248 27 6
                                    

وقفنا في وجه حفيد السيدة المحبوب ، وسيدي لم يتغير وجهه المطمئن ، بل إنه يحاول طمأنتي بإبتسامته الدافئه .

صمت لورانس ، لوقت شعرت فيه بعضلات ساقيّ ترتخيان ، وجالت برأسي مليون فكرةً عن مصيري ، هل سأموت ؟ سيقتلني لورانس ؟ لن يكتفوا بتسريحي أنا متأكد .
وعدت برأسي لإعتراف السيده ، يوم قالت لي أنهم عائلة من القتلة المأجورين ، اللذين يتلقون الأوامر من الطبقات الحاكمه في لندن فيقتلون من يعاديهم ، ففكرت بأن قتلي يسيراً للغاية ها هنا ، مثل ضرب ذبابةٍ لن تكلفك سوى تحريك يدك حركة بسيطه فينتثر دمها دون أن يمسّك ، لقد خفت وأرتعشت عظامي . ولم أسمع شيئاً مما تحدث به سيدي مع شقيقة الذي يصيح غاضباً ، لأن صوت قلبي قد غلب على هذا كله ، فصار يدق بقوة وعلى وتيرةً مرتفعه .
في لحظة ما ، وجدت أن لورانس قد غادر الغرفة وأن سيدي واقفٌ أمامي يحمل كوب ما ويريد مني شربه فأنهرت على الأرض غير قادر على حمل نفسي مجدداً .
عاونني سيدي ، وحاول طمأنتي . لكنني قرأت في وجهه القلق والخوف 
هو ايضاً يخاف من جدته ، وإن كان لا يظهر هذا ويتنكر بشجاعة محمومه وبسالةً واهمه .

عدت لغرفتي وبقيت فيها ، أعض أصابعي وأبتهل لأنجو مما وقعت فيه ، وينجو سيدي المسكين كذلك .
كنت أفكر في إبتداع عذرٍ سخيف مثل أنني تذكرت عائلتي وأخذني الحنين وبكيت ، فحاول سيدي مواساتي . لكن المشكلة تكمن في نقل هذا العذر لسيدي ليصبح قولنا متطابقاً ، فأنا لا أقدر على الخروج من غرفتي من شدة خوفي .

في منتصف الليل ، تم إستدعائي للأعلى
وأجتمعت بالسيدة وحفيديها في جناحها
ظلت تطرق بعصاها الأرض، ويقف خلف عربتها لورانس المتجهم .
كان الجوّ متوتراً خانقاً ، لم أعش في خوف كهذا طوال حياتي وخشيت على سيدي أكثر من خشيتي على نفسي بصراحه ، فالسيد لورانس يبدو مستميتاً ليكون هو الأول والأساسي في القصر ، والسيدة تريد تنصيب حفيدها المحبوب على رأس العائله

ضحك سيدي ، تفكك وجهه عن ضحكة صاخبة ضربت في جدران الجناح الساكنة فدوّت مثل قنبلةً تأثيرها في القلوب ، أختفى الخوف من قلبي وأنا أنظر لوجهه وفكّه يهبط أكثر موسعاً ضحكته ، وتحيّرت الجدة وحفيدها عن سبب هذه الضحكة المرحه ، فلاذت كل مشاعر الغضب والكره ، وتضائلت أمام بسالة ضحكته وضخامة بهجته .

قال بعدما استعاد توازنه ؛ جدتي..لماذا تنظرين لي هكذا ؟ أنتي تضحكينني !
فقالت السيده : قل لي ياحفيدي الأكبر..متى تنوي أن تترك ميولك المنحرفة تجاه الخدم ؟

إلتاع صدري وتقلب في داخلي موج كاسح ، وعاد الخوف يجرّ أطرافي ويشل لساني .

قال لورانس : أخي لقد رأيتك بأم عينيّ فلا داعي للنكران.
ثم تابع وهو يشير نحوي ؛ أمره سهل التدبر ولكن..هل ستفعل هذا مع كل خادم جديد نحضره ؟

شلّ قلبي ، وشعرت بالأرض تدور تحت قدماي ، ورأيت أنني لست فعلاً سوى ذبابةً أزعجت ذوو السلطة فأختاروا محيها بكل سهوله
عادت الأرض ترسن تحت قدماي مع مجيء صوت سيدي المطمئن وهو يحيط كتفي بيديه : تتدبر أمر من ؟ لن تلمس شعرةً من هذا الشاب!

ثم تقدم وجلس تحت قدمي السيدة وقال : أمي..لقد فعلت كل شي طُلب مني حتى الآن دون اعتراض، ونفذت كل أمر وجهتيه نحوي، وأرى أن علاقتي مع هذا الشاب لا تمت لكِ بصله ، ولا تقع تحت نطاق أوامرك الغاليه..وكذلك لا تمتّ لأخي الصغير ، فلماذا لا تدعييننا وشأننا مادمت أطيع ما تلفظين ولم أصبح شيطاناً متمرداً بعد ؟

صمتت السيده تنظر لوجه سيدي ، وشد لورانس على يده غاضباً ، ثم جاء صوتها نافذاً : العلاقات مع الخدم لهي فعل شائن لا يليق بنا .

فنهض سيدي من تحت قدميها وقال : لكنه قلبي..قلبي يريد ياجدتي!
- لا وجود للعواطف ياوليام ! لقد قلت لك هذا مراراً !

رفع رأسه وحدّق في السقف بشرود  ثم نظر نحوي وقال مُذعنا راضخاً لصوتها النافذ ورأيها الحاسم وجبروتها العظيم : حاضر..جدتي . ولكن عديني أن لا تؤذيه هو..لا علاقة له .

وأشار نحوي .


شعرت بشيء ما يتمزق في داخلي ، رغبت بمعرفة ماهو فحاولت نبش صدري وأنا أخطو نافذاً في وسط ظلمة القصر الحالكة نحو غرفتي ، وفشلت . هل قُطعت الروابط التي ربطتني بسيدي ؟ بهذا السهوله ؟ وكنت أظنها قوية متينة لا تنقطع .
جلست على سريري أفكر ، وقد غدا الخطر الذي يداهم حياتي سهلاً هيناً الان ، وغدا الافتراق عن سيدي هو الصعب المُريع .
ذلك الرجل المتقلب ، الذي يبالغ في ضحكته ويشق بها عنان السماء ، ويضع مكيالاً زائداً من الحب في حديثه فيغري القلب
هل سأفترق عنه ؟ ولن أعود لأسمع نكاتة الساذجه وأتحسس ملامساته العابرة لي ؟ ولن أقرأ على مسامعه جريدة الصباح ؟ وأصارحه بالقول أن لورانس لا يعجبني ؟

ظهر سيدي ، مخترقاً ظلمة الغرفة ، ظهر مثلما رأيته أول مره وكل مرةً بعد تلك المرة ، بوجه متبسّم وعينان ضاحكتان ، مادّاً يده نحوي كأنه أبليس يدعو ادم ليفارق الجنّه  :
قال لي :
حان وقت المغامرة يازين ، تعال معي لنجوب الأرض وحدنا!

✞1993✞حيث تعيش القصص. اكتشف الآن