوم بحاجة إلى من يدثره..
فقد ماتت خديجة وهاجر النبي من مكة بعدها بثلاث سنوات ولكن الذكريات تأبى أن تفارقه فكان يستأنس بكل ما يذكره بخديجة فقد كان يذبح الشاة ويأتي بها فيقول: اذهبوا بها إلى فلانة فإنها صديقة خديجة، اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت تحب خديجة!،
حتى في الحرب كان يلين قلبه إذا لقي ما يذكره بخديجة، عندما تزوجت زينب أتت خديجة وأعطتها قلادتها وبعد سنوات من انتشار خبر النبوة آمنت زينب ولكن زوجها أبو العاص بقي على دينه وأتت غزوة احد فخرج زوجها مع المشركين لمقاتلة أبيها فأسر مع الأسرى..فلم تجد زينب ما تدفع فدية زوجها به إلا قلادة أمها خديجة لأنها تعلم ماذا تعنى للنبي فلما رآها النبي وكأنما حربًا من المشاعر والذكريات في داخله
فقال:اطلقوا ابو العاص.
وفِي يوم أتت عجوزاً النبي
فقال بشوق: "كيفَ أنتم، كيفَ حالكم، كيفَ كنتم بعدنا؟"
فتعجبت عائشة فقالت أتقبل كل هذا الإقبال على هذه العجوز
فقال: أنها كانت تأتينا في زمان خديجة، هذا الحنين والشوق الذي يصل إلى أن تستأنس بكل من يعيد لنا عبق تلك الايام.
تقول عائشة فغرت فقلت: ما تذكر إلا عجوزًا من عجائز قريش حمراء الشدقين (أي: قد سقطت أسنانها من الكبر) هلكت في الدهر، قد أبدلكَ الله خيرًا منها فتمعّر وجهه (أي تغير) تمعّرًا ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي!.
فقال: ما أبدلني الله خيرًا منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد الناس.-غِياث
أنت تقرأ
السِـيرة النَـبوية(قصص عن حياة النبي)
Spiritualوما فقد الماضون مثل محمدٍ ولا مثله حتى القيـامة يُفقـدُ، سِيرة نَـبيّنا الكَـريم عَـليه الصَـلاة والـسلام🍂. الكاتب (تويتر): @Mme_3455 عبدالله "غياث" الغلاف مِن تَصميمي