(الفصل الثالث)

40 0 0
                                    

استمعت رؤى إلى صوت أنفاسه الغاضبة ...وهو يقود سيارته في صمت ...جعلها تشعر
بالخوف الشديد ...خاصةوهى لا ترى شيئاً....بسبب تلك القماشة الموضوعه على عينيها...توقفت السيارة
فجأة مما جعل الخوف يزداد في داخلها ...ترى أين هي الآن ...هل أخذها إلى أحد المناطق النائية ليتخلص
منها ...لا لا بالتاكيد لن يفعل !!!..
مجرد التفكير في الآمر جعل جسدها يرتعش بشدة...وعندما مد يده ليسحبها لخارج السيارة سألته بتقطع
من شدة الخوف:
(إلى اين تأخذني يا حاتم...)
لم ترى تلك الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه وهو يخبرها بنبرة زادتها رعباً:
(إلى الجحيم...)
أنهى كلمته وسحبها من يدها بقسوه ...حتى شعرت به يتوقف أخيراً ...ومد يده ليبعد تلك القماشة عن عينيها .
لترمش هي عدة مرات حتى تعودت عينيها على ذلك الضوء الخافت وخرج صوتها متقطعاً وهي تسأله:
(أين أنا ؟...)
لم تتلقى إجابة منه فأدارت وجهها قليلا لتتأمل المكان لكنها تصنمت في مكانها عندما شاهدته ...كانت حجرة
ضيقة قليلا...بها بعض الآلات المخيفة ...والغير معروفة بالنسبة لها ...لكن ما جعل بشرتها البيضاء تصبح
شاحبه فجأة ...هي وجود بعض الدماء الجافة على أرضية الحجرة
لتعيد سؤالهاوقد ازدادت حدقتيها اتساعا:
(أين أنا؟...)
أجابها بابتسامة وهو يمعن النظر في بحر الخضار المرتعب في عيناها:
(هنا يتم عقاب الخونه...)
رفعت رؤى أحد حاجبيها لتخبره باستنكار وهي لم تفهم  قصده:
(إذا من المفترض أن يتم عقابك هنا...)
أطلق ضحكة عاليه جعلت نبضاتها تتقافز بعدم انتظام ....ليمد يده ليضعها على كتفها قائلا بسخريه:
(أنتِ قاسيه للغايه يا حبيبتي...تريدين أن يعاقب زوجك وتتكسر عظامه بهذه الآلات...)
ترك كتفها وتحولت نبرته إلى الجدية عندما لاحظ عدم فهمها :
(ألم تفهمي قصدي بعد!؟؟...هنا ستأخذين عقابك...)
أجابته بقوة ظاهرة تنافي ما يحدث داخلها:
(لماذا أعاقب ؟...وهل انا مثلك!.كل يوم مع رجل...ولا أهتم بمشاعر زوجي؟...)
ما كادت تكمل كلامها ...حتى شعرت بصفعه قويه تنهال على  وجنتها بقوة ...جعلتها تتراجع للخلف ولولا
تماسكها لكانت وقعت على الأرض من قوة الصفعه ...رفعت يدها لتضعها على وجنتها بذهول ...أول مرة تراه يفقد
أعصابه بهذه الطريقة ...لدرجة أنه قام بضربها من شدة غضبه ...وعندما تلاقت عيناها الخضروان التي التمعتا
بالدموع ...بعينيه الحمروان كلون الدم ...ووجهه الذي زادها رعباً ...وأنفاسه المتسارعه ...وكأنه كان
في سباق ...ابتلعت تلك الغصة بحلقها...وهي لا تصدق أن الرجل الغاضب أمامها ...هو نفسه الرجل الذي كان دوما
يقابل حديثها بسخرية..وحتى لو غضب في بعض الأحيان ..فغضبه لا يقارن بغضبه الآن ...لقد أخرجته عن شعورة
لأول مرة ....والآن ماذا؟هي حتى لا تستطيع وصف شعور الرعب في داخلها ...لا لا كلمة رعب قليله على ما تشعر به
الآن...فلو قام بقتلها هنا لن يشعر بها أحد...أغمضت عينيها للحظات قبل أن تشعر به يسحبها إلى عمود موجود في
الزاوية ...وقام بتقيديها فيه بواسطة حبل سميك...وذهب ليحضر عصا طويلة بمجرد رؤيتها ...ابتلعت ريقها ...قبل
أن تطلق صرخه عاليه ...مع أول ضربه سقطت على ظهرها الناعم ....ظل يضربها ويضربها....ولم يكن يعلم ...
أن ضربه ..جعلها جعلها تستعيد ذكريات لطالما حاولت أن تنساها...ذكريات ضرب والدها لها ...عندما كانت تخطئ
كان يعاقبها بنفس الطريقة ...يبدوا أن جميع الرجال هكذا يعتقدون أن ضرب المرآه رجوله ...
ابتسمت بألم عندما شعرت بدوار يحتل رأسها....أجبرها على إغماض عينيها ....وآخر ما شعرت
به هو ابتعاد تلك العصا عنها...قبل أن تذهب إلى عالم آخر ...متمنيه ألا ترى عينيها الضوء مرة أخرى
****************************************************
كان سامر جالساً خلف مكتبه يرتاح قليلا بعد إجرائه لجراحة (استئصال الزائدة) لأحد المرضى...صحيح أن الجراحة
لم تكن بتلك الصعوبة التي يحتاج لراحه بعدها ...لكن هذه كانت الحجه التي وجدها ليهرب من نظراتها ...لا يدري
لمايهرب إذا كان لم يخطئ ...لكنه يشعر أنه يظلمها معه !!!.
انتبه إلى صوت طرقات على باب مكتبه فأغمض عينيه واعاد فتحهما قبل ان يسمح للطارق الذي يعرفه جيداً
بالدخول...وما هي ثانية حتى وجدها واقفة أمامه...وكما اعتادها دوما... جميله لا ينكر هذا ....بشرتها بيضاء..
التي يشع اللون الأحمر منها ...عيناها السوداوان الواسعتان...الذي يتناسب لونهما مع مزيج شعرها الاسود
ملامحها كانت بها لهفه واضحه لرؤيته وهذا جعله يشعر بتأنيب الضمير ...
تقدمت ناحيته بخطوات ظنها بطيئة لشروده في ملامحها...ولم ينتبه لها إلا عندما جلست أمامه ليتطلع
إليها قائلا بجديه:
(خير يا دكتورة علا ...هل هناك خطب ما؟.)
هزت رأسها بتعجب  من تحفظه بلقب(دكتورة) رغم أنهما بمفردهما ...إلا انها تركت التعليق على ذلك لما بعد ...
وأخبرته وهي تطلع بإمعان إلى عسلي عيناه التي تعشقها :
(هناك أشياء أرغب في التحدث معك بها ....لذا أريدك أن تدعوني لشرب فنجان من القهوة...)
بدت نبرته مرتبكه وهو يخبرها:
(ألا تستطيعين التحدث هنا؟...)
هزت رأسها بالنفي قائلة بإصرار:
(أحتاج للتحدث معك خارج إطار العمل ...)
ورفعت أحد حاجبيها باستنكار:
(إلا إذا كنت لا تمانع من التحدث هنا...)
هز رأسه بالنفي فهو يرفض التحدث عن (الأشياء الخاصة ) في العمل وأخبرها بجدية:
(حسناً ....سنذهب بعد انتهاء العمل...)
أومأت برأسها واستأذنت منه لكي تذهب لتكمل عملها بفحص الأطفال...بينما هو يفكر في السبب الذي
جعلها تصر على مقابلته اليوم خاصة أنه لم يمضي سوى يومان على خروجهما معاً
***********************************************************
كانت هند واقفة أمام المرآه تمشط خصلات شعرها الشقراء...لتقوم بعدها بتكحيل عيناها الزراقاون...وتطلعت إلى
ملابسها المكونه من قميص أحمر طويل يصل إلى الركبة ...ومن أسفله بنطال ضيق باللون الأسود...رفعت
أكمام القميص قليلا ...وتأملت نفسها في المرآه برضا ...قبل أن تمسك حقيبتها وتخرج من الحجرة ...وكالعادة
لم تجد أحد تستأذنه قبل خروجها...أو يسألها عن مكان ذهابها....فتحت باب المنزل وخرجت وهي تشعر أنها
تخطئ ...بموافقتها على الخروج مع شاب لا تعرفه ...شاب رأها ذات مرة في أحد المقاهي التي تزورها دائما...ومن
يومها وهو يلاحقها بالرسائل والمكالمات الهاتفيه ....لا تعرف كيف أحضر رقمها ...ولكن كل هذا لا يهم الآن ...هي
وافقت على الخروج معه وانتهي ...
.....
بمجرد وصولها للمقهى...أخذت تتلفت حولها تبحث عنه بعيناها...حتى وجدته أخيراً جالساً حول منضدة قريبة
منها.....أخرجت هاتفها المحمول وأحضرت صورته التي أرسلها لها من قبل ...وأمعنت النظر في الصورة بدقة ...
قبل أن تنظر إليه مرة أخرى متأكده أنه هو ....نفس البشرة البيضاء...والعينان الرماديتان ...والشعر الأسمر
المصفف بعنياه ....عليها أن تعترف بأنه وسيم ...وأن مئات الفتيات يتمنين الخروج برفقته ....كما كان يخبرها
في رسائله...وهي التي كانت تخبره بأنه مغرور...
أكملت سيرها في اتجاهه وهي تقدم قدم وتؤخر الاخرى ...هناك شئ بداخلها يحاول يمنعها من السير في هذا
الطريق لكنها تجاهلته وحاولت إكمال سيرها بصورة عادية...تنافي نبضاتها التي تتسارع بخوف شديد...جعلتها
تتساءل بتعجب ....ما الذي يدعوها لهذا الخوف؟....الشاب لن (يأكلها)...أقنعت نفسها بأن هذا الخوف لانها أول مرة
تخرج برفقة شاب لاتعرفه...وماذا عساها تفعل ...لقد شعرت بالملل من الوحدة ...رغم وجود الجميع حولها
بأجسادهم إلا أن عقولهم في مكان آخر ...حتى صديقتها برغم أنها تحاول مساعدتها والتحدث معها ...إلا أنها لا تنكر
أن رؤى نفسها بحاجة إلى المساعدة ...وكلاهما يحاولان مساعدة بعضهما لكن من دون جدوى....
....................
أطلقت تنهيدة خافته قبل أن تنادي عليه :
( أيمن؟...)
نطقت اسمه بتساؤل وكأنها تؤكد لنفسها أنها لم تخطئ ...لينتفض هو واقفاً واقترب منها قائلا بلهفه:
(هند !...لماذا تأخرتي؟!...ظننت أنكِ تراجعتِ عن موافقتك بالخروج معي...)
معرفته اسمها جعلتها تتأكد أنه هو مما جعلها توتر إلى درجة لم تستطع فيها الرد عليه... ليخبرها وقد رسم ابتسامة
غامضه على شفتيه:
(لا داعي لكل هذا التوتر...)
ظلت صامته ولم ترد عليه لتسمعه يسألها بابتسامه:
(هل سنظل واقفان طويلا...)
هزت رأسها بالنفي دون صوت فهتف وهو يشير إلى المنضدة التي كان يجلس حولها:
(حسناً تعالي لنجلس هناك..)
لم تكن تظن أن الكلام معه صعب إلى تلك الدرجه....هي جالسه امام شخص غريب ...لتتعرف عليه ...لكنها لا
تستطع الكلام معه...وماذا ستقول إذا تحدثت ...شعرت أنها تسرعت في إرسال تلك الرسالة خاصة عندما استمعت
إلى سؤاله:
(لماذا وافقت على لقائي...بعد رفضك العديد من المرات؟...)
*******************************************************
(أين أنا ؟...)
قالتها رنا بارتجاف واضحاً في نبرة صوتها ...وهي ترى نفسها في مكان لا تعرفه ... وهناك فتيات يضحكون
ضحكات مخيفة ...جعلت القشعريرة تسري بكامل جسدها ...فاحتضنت نفسها وهي تتمتم بتقطع:
(ابتعدوا عني...)
ظلت تكررها مرات عديدة ولم تشعر بشقيقتها التي كانت ممسكه بذراعها تحتمي بها حتى التقطت أذناها صوتها
الباكي لتطلع لها محاولة تهدئتها:
(اهدأي يا نور...)
ظلت تهدأها والصغيرة لا تكف عن البكاء وهي تدفن نفسها بين أحضان شقيقتها....إلى أن تعبت من كثرة البكاء
ولم ترى عيون رنا التي كانت تلتمع ببريق الدموع أبت النزول لكي لا تشعر شقيقتها بضعفها...لقد أخطأت ...
عندما فكرت بالهروب ...عندما لم تفكر بنتيجة خروجها من الملجأ...وهي لا تعرف شيئا عن العالم الخارجي ...نعم
أخطأت ...وستدفع شقيقتها معها نتيجة هذا الخطأ...
.............
انتبهت إلى صوت فتاة تخبرها:
(اسمعيني جيداً...)
تطلعت رنا إلى الفتاة وسألتها بتقطع:
(أين هم ؟...)
ردت الفتاة بعدم فهم:
(من تقصدين؟!...)
(الفتيات الذين كانوا يضحكون...)
قالتها بنفس النبرة المتقطعه لتجيبها الفتاة:
(لا يوجد هنا أحد غيري يا آنسه...)
هزت رنا برأسها بتعجب وهي تفكر أن تلك الضحكات التي سمعتها ما هي إلا مجرد خيال من صنعها...ولكن أين هي الآن؟
وما هذا المكان الغريب؟!...ومن هذه الفتاة ؟
وكأن الفتاة قد قرأت أفكارها فقاطعت تفكيرها قائلة:
(بالتأكيد تتسألين أين أنتِ الآن؟...)
****************************************************
أخذها لتناول الطعام في أحد المطاعم كما طلبت هي...فقد كانت تريد أن تمهد لنفسها الموضوع الذي ستفتحه معه
...والذي بلا شك قد يؤدي إلى انفصالهما و...
أفاقت على صوته وهو يسألها بجدية:
(أخبريني ما هو الموضوع الذي تريدين التحدث معي فيه؟...)
تطلعت إليه وسألته بنفس النبرة الجادة:
(هل تحبني يا سامر؟...)
رفع أحد حاجبيه قائلا بتعجب:
(ما هذا السؤال يا علا؟...هل هذا هو الموضوع المهم؟...)
ردت علا قائلة بغموض:
(من فضلك أجبني على السؤال ...)
(نعم أحبك ...)
أجابها لتسأله بهدوء ينافي دقات قلبها المتسارعه:
(هل من المحتمل أن يكون حبك هو حب مراهقه...)
رغم تعجبه من سؤالها إلا انه أجابها:
(بالتأكيد لا...أنا رجل ناضج وانت تعلمين أن عمري جاوز الثلاثون...)
أومأت برأسها وقد وصلت إلى المغزي من كلامها:
(إذا فما الذي يمنعك من الزواج؟...)
اخبرها وقد انتفض واقفا كمن لدغته أفعى :
(أخبرتكِ من قبل أنني لا أحب التحدث في هذا الموضوع...)
(من فضلك اجلس يا سامر ...)
نطقتها برجاء ليتطلع هو حوله إلى الناس الذين بدأو بالإلتفات لهما ...فجلس مرة ثانية
وهو يجز على أسنانه قائلا بضيق:
(ماذا تريدين يا علا...لقد انتهى الحوار بمجرد فتح هذا الموضوع..)
ردت علا بنبرة حزينة:
(أنا وأنت نحب بعضنا ...وأنت تملك المال الازم للزواج...فما الذي يمنعك منه...)
أجابها وهو يحاول تهدئة نفسه :
(ببساطة شديدة لأنني لا أريد الزواج...وقد صارحتك بهذه منذ بداية علاقتنا ...أنا أحبك...وأنتِ تحبيني...لكن بلا
زواج...)
أجابته علا بجدية:
(أنا أعلم أنك صارحتني ...ولكن إلى متى ستسمر علاقتنا في السر ...)
(سر!!...)
نطقها بذهول وتابع كلامه :
(علاقتنا ليست في السر ...أنا أخرج معكِ أمام الناس ...وعمتي تعلم بشأنك...والموظفون في المشفى أيضاً يعلمون
بذلك...)
أومأت برأسها وهي مدركة أن كل ما يقوله صحيح...حتى والدتها تعلم بذلك ونصحتها مرات عديدة بالابتعاد عنه
قبل أن يعلم والدها ...ولكنها أخبرتها أنه يحبها وسيتزوجها ...وها هو جالس أمامها يخبرها أنه لا يفكر بالزواج
تطلعت إليه قائلة بجدية:
(ولكنها سريه بالنسبه لي ...لأنني أخفيها على والدي..)
ظل صامتاً ولم يرد عليها...لأنه لم يجد إجابه يعطيها إياها ...هي فتاة مثل أي فتاة تريد الخروج معه أمام أهلها
والتحدث عنه أمام صديقاتها...لكن هو لا يريد ذلك...فمهما انكر ستظل هذه العلاقة(سرية) كما قالت...ولكنه
رفع نظرة إليها متظاهراً بالامبالاه:
(هذه مشكلتك...)
(مشكلتي؟!...)
نطقتها بذهول وتابعت كلامها قائلة:
(بما أن هذه مشكلتي فأخبرني ما هي نتيجة هذه العلاقة من وجهة نظرك ؟...أخبرني لأكون على علم بها ..ما نتيجة
هذا الحب ...إذا لم يتوج بالزواج...)
أطلق تنهيدة خافته وهو يخبرها:
(الحب لا يتوج بالزواج..بل ينتهي به ...وبالنسبة لنتيجة العلاقة فسأخبركِ بصراحه لا أعلم...)
تطلعت علا إلى عينيه قائلة بقوة:
(وماذا لو أخبرتك أن هناك شاب متقدم لخطبتي ...ووالدي موافق عليه ...فماذا ستقول؟...)
إجابته كانت بمثابة مطرقة ضربت رأسها بقوة خاصة عندما رات ابتسامته وهو يخبرها بجمود:
(مبارك لكِ..)

                       انتهى الفصل

أنات في قلوب مقيدهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن