(الفصل الخامس)

30 0 0
                                    


أبحث عن الاهتمام
لا أجده من أب أو أم
أو حتى اخٍ أفقدني شعور الأمان
الذي لا أجده سوى
بين جدران حجرتي وبعد إغلاق الباب !!
فخرجت أبحث عنه بين الغرباء
ولكنني لم أتلقى من نفسي سوى العتاب
وكأنني ارتكبت جرما ....أو خطأ فادحاً لن يكون مصيره الغفران!!
(هند)
لم يعد يعلم ما الذي يحدث له...وكيف سولت له نفسه أن يفكر في شقيقته بهذه الطريقة القذرة....لا شك أنها
أصبحت تخشاه الآن ؟....لقد أصبح مصدر خوفها بدلا من أن يكون مصدر أمانها ....أغمض عينيه وهو يفكر
أن قد شرب البارحة كثيراً لدرجة أنه لم يكن يعي ما يفعله إلا أنه ما زال يتذكر نظراتها المذعورة عندما اقترب
منها....لم يعد يستطيع التوقف عن الشرب...فربما يموت....ليس لأنه قد اعتاد على الشرب ....بل بسبب تأنيب
الضمير!!....أغمض عينيه وهو يستعيد ذكرى هذا اليوم الذي مهما حاول لن يستطيع أن ينساه....فهذا اليوم
الذي كان آخر لقاء بينه وبينها عندما أخبرته أن يحضر مسرعاً لأنها تريده في موضوع هام
............................
جلس مقابلها وهو يخبرها بضيق:
(أخبريني ماذا تريدين ؟....ولماذا طلبتي لقائي بهذه السرعة ؟...)
رغم ترددها في إخباره إلا أنه أقنعت نفسها بضرورة ذلك فهو يجب أن يعلم ليخرجها من تلك الورطة لتغمض
عينيها قبل أن تخبره بتقطع:
(أنا حامل !!...)
انتفض واقفاً كمن لدغته أفعى وحاول التحكم في أعصابه وهو يخبرها:
(ولماذا طلبتي مقابلتي ؟....كان من الطبيعي أن تذهبي للمشفى...)
(مشفى ؟!....لم أفهم؟!...)
أخبرته بتعجب ليخبرها ببساطة:
(لتتخلصي منه...)
ارتسمت ملامح الصدمة على وجهها وهي تخبره:
(ماذا؟..هل تريدني أن أقتل طفلي ؟...)
أومأ برأسه وهو يخبرها بلا مبالاه :
(نعم ...إذا كنتِ تريدين أن نظل معاً...)
لا تعلم كيف خرج نبرتها قوية وهي تخبره :
( أنا لن أقتل طفلي يا وليد ...)
أومأ برأسه وهو يخبرها ببرود :
(كما تريدين ...ولكني لن أعترف به يا ليلى...)
لم ينتظر أن تجيبه ليتابع آخر كلماته قبل أن يغادر:
(لا تريني وجهكِ إلا بعدما تتخلصين من الطفل...)
فتح عينيه وهو يعترف لنفسه بأنها قد نفذت كلامه ولم تريه وجهها ....لأنها قد أقدمت على خطوة لم يكن
ليظن أنها ستكون بمثل هذه القوة لتفعلها...خطوة لم يكن ليعرف بها ...لولا إرسالها لتلك الرساله التي تخبره
فيها بأنها ستخلصه من الطفل ومنها...وحينما أسرع لكي يلحقها ...وجد أن الآوان قد فات ....وأن الوقت قد
تأخر كثيراً ...فقد استمع إلى أصوات العويل في منزلها....تلك الأصوات كانت وقتها كالرصاصة التي اخترقت
قلبه...ألم كبير شعر به وقتها وإلى الآن ....ما زال مستمراً ..؟.وما يخدره هو المشروب....الذي يجعله يرتكب
أخطاء لا ينتبه لها إلا عندما يعود إليه عقله...
*************************************************************
كانت علا واقفه بجوار ذلك الشخص المسمى بخطيبها....وبريق الدموع بدا واضحاً في عينيها....قد يظنها
الجميع أنها دموع السعادة..لكنها في الحقيقة تعبر عن انكسار قلبها....وقد كانت تحاول السيطرة
عليها في كل لحظة...ترفع أناملها لتمسحها....لأنها تعلم أنها إن تركت العنان لدموعها ....فستنفجر ...ولن
تستطيع التوقف وعندها سيتساءل الجميع عن السبب الذي يجعل العروس تبكي في يوم خطبتها!!!
انتفضت من تفكيرها على صوته وهو يخبرها :
(ماذا بكِ يا علا؟!....)
أجابته بابتسامه مزيفه:
(لا شئ...)
(حقا!!!...)
قالها بشك لتؤمئ له برأسها وهي تخبره:
(لا شيئ يا عادل ...فقط رأسي يؤلمني قليلا...)
رد عادل قائلا بقلق:
(هل ترغبين في عدم الخروج اليوم؟...)
ظهر الأمل في صوتها وهي تخبره:
(حقا....هل أنت جاد ؟...)
هز رأسه نفيا وهو يخبرها بجدية:
(نعم....وسأقضي معكِ الغد بأكمله...)
ردت وقد عاد اليأس يتسلل إلى صوتها:
(لا ...فلنخرج اليوم ...لأنني غدا لست متفرغه...)
أومأ برأسه موافقاً لتتنهد هي براحه فالخروج برفقته لمدة ساعة او ساعتين أفضل من قضاء يوماً كاملا
برفقته...
.......................................................................
أوصلها إلى منزلها بعد خرج برفقتها في نزهة قصيرة ....لتتوجه إلى حجرتها ...بسرعة ...وقامت بإغلاق
الباب خلفها ...واستندت بظهرها عليه....وهنا فقط سمحت لدموعها بالهطول ....تلك الدموع التي حبستها وهي
جالسه برفقته...ولم تكن قادرة عن النظر لعيناه...لأنها كانت تعلم أنه بقرارة نفسه يريد سؤالها عن سبب هذا
البريق بعيناها ....لذا فضلت الهروب من سؤاله وطلبت منه مباشرة بعد تناول الطعام أن يرجعها إلى منزل...
فلم تكن قادرة على الاستمرار أكثر من ذلك ...وضعت يدها على فمها تمنع شهقاتها التي بدأت بالارتفاع
هي تشعر أنها تكذب على نفسها ....وليس على عادل ذلك الشخص الذي لا يستحق أن تستغله لتثير
غيرة سامر ..إذا كان هذا أول يوم تقضيه برفقته ....ولم تعد تقدر على التحمل فماذا ستفعل في كل
مرة يأتي ليزورها في منزلها ....أغمضت عينيها وهي تردد من بين شهقاتها :
(لماذا فعلت بي ذلك يا سامر ...لماذا لا تكون أنت بدلا منه...)
تابعت حديثها بعد أن هدأت قليلا :
(أنتظر بشوق أن أرى رد فعلك على خطبتي ...)
***************************************
بعد أن انتهت رنا من إنهاء مهام المنزل من ترتيب وتنظيف وإعداد الطعام أخذت شقيقتها التي كانت جالسه
على الأريكه لتعود إلى الى حجرتها ....لكنها توقفت عندما استمعت إلى صوت رؤى التي خرجت من حجرتها
لتوها :
(انتظري يا رنا...)
التفتت إليها رنا باستفهام فتقدمت رؤى ناحيتها وسألتها بجديه:
(أخبريني كيف تعرفتي على حاتم ؟!...)
ظهور التوتر على ملامح رنا جعل رؤى تتأكد أن هناك سر لا تعلمه لذلك كان عليها أن تقوم بأخذالصغيرة
وأدخلتها إلى الحجرة بينما عادت إلى رنا التي رسم على ملامحها علامات التعجب ...لتقترب منها قائلة :
(اسمعيني جيداً....كوني على ثقه أن إجابتك مهمه بالنسبة لكلانا...)
لم تكن رنا تعلم ماذا عليها أن تفعل ...أتستمع لكلام الشخص الذي أنقذها...بعدم إخبار أحد عما حدث معها ...أم
تخبر تلك السيدة بما حدث معها ...وربما تعرف منها الحلقه المفقودة التي تبحث عنها ...لكنها خائفة ...خائفة
من ذلك الرجل...الذي وإن كان أنقذها في ذلك اليوم...إلا أن الأيام القليلة التي قضتها هنا ...جعلها تدرك أنه
ليس من الصواب أن تتجاهل أوامرة ...خاصة وهي ترى معاملته مع زوجته...
انتفضت من تفكيرها على صوت سيدتها :
(إذا كنتِ خائفة ...فأنا أضمن ألا يعرف حاتم ما ستخبريني به....)
ماذا تنتظر أكثر من ذلك ها هي تخبرها أنها لن تخبر ذلك الرجل بما ستقوله ...إذا فلتخبرها بما حدث
أغمضت عينيها وفتحتهما وأخبرتها بهدوء:
(سأخبركِ بكل ما حدث...).
وبدأت بسرد بكل ما حدث معها منذ هروبها من الملجأ ...حتى وصلت إلى إنقاذ حاتم لها ....وهذا ما جعل رؤى
تربط بين إخبار حاتم لها بالعودة إلى مصر ...وبين ما حدث مع رنا ....فمنذ متى يهتم زوجها بإنقاذ أحدهم
وما يثير دهشتها هو إخباره لرنا بعد إخبار أحد بما حدث معها؟!...وفي النهاية يأتي ليخبرها بأنه رنا ونور
سيسافران معهما...لازال هناك أسئلة غامضه تدور في عقلها...وأكيد إجابة هذه الاسئلة موجودة لدى زوجها...
و...
انتفضت من تفكيرها على صوت رنا:
(فيما تفكرين يا سيدتي ؟...)
سألتها رؤى قائلة بجدية:
(كم عمركِ يا رنا ...أنتِ وشقيقتك...)
ردت رنا بتعجب:
(واحد وعشرون....ونور عمرها تسع سنوات....ولكن لماذا؟!...)
أخبرتها رؤى وهي تهز رأسها نفياً:
(لاشئ ...كان مجرد فضول....)
أومأت رنا برأسها لتخبرها رؤى:
(بالمناسبة لا داعي للالقاب ...ناديني رؤى ...)
ترددت رنا قليلا فأخبرتها رؤى :
(أنا لست سيدة أحد...هيا ناديني بإسمي لا داعي لهذا التردد...)
(رؤى...)
نطقتها  رنا بتقطع لتبتسم رؤى قائلة :
(حسنا ...اذهبي لترتاحي قليلا وبعدها قومي بإعداد حقائب السفر...)
غادرت رنا ولم تسمع رؤى وهي تقول بخفوت:
(يا ترى ما الذي تخفيه يا حاتم!!!...)
*****************************************************************
خرجت من حجرة المكتب لتعود إلى حجرتها...لم يكن هناك داعٍ للبكاء ....فهي قد اعتادت على كونه مشغول
دائماً ...اعتادت على عدم اهتمامه به....وعدم تحدثه معها....حتى وهي في أشد الحاجه للتحدث إليه...يخبرها
أن تنتظره ساعه...والساعة معناها أنه لن يتفرغ لنهاية اليوم....وإذا لم تجد احداً تقص عليه ما يؤرقها ...فهناك
أيمن ....إذا لم تستطع أن تقص عليه ....نظرات وليد لها ...فعلى الأقل ...يكفيها اهتمامه الذي يظهر بوضوح
في نبرة صوته أثناء مهاتفته لها....يسألها عن أحوالها .. ويطلب منها الاهتمام بصحتها....و...
ارتفع صوت رنين هاتفها برساله قطعت تفكيرها فأخذته لتجد رسالة منه عبر الواتساب:
(كيف حالك؟...)
كلمة مكونه من كلمتين ....كانت كافية لجعل الابتسامة ترتسم على شفتيها...لترد عليه بكلمه واحدة :
(بخير...!.)
(بخير فقط؟!...دون أن تسأليني عن حالي...)
أجابها فلم ترد ليرسل لها رساله ثانيه:
(حسنا ...سأجيب بنفسي ....أنا بأحسن حال لأنني أحدثك...)
لم تعرف بما تجيبه لتجد رساله ثالثه منه:
(إذا ألن نلتقي ثانية ؟!....)
أخيراً استطاعت أن ترد عليه:
(بالتأكيد سنتلقي...)
وبسرعه وصلتها رساله أخرى :
(متى ؟....غدا؟!...)
أصدرت ضحكة صغيرة وردت عليه:
(لما أنت مستعجل ؟!....)
(أخبركِ  بالسبب ولا تتضايقين؟!...)
أجابها لتخبره :( لقد اشتقت لكِ...)
ظلت صامته تطلع لرسالته ...وهي تشعر بنبضاتها ...تتسارع....من مجرد كلمه !!!
لم تستطع بعدها أن تجيبه لكنها لمحت رساله اخرى أرسلها:
(سأنتظركِ غدا في نفس المكان ...في الساعة الخامسة مساءاً...)
**********************************************
بعد مرور عدة ساعات وصلت الطائرة  أخيراً إلى بلدها...لتشعر بدفء غريب يحتل كيانها...عكس
برودة الغربة ...فها هو وطنها...وها هي على بعد ساعات قليلة من رؤية شقيقها ... ووالدها...ان تشعر
بالاشتياق لشقيقها فهو طبيعي ....ولكن الغريب أن تشعر بالاشتياق لوالدها....
اعتدلت قائمة وهي تقوم بتغطية وجه طفلها...لكي لا يصاب بالبرد....وسارت خلف زوجها ...الذي ما هبط من
الطائرة انتظرها حتى أصبحت إلى جواره ...وتطلع إلى رنا التي كانت ممسكه بيد شقيقتها وأخبرها بجمود:
(اتبعيني...)
أومأت الأخيرة برأسها فأكملوا سيرهم وتوقف عندما استمع إلى صوت يهتف بإسمه من بعيد ليلوح هو
بيده بابتسامه....بينما ظهرت الصدمة على ملامح الواقفة بجوارة وهمست بإسمها بلا وعي :
(أمي...)

انتهى الفصل

أنات في قلوب مقيدهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن