210 25 5
                                    

غادر ضيوف سيدي ، وأكدّت سيدة القصر للورد قبل مغادرة عائلته بأنهم ينوون التقدم لطلب يد هيلين ، لسيدي .
سمعت هذا وأنا أحمل الحقائب للعربه ، فتجمدت في موقفي ، ونظرت لوجه سيدي فوجدته مبتسم ضاحك في وجه والد خطيبته .

ما إن تحركت العربة وأبتعد الضيوف عن مجال القصر حتى صاح لورانس ، بأنه يريد الزواج بهيلين ، وصاح سيدي بأنه لا يريد الزواج مُطلقاً ، لكن السيدة دقت الارض بعصاها فصمت الحفيدين
وقالت قولها النافذ : لورانس لازال صغيراً على الزواج، وأنت تحتاج لزوجة تعتني بك.

- هل ستعلم الزوجة أنني قاتل ؟ هل سنخبرها ؟
دقت السيدة الارض بعصاها مجدداً وأصمتت الجميع ، ثم نهرت آليونا آمرةً بأن تعيدها لغرفتها لترتاح .

غادر لورانس فوراً للمدينة غاضبٌ من ضياع زوجته التي أمضى أياماً يرسم خيوطه حولها ، وجلس سيدي في الحديقة يشرب الشاي ، لكن الشاي لم يجدي نفعاً فلجئ للكحول

وقال بعد ثلاثة كؤوس من الخمر : يبدو بأن..بأنك تمقتني الان يازين .

فقلت أنا الواقف بقربه : لماذا قد أفعل ياسيدي؟
- لقد قلت لك بأنني أحبك البارحة ولكنني اليوم رجل مرتبط..كما ترى فالعجوز تتخذ القرارات ونحن دمى تُطيع!

تنحيت عن وقوفي واقتربت منه ثم قلت ؛ صحيح..لقد سمعت قولك البارحة ياسيدي..وأحيطك علماً أنني صدقته ومضيت وفقاً له..لا تخذلني أرجوك .

- هاه؟ أخذلك؟ ألم تسمع ؟ انا سأتزوج بتلك العاهره!
- حتى الان..فهذه مجرد أقاويل ياسيدي.

ضحك السيد ، ضحك حتى وقع عن كرسيّه ، وتأذى مرفقه ، ولازال سيدي يضحك .

في المساء المتأخر ، قبيل صعود السيدة لجناحها لتنام ، وصلت رسالة مغلفة بالمخمل الأسود ، مطلوب تسليمها للسيد وليام شخصياً باليد .
فصعدت لأسلمها له ، وما إن رأى المظروف المخملي الأسود حتى نهض جفلاً ، ومزقه بحثاً عن الرساله بداخله ، ثم هبط السلالم نحو الاسفل وقال للعجوز : امي..وصلت..انظري!

جفلت العجوز بدورها ، وآليونا التي كانت خلف مقعدها تحركت فتقدمت واقتربت لترى المظروف
صمت الثلاثة مجتمعين يحدقون في ذلك المظروف ، وانا أرقبهم مثل قط يخشى الوقوع في المصيده
لكن المصيدة فوقي ، وأنا فيها .

نهض سيدي ، ثم نظر لي وقال : سنأخذ زين ..هذه المرة يا أمي .

نظرت نحوي السيدة ، ثم تبسمت ، لأول مره
وأومئت موافقةً .

في منتصف الليل خرجت ، مع سيدي وآليونا ، وعدساتها العاكسة للضوء ، ورداء الخادمات الغريب الذي ترتديه طوال الوقت .
خرجنا لننفذ مهمةً كاللتي يذهب لها سيدي دوماً
لم اعرف ماهيتها ، ماذا افعل هناك ، وأين سنذهب حتى
لكنني مضيت ، خلف سيدي ، أنظر لجسده يخترق الظلام ، ويمشي فيه بشموخ ، يحفظ طريقه في الظلام كما يحفظ خطوط يده ، مضيت واثقاً فيه آنذاك .

الآن .. وانا على وشك رمي قنبلة يدويّه الى منزلٍ فيه عجوزٍ معاقه غير قادرةٍ على الحراك ، واطفالٌ صغـار
أتذكر نفسي حينما كنت في الثامنة عشر من العمر ، حين كانت روحي بيضاء لم تتلطخ بالدماء .

إنني أفكر .. أفكر في تلك الفترة كثيراً .
لكن الوقت ينفذ ، وفتيل الحرب قد اشتعل منذ زمن
إنني أرى ، أرى آليونا وهي تخرج من حقيبتها البريئة المظهر مجموعة متفجرات . الآن يا زين . لا وقت للشفقة على النفس
ولا وقت للتفكير في الماضي
الآن يا زين ، عليك أن تقتل أكثر ، أكثر براءةً من السابقين .
ولكن عقلي يستمر في أن يفكر .. هل هناك من يستحق تضحيتي هذه ؟

✞1993✞حيث تعيش القصص. اكتشف الآن