ثامناً، إلٰه الخداع.بَعْد عَودَتِي لِلمَنْزل، ضبطْتُ المُنَبِّه ليُوقظَني بعْدَ ساعة، ثُمَّ ارْتَميتُ عَلَى السَّرِير، لِأَسقُطَ نائِمة.
لوهلة ظننْتُ أنّ ما أراهُ واقِعاً، كنتُ أسقي وردةً سوداء موضوعة في مزهريّة، فجأة التفَّت حول يدي اليمنى بأشواكها الحادّة، ورغم نزفي لكنّني لم أتألّم، بل لم أتزحزح من مكانِي، حتى وصلت على رقبتي وصار كل جسدِي ينزف، وبالرغم من أنها تحيط بعنقي وتشد عليه كَيَد قاتلٍ تحاول خنقَ ضحيّته، لكنني كنْتُ أتنفّس بكلّ أريحيّة
حينَ استيقَظْت، شعرت بألم حول عُنُقِي، غَسَلْتُ وجهِي، و أَخذْتُ حمَّاماً سَريعاً، قُمْتُ بتنشيف شَعري الأسود القَصير الَّذي بلكادِ يَصلُ لمنتَصفِ رقْبتِي، ثم ارتَدَيْتُ بِنطالتً أسْوداً و كَنزةً بَيضاء، و سُتْرة بِلونٍ خَمْرِيّ، و جَزْمَةً سَوْدَاء، و حاوطْتُ عنقي بعقد صليبٍ، ثم خَرَجْتُ، بادِئةً يوماً آخَر...العمل كانَ لابأسَ بِهِ، كُنْتُ شبه نائِمة طوالَ الوقت، لٰكنْ طَبعاً، حَتّى لَوْ عُدْتُ للمَنْزِل باكِراً، لنْ أستطيعَ النّومَ، لِذَا قَرَّرْتُ البَقاء فِي الصّيدَلِيّة.
عَملي هُوَ الأمْرُ الوَحيد الّذي لَمْ أَتَأفّفُ منهُ يَوما، أَو أشْعرُ بالملل عِندَ فِعْلِه، لأَنَّهُ حلم حَياتِي، لأَنَّنِي تَعبْتُ وكَدَّيتُ، و قُمْتُ بكُلّ خُطوَة لوحدي بالاعْتِماد على نفسي، كانَ كُلّْ مَا يَتَعَلّقُ به مُمتِعًا، أَنا أعْملُ فِي هٰذِه الصيدلية منذ سَنوات، ولمْ أشعر بالمَللِ أو الكُرهِ تِجاه هذه الوظيفة، سوى في هذا اليوم.
لا أدري لماذا، لكنني لمْ أُطِق رؤيةَ أحد يدخل الصّيدليَّة، لم أُرِد إِلقاء التّحية عَلى أحد، أو التَّحدث مع أحد، لم أوَدّ أن أحْسُب أو أسجِّل المبيعَات على الحاسُوب المحمول، أردْتُ فقط أن أكون لوحدي، و اقرأ، أجل، أتَتْني رغبة عارمة بالذَّهاب للمكتبة، و القراءة وعدم رؤية أحَد، أو التّحدث مَع أحد.
بِحلول السّادسة بعد الظهر، قرَّرت إغلاق الصيدلية، لأنّني شعرت بحجرٍ موضوعٍ على صدري يمنعني من التنفس طوال النهار، قرَّرتُ شِراء برغر و تناوله على الطّريق إلى مكتبة الّتي تحتاج عشر دقائق للوصول إليها سَيرًا على الأقدام، كان الجو ينذر بقدوم عاصفة قوية.
متى ينتهي تشرين؟ بل متى ينتهي فصلُ الشتاء بأكملِه؟بعدَ أربع أشهر.
محادثاتي الدَّاخليّة سخيفة جدًا، دومًا كنتُ مُمتنة أنَّ لا أحَد يقدِر على قِراءة الأفْكار لأنَّني سأكُون مَهْزلة أمامَه.
عِند دُخولي المكتبة، كنْتُ قد أنْهيتُ البرغر خاصّتي، عقّمت يديَّ بِسائل مُعقِّم أحضرتُه معي مِن الصَّيدَلية، ثمّ توجّهْتُ لِقسْم الكلاسيكِيّة الرُّومانسيّة الملكيَّة.
وضعْتُ السّمّاعَات في أذنيَّ، ووصلتها بالهاتف، أخذْتُ إحدى الكُتُب مِن رفِّ الكتب أمامي، ووضعْتُ موسيقى رأيتُ أنّها تُناسب الرِّواية، الّتي حكمْتُ علَيها مِن غِلافها و جلسْتُ على إحدى الطَّاولات الموجُودة في القسم.

أنت تقرأ
نور الإله
Fanfictionمئات من السِّنين داخل سجن الوحدة، بعضها خلف قضبان حقيقية، يتذوّق الألم من ملاعق الشياطين، وبعضها حرٌّ طليقٌ بدون منزلٍ يبثُّ في روحه الأمان، لكن إن قرَّر يوماً الهرب، هل سينجو بحياته؟ أم أنّ أصابع الظّلمات ستبقى تدغدغه لتخرج أسوأ مافيهِ، هل سيجد نور...