(المقدمه)

97 0 0
                                    

صعدت الدرج بخطوات بطيئه...لكنهاتوقفت فجأة في مكانها عندما لمحت عينيها تلك الفتاة التي قابلتها
وهي تهبط من الطابق الأعلى الذي لا يوجد فيه سوى شقتها ....رمشت بعينيها وهي تشاهدها ...تطلع إليها
بابتسامة عابثة ...لا لا بل ابتسامه مستفزة ...شعرت بها تخترق روحها فتقتلها حزناً...لكنها حاولت إخفاء هذا
الحزن بنظرة إزدراء القتها على وجهه تلك الفتاة ...التي يبدوا أنها أفرغت العديد من علب مساحيق التجميل
على وجهها ...ليتناسب بزينته المفرطة مع مجون ما ترتديه ...فستاناً أسود من الدانتيل ...بالكاد يصل إلى
منتصف فخدها ...فستان لا يمد للفساتين بصله ...بل هو أحد قمصان النوم من وجهة نظرها...انتهبت أخيراً أن
الفتاة كانت تراقبها بنظره منتصره...وكأنها فازت عليها في أحد المعارك ...قبل أن تتركها و تكمل هبوط الدرج
وكأنها لوح شفاف لا قيمة له .... أغمضت عينيها ...وفتحتهما نظرت لأعلى .. تريد التراجع .. لكن أوقفها
السؤال أين تذهبين ؟!!.. لم يكن لديها حل سوى أن تكمل صعود الدرج بقهر شديد ...حتى توقفت أخيراً أمام
باب شقتها....لتضع يدها على قلبها الذي كان ينبض بسرعة كبيرة ..لا تدري لما ...هل بسبب صعدوها بضع
درجات بسرعة ؟!...أم من شدة خوفها مما ستتراه في الداخل! .. بالطبع لا لكليهما .. فالدرج اعتادت عليه ..
وما بالداخل تعلمه جيداً.. تراه قبل أن تفتح الباب .. لكنه السؤال الأزلي الذي يجب عليها إجابته .. لمتى ؟!!..
..قررت التجاهل لكل شيء كما تفعل دائماً ..وشدت بيدها على طفلها الرضيع ...وكأنها تستمد منه القوة...ولم
تحتاج لإخراج المفتاح من حقيبتها ...لأن الباب كان مفتوحاً قليلا ...وكأنه يؤكد لها أن ما يدور بذهنها قد
حدث ...لتتقدم للداخل بخطوات مترددة إلى أن وصلت أخيراً أمام حجرة نومها...وما زال الصراع يشتد في
عقلها ...هل وصل الأمر به لاحضار نسائه إلى المنزل ...لم يعد يهتم بشعورها إلى تلك الدرجة ؟!...ألا يكفي
صبرها على خيانته لها ...ليحضر نسائه إلى منزلها وعلى فراشها!!!... مدت يدها لتمسك بمقبض الباب وفتحته
ببطئ شديد...متمنيه أن كل ما تفكر فيه ما هو إلا
وهم...لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ...تأكدت من هذا عندما وجدته جالساً على الفراش عاري الصدر
يدفن عري ساقيه في الغطاء الحريري الخاص بهما .. ...ينفث الدخان من فمه وكأن شيئاً لم يكن...جالت
بعينيها في الحجرة لتلمح الأشياء المبعثرة على الأرض...منها أحد قمصان النوم الذي لم يكن لها... أمسكت
القميص بين يديها وهي تشعر بارتعاش جسدها ...حتى يديها التي لو لم تكن تشد على رضيعها لسقط أرضاً
دون أن تشعر ...التمعت عينيها ببريق ...أبى دمعها أن ينزل ليظهر ضعفها أمامه..... نظر إليها بجفني مسدلين
قليلاً .. لم تسأله...وهو لم يحاول أن يتحدث معها..فكلاهما يعرف ما حدث...فاكتفت بإلقاء نظرة مشمئزه
عليه ...قبل أن تخرج من الحجرة ... وهي تشعر بالقرف من تلك الحياة التي تحياها في نيويورك ...تلك
المدينة التي لا يوجد فيها دين ولا حياء ...مجتمع غربي منفتح...لا يقارن بمجتمعها الشرقي المقيد بقيود
وضعت للمحافظة عليهم
. ...................................................
سمحت للدموع التي حبستها بالهطول ...ليتزامن بكاءها الصامت مع صوت بكاء الصغير المرتفع ...الذي بكى
وكأنه يشارك والدته أحزانها....حاولت أن تقوم بتهدئته حتى نام أخيراً وتركها وحيدة...تطلع إلى نفسها في
المرآه ..بشرتها البيضاء الشاحبه بسبب كثرة البكاء ...الهالات السوداء تكونت أسفل عينيها الخضروان ...رفعت
يدها لتلامس خصلات شعرها السوداء المتعرجه ...لتهمس لنفسها معترفه بالحقيقة التي طالما حاولت إنكارها:
( رؤى ...لم تعد رؤى)
السنوات التي قضتها معه جعلتها تشعر بأنها ليست هي ...وبأن نفسها قد ضاعت منها ...لقد خسرت نفسها
ودينها...نعم دينها ...فأول شئ فعله معها بعد الزواج هو إقناعها بخلع الوشاح الذي كان يغطي شعرها ...ومن
ثم أخبرها بإرتداء البناطيل الضيقة ووضع مستحضرات التجميل ...ليتفاخر بها أمام أصدقائه..وهي للأسف
وافقت على كل هذا لكي ترضيه ...متناسيه أن إرضاؤه سيغضب الله..... لا بل اقنعت نفسها أن رضاؤه طريقها
لإرضاء الخالق .. أغمضت عينيها بمرارة مدركة أن سجن والدها وضربه لها أرحم بكثير من سجن رجل خائن لا
يهتم بها ...رجل لا يشعر بالغيرة عليها ...رجل ليس برجل ... حركت أنامها على وجه الصغير الذي أغمض
عيونه ...وهي تخبر نفسها ...بأن عليها التحلي بالقوة ...والخروج من هذا السجن وستكون أول خطوة لذلك
هي أن تبدأ بالتوجه إلى الله وطلب العون والمغفرة منه

أنات في قلوب مقيدهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن