(الفصل السادس)

23 0 0
                                    


يقولون أن الأم هي منبع الحنان
هي بحر العطاء
وجودها يشعرك بالأمان
ويعطيك أملا في الحياة
وبدونها
تنقلب حياتك إلى ماسأة
(رؤى)
...........................
(أمي...)
تلك الكلمة التي أوشكت على نسيانها ....كلمة امتنعت من قولها ....رغم كون والدتها حية ....وها هي واقفة
أمامها....ليست سيدة عجوز قضت الباقي من عمرها حزناً على فراق ولديها ...بل هي سيدة.من يراها
سيعتقد أنها في ريعان شبابها...هي حتى تبدوا أصغر منها !....هل من المعقول أن تكون هذه هي أم!!!.
هذه هي والدتها !...أغمضت عينيها وهي تحاول التحلي ببعض القوة ...فبعض أن كانت تقنع نفسها
بأن والدها ربما هو من منع والدتها من التواصل معها ....وربما كانت هذه النقطة التي ستشفع لها عندها
ارتسمت ابتسامه حزينه على شفتيها...وهي تقول إذا كانت حزنت ولو قليلاً لم تكن لتبدوا بهذه الرشاقة
والجمال ....لكن يبدوا أن اهتمامها بجمالها كان أكبر من حزنها على فراق ولديها ...
استمعت إلى صوت زوجها وهو يخبرها :
(اسرعي فلا وقت لصدمتك الآن !!...)
تطلعت إليه بدهشه هل يخبرها بأنه ليس هناكِ وقت لصدمتها...ولكن كيف كذلك ؟!...كيف وهي ترى والدتها
أمامها
بعد كل هذه السنوات....والدتها التي حفرت ملامحها في عقلها ...لكي تعرفها عندما تلقاها....كيف؟!؟..وكيف
وهي تشعر أنها لا ترى والدتها....بل ترى سيدة أنيقة بشعر أشقر وعينان سوداوان....وبشرة صافية ...خالية
من التجاعيد....لا تدري هل بسبب جراحات التجميل....أم أنها بارعة كثيراً في وضع المستحضرات التجميلية
....لدرجه أظهرتها أصغر بكثير من عمرها....للحظة شعرت بأنها مخطئة وبأن هذه السيدة ليست والدتها ..بل
هي مجرد واحدة تشبهها لا أكثر....هذا ما حاولت إقناع نفسها به خاصة بعد أن رأتها تسلم على حاتم وتقبله
من وجنته وكأنها معتادة على ذلك!!!!
لتأتي بعدها  واحتضنتها على مهل  وقبلتها قبلة صغيرة من وجنتها لتبتعد بعد ذلك لتقوم بتقبيل الصغير
وهي تهتف بابتسامة :
(طفلكِ يشبهكِ إلى حد كبير...)
لحظات من الزمن تجمدت ملامح رؤى ...وأبعدت يد والدتها بلطف وسألتها بجمود وكأنما تريد
ان تنفي ما تفكر فيه :
(من أنتِ؟!....)
(ماذا ألم تعرفيني بعد؟...أن أمك....)
قالتها والدتها بدهشه من ملامح ابنتها الجامدة لترفع رؤى أحد حاجبيها باستنكار:
(أمي؟!....)
تابعت حديثها بنفس النبرة الجامدة:
(عفواً يا سيدتي يبدوا أنكِ أخطأتِ العنوان...فأمي توفيت منذ زمن بعيد...)
تسمرت تولين في مكانها وتكرر صدى الكلمة في رأسها ...أمي توفيت ...تكررت الكلمة في عقلها كثيراً...
فلا يوجد أصعب من تكون ميتاً في نظر ابنتك...تراجعت للخلف وهي تهتف بنبرة متقطعه:
(ماذا تقولين؟!...)
(كما سمعتي ؟!...)
قالتها بجمود وعندما هزت تولين رأسها تحاول نفي ما تفكر في ابنتها ليقاطعها حاتم قائلا :
(يكفي ...سنتابع هذا الحديث في وقت لاحق..)
أومأت تولين برأسها بينما لم تبالي رؤى بحديثه وكأنه لا قيمة له آآآ
...........................................
(سيكون حضورك مفجأة كبيرة لمحسن؟...)
قالتها تولين وهي مستمرة في قيادة السيارة بعد أن لاحظت صمت الجميع وكأن على رأسهم الطير...
لياتيها صوت حاتم قائلا بتعجب:
(لم أفهم؟!...)
أخبرته تولين بتوضيح:
(انا لم أخبره بعودتك ...لتكون مفجأة له...)
هز رأسه وهو يخبرها بسخريه:
(لكنه يتوقع عودتي في أي وقت ...)
أومأت تولين برأسها وسألته محاولة تغيير الموضوع:
(أخبرني هل ستقيم معنا ...أم في منزلك ؟...)
(في منزلي...لحظة ...تولين هل تحققين معي )
أجابها لتهز راسها نفياّ وعادت لمتابعة القيادة إلى متابعة القيادة بصمت غافلة عن ابنتها التي كانت مغمضه
عينيها بتعب لكن أذنها التقطت الحديث الدائر بينها وبين حاتم وهناك سؤال جديد تردد في عقلها:
(ما هي العلاقة التي تربط والدتها بحاتم؟...)
**************************************************
كان سامر جالساً خلف مكتبه وهو يتذكر آخر لقاء لهما ...عندما أخبرته بأنها ستخطب لرجل غيره ...ورغم كل
ما قالته...إلا أن هناك شعلة أمل بداخله ...تخبره أنها لن تتخلى عنه...تلك الشعلة التي انطفأت عندما دخلت
إلى حجرته بعد طرقها للباب ...لتتقدم منه وقبل أن يبدأ بالحديث لمحها وهي تقدم كف يدها له لتجعله
يرى خاتم الخطبة بوضوح .....ولم تكن فعلها كبعض الهواء الذي جاء ليطفئ الشمعة بسهولة...بل كان جبلاً
من الماء نزل عليها ليقوم بتدميرها ...أغمض عينيه وفتحهما وهو يخبرها بقوة لا يملكها في الوقت الحالي:
(مبرووك يا علا...)
صمت قليلا قبل أن يتابع كلامه:
(ألم أبارك لكِ قبل الآن؟...)
أخبرته وهي تومئ رأسها بدهشة من رد فعله:
(نعم ...ولكني أشعر أنها كانت ليست من قلبكِ...)
هل هي غبية ...أم أنها تدعي الغباء؟!...كيف يبارك لها من قلبه؟!....
أطلق تنهيدة خافته قبل أن يجيبها:
(بالتأكيد لا ...أنتِ تستحقين السعادة؟...)
أومأت برأسها وهي تشعر بالدموع تتجمع في مقلتيها ...فتركته وغادت بسرعة ...وهي تمسح دموعها بأناملها
يكفي إلى هذا الحد...لقد تنازلت بما فيه الكفاية ...ولن تسمح بإهدار كرامتها أكثر من ذلك...
...............
كان يتطلع إلى الباب التي خرجت منه بجمود شديد...لقد كان محقاً منذ البداية ...لا وجود لشئ اسمه
الحب ....والفتيات عندما يخبروك أنهم يحبوك ...تعني لديهم أنهم يريدون الزواج..لا يقصدون معنى الحب
الحرفي ...الذي هو التضحية من أجل من تحب ...وأن تراه كاملا رغم وجود العيوب فيه ...وان تكون ذاك
الشخص الذي يستند عليه عندما يكون بحاجتك.......لا أن تتخلى عنه في أول منعطف لكما...لا ان تتركه
وترحل وكأن شيئاً لم يكن....
ضحك سامر بسخرية هل الحب الذي يفكر فيه موجود في المسلسلات والأفلام؟!....أم في عالم الخيال ؟؟!....
ذلك العالم الذي يكون خالياً من العقد....بعيداً عن المشاكل...بعيداً عن الفراق ...
يبدوا بأنه حقاً كذلك ؟!؟..الحب مجرد خيال....آآآ
وأفضل مثال على ذلك هي علا...التي تخلت عنه وخطبت إلى رجل آخر ...لتؤكد له تفكيره عن الحب ...وأنه
كان على حق منذ البداية ....
أغمض عينيه وهو يقول بوجع :
(ليتنا لم نلتقي يا علا....وليتني لم أحبك....)
***************************************************
كانت جالسه أمام أيمن ....ودموعها تنزل على وجنتها بانهيار وهي تخبره :
(أنا تعبت يا أيمن....لم أعد أستطيع التحمل ....)
تباعت كلامها وهي ما زالت مستمره في البكاء :
(هل تعلم لقد تعمدت خروجي في وقت متأخر لمقابلتك...لأرى ماذا سيفعل ...لكنه حتى لم ينتبه لخروجي
لم يسألني أين أذهب في ذلك الوقت؟!...ومتى سأعود؟!...)
كانت تتحدث بألم نابع من قلبها ....مما جعل الجالس مقابلها يمد كفه ليضعها على كفها قائلا بمواساه:
(اهدئي يا هند....)
انتفضت من لمسته كمن لدغتها أفعى .... ما الذي تفعله؟!...كيف تقص مشاكلها عليه؟! ..كيف تتحدث عن
عدم اهتمام والدها  بها أمامه....لقد خرجت من منزلها حزينه من والدها.....وهو بسؤاله عن حالها....كانت
القشه التي أدخلتها في حاله من الهستريا....لتقص عليه كل مشاكلها ...والآن ماذا....هي نادمة أنها خرجت من
منزلها وهي بهذه الحالة من الحزن ...وماذا تتنظر ...لماذا ما زالت جالسه أمامه !!
اعتدلت قائمة وامسكت حقيبتها لتجري من أمامه بسرعة وهي تمسح المتبقي من دموعها ....لتركب سيارتها ..
وهي تطلق تنهيدة راحة ممزوجه بالحزن....فرغم تسرعها في إخبارة عن حزنها من معاملة والدها ...الا أنها في
ذات الوقت شعرت بالراحة من عدم إخبارها له بعاملة شقيقها معها....
.........................................
وصلت هند إلى منزلها في وقت قياسي لا يتعدى الخمس عشرة دقيقة ....وهذا بفضل قيادتها بسرعة فائقة ...
وقد كانت لتتسبب في حادثة إذا لم يكن الطريق خالياً من المارة في هذا الوقت...
دخلت إلى حجرتها وأحضرت ورقة وقلم ....لتجلس على فراشها ....وتبدأ تسطر كلمات كانت محبوسه بداخلها
(الشئ الذي تفتقدة يكون أهم شئ في الحياة بالنسبة لك....فالذي يفتقد المال ....يشعر أن المال أهم شئ في
الحياة ....وأن لا شيئ يسير بدونه....والذي يفتقد السعادة ....يرى أنها أهم شئ في الحياة ....والمريض يرى
أن الصحة شئ ... وفاقد اهتمام الوالدين مثلها ...يرى أن أبوين يحبونك ويسهرون على راحتك...هي نعمه
كبيرة لا تقارن بملايين الدنيا...
*********************************
(ستدفع الثمن ...)
قالتها تلك الفتاة وهي تطلع إليه بوجهها الأحمر من شدة الغضب وعينيها التي تشع كراهيه ليجيبها وليد قائلا بتقطع :
(عن أي ثمن تتحدثين؟...أنا لم أفعل لكِ شيئاً)
(ثمن طفلي الذي قتلته ...ثمن حياتي التي كنت السبب بنهايتها...سبب سعادتي التي حولتها إلى حزن ...)
أجابته بصوت عالي وبنبرة جعلته يرتعد خوفاً...ليبدأ بالتراجع للخلف بينما هي بدأت في الاقتراب منه ....وهو
ما زال مستمراً في الابتعاد ولم ينتبه لتلك الحفرة العميقة خلفه ....إلا
عندما سقط بداخلها وهو يصرخ بصوت عالي:
(لا.....)
....................
في تلك الحظة استيقظ وليد بفزع من ذلك الكابوس وظل يتحسس وجهه ... وكأنه يتأكد من أنه مازال على قيد الحياة ... وعندما لامست حبات العرق يده ....تنهد
بارتياح ... وهو يفكر بأن المشروب لم يعد مفيداً ....لذلك يجب  عليه إيجاد طريقة أخرى لايقاف
تلك الكوابيس....آآآ
*******************************************************
(هل ستظلي تتأمليني كثيراً؟!....)
قالها حاتم بخبث وهو يلاحظ نظرات زوجته له  منذ لحظة دخولهما إلى المنزل وهذا جعله يشعر بالدهشه
فهي تتأمله بدلا من تأمل المنزل ..حتى انها لم تلاحظ رنا التي انصرفت بعدما أشار لها حاتم على حجرتها
وأخبرها أن تقوم بتنظيف المنزل ...كل هذا وزوجته لازالت واقفه تفكر في غموض زوجها  الذي يزداد....وهي
لا تستطيع معرفة شئ ...
فقدوم والدتها لتستقبلهم في المطار ....وحديثها معه في السيارة عن ذلك الرجل المسمى (محسن) والذي
سبق وقد سمعت اسمه من قبل؟!....وفي النهاية اعتراضه في وسط الطريق على الذهاب معها وإخباره
لها بأن توصله إلى منزله .... كل ما حدث جعلها تتسائل عن العلاقة التى تربطه بوالدتها ....العلاقة التي تجعلها
تقبله من وجنته أمام الناس وكأنها صديقته!!!...العلاقة التي تجعله يناديها بإسمها مجردا ...دون وضع ألقاب
واحترام فرق السن بينهما....وهي حتى لم تتعجب من هذا ....وكأنها ....وكأنها معتادة على ذلك ...
انتفضت من تفكيرها على سؤال زوجها فتطلعت إليه لتراه يبتسم ابتسامة خبيثه وقد أدركت من كلامه
أنها قد أطالت شرودها أكثر من الازم...فغادرت مسرعه من أمامه وهي تقوم بتأنيب نفسها لأنها جعلت
الابتسامة ترتسم على شفتيه....آآ
................
عندما دخلت إلى الحجرة وقفت تتأملها قليلا ....كانت تحتوي على أريكة في أحد الزوايا...بينما كان الفراش
موضوعاً في المنتصف وفي زواية أخرى من الحجرة كان يوجد دولاب بنفس لون الفراش ....
أغمضت عينيها وهي تفكر بأن الألوان الداكنه التي تسيطر على الحجرة ....تشبه حياتها الداكنه والخالية من
البهجة ....
قامت بوضع طفلها على الفراش وأخرجت هاتفها من حقيبتها ...وكتبت رقم شقيقها...تنوي إرسال رسالة له
تخبره بعودتها ....لتضرب جبينها فجآة وهي تقول:
(نسيت أنني يجب أن أشتري خط جديد...)
قالتها وألقت الهاتف على الفراش ...وقد قررت الذهاب غدا لمفاجئته بعودتها وبعدها ستفكر في شراء خط
جديد....
*****************************************************************
خرجت رنا من حجرتها وهي ترتدي عباءة منزليه قصيرة بنصف أكمام .....لكي لا تعيق حركتها أثناء التنظيف
لكن ملامح الدهشه ارتسمت على وجهها عندما لاحظت الذي كان جالساً على الأريكه ......لوهله أرادت التراجع
إلا أن صوته العميق أوقفها:
(متى ستبدأين التنظيف يا رنا ؟!....)
(في الحال!!!!....)
قالتها بتقطع لتتوجه بسرعه إلى المطبخ وعادت بعد لحظات وهي تحمل أدوات التنظيف لتجد حاتم ما زال
جالساً في مكانه ....واضعاً قدم على قدم...ويتطلع إلى الهاتف في يده باهتمام....مخبراً إياها دون أن يبعد
عينيه عن الهاتف:
(قومي بعملكِ ...)
أومأت رأسها بتوتر ... وبدأت تعمل برشاقه  ...محاولة إنهاء عملها بسرعة ...والهروب من نظراته ...التي
كانت تفصلها بالمعنى الحرفي ...لا تعلم هل تفسر نظراته بطريقه خاطئة ....أم أن عينيه تتأملانها بجرآه..
قامت بتأنيب نفسها على هذا التفكير ....ففي النهاية هو الرجل متزوج....
أوقفت تفكيرها عند هذا الحد....وتابعت عملها ..وهي لا تعلم بأن تفكيرها خاطئ ....فهو
بالفعل متزوج ...وزواجه لن يمنعه عن التفكير فيها ...لأنها تعجبه ...
وهو جالس هنا فقط من أجل مراقبتها ...ومشاهدة توترها ...الذي يبدوا واضحاً في أفعالها ...اعتدل واقفاً
عندما انفتح دبوس شعرها مما جعله ينساب على ظهرها ليعطيها مظهرا جذاباً....كان ظهرها كافياًليغريه
وعندما التفتت له وشاهد احمرار وجنتيها وهي تخبره بتقطع:
(سأعود بعد لحظات يا سيد حاتم!!!!....)
حتى اسمه له طعم مميز من شفتيها ....يجب أن يحصل على هذه الفتاة بأى ثمن ...يجب أن تدفع ثمن إنقاذه
لها من الخطف...!!!
............
صدح صوت رنين جرس الباب في تلك الحظة مما جعل حاتم يتوجه ناحيته وهو يقول بضيق:
(ألم تستطيعوا انتظار الصباح؟!...)
أجابته تولين وهي تشير إلى الرجل بجانبها:
(والدك غضب عندما علم بحضور وأصر على القدوم لرؤيتك...)
تطلع حاتم إلى العجوز ذو الشعر الأشيب والذي تقدم منه ليحتضنه فبادلة حاتم الاحضان بمجامله
وعندما ابتعدا عن بعضهما هتف بحسن بعتاب:
(لماذا لم تأخبرني بأمر عودتك...)
أجابه حاتم بعد أن لاحظ إشارة تولين:
(كنت أريد أن أصنعها مفجأة لك...)
أومأ محسن براسه ...وتوجه الجميع للداخل ولم ينتبهوا إلى رؤى التي استيقظت على صوت رنين الجرس ...
وفتحت الباب قليلا....لترى من الذي حضر إلى زوجها في هذا الوقت المتأخر

انتهى الفصل

فوت وكومنت لكي يتم تنزيل الفصل القادم

أنات في قلوب مقيدهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن