الثّاني والثلاثون، مَجهول.حينَ استيقظْتُ، كانَ رأسِي يؤلمني بشدّة، لَم أتحرَّك من مكانِي كثيراً، فقط لغسلِ وجهي، عدا ذٰلك بقيتُ مُستلقيةً على الأريكَة أفكِّرُ بكلِّ شيءٍ وبنفس الوقت لا أدري بمَا أفكر، ربطْتُ قدرتَكَ المُخيفَةَ تلكَ بمعرفَتكَ بالسِّحر، لمْ أجدْ شَيئاً منطقيَّاً غير هذا، بكلِّ ساعةٍ أمضيها معكَ اكتشفُ مُصيبَة جديدة؛ رغمَ أنَّني لَم أمانع سابقاً أنّك تُمارسُ السَّحر بتلكَ الدرجة، رُبَّما لأنَّني رأيتُ الجانبَ غيرَ المُؤذي منْه، الجانبَ اللطيف المسلّيَ فقط.
اتصلَتْ عليّ أمِّي تَسألني إنْ كنْتُ سأحضُرُ على الغَداء، نسيتُ تماماً أنَّه الأحد، تحجَّجت بسوءِ الأحوالِ الجويَّةِ، حين أصرَّت عليَّ وشدّدَتْ على قدومي صرخْتُ بوجهها، لأستوعِب ما قمْتُ به وأعتذر فوراً، أعصابي يومَها كانَت مُنهكة، على كلٍّ كفَّتْ أمِّي عن مُحاولاتها لإقناعِي بالقُدوم بعدَ أَنْ شعرَتْ أنَّني لسْتُ بخيرٍ وأنهَت المُكالمَة.
أقسم بأنَّ رأسي كادَ ينفجرُ، لم أجدْ أيَّ طريقةٍ لإخراجِكَ من تلافيفِ دماغي، وماحدثَ البارحة كان يعرضُ على شاشةٍ سَينيمائيَّةٍ كبيرة بكلِّ تَفصيلةٍ صَغيرةٍ في وسطِ دماغِي، وحين ينتهِي الشّريط يُعاد مُجدّداً مِراراً وتكراراً.
دفنْتُ رأسيَ في وسادَةِ الأريكَة، الجُوع بدأَ يتسلَّلُ جسدِي، لكنَّ رغبتي في إعدادِ أيِّ شيءٍ مَعدومة رغم خوفي من أن يُغمى عليَّ مجدداً.
ليسَ فِي العَادة أن ينخفضَ ضَغطي فَجأة، لم يحدث أمرٌ كهٰذا مَعي مُسبقاً، والبارحَة لَم أكنْ خائِفة أبداً حينَ سقطْتُ أرضَاً، خطَر لي أنَّهت قد تكون مُصيبة أخرى من مَصائب الرَّجل الكارثيِّ الّذي اخترق حياتي الرِّوتينية المملّة وقلبَها رأساً على عقب.
أُفضِّل السَّلام المملّ على هذا الغموض المخيف.
لا أدري إن كانَ مُخيفاً حقَّاً؛ هَل أنا خائفَة منكَ؟ لا، لأنَّني لمْ أرَ منكَ شيئاً لا بالقولِ ولا بالفعلِ يجعلني أخافُ على نفسي منكَ، عقلي الباطنيّ مقتنعٌ تماماً أنكَ لَن تقوم بايذائي جسدياً، لكنّني اخاف من هويَّتكَ، ممَّا تقدر على فعلِهِ، من الأمورِ المجهولةِ عنكَ، أخافُ أن يصدمنِي القادم أكثرَ مما صدمني السّابق.
ما يزعجني هو أنّني لا أذكر مِن تفاصيلَ عناقكَ لي البارحة سوى أنّني وجدْتُ نفسِي بين يديكَ وللتوِّ استوعبْتُ أنَّك كنْتَ تهمسُ في أذني، أذكرُ صوتكَ جيِّداً لكن لا فكرةَ لديّ عما قُلْتَه، الموقف الوحيد الجيِّد بيننا لا أذكرُه... مُبهرة، أنا مُبهرة.
متأكِّدة من أنّني سأرَاكَ مُجدداً وربَّما قريباً جدَّاً، مما فهمْتُ أنَّكَ تحتاجُ الدواء باستمرارٍ علبة يومياً، أي ثلاثَ ظروفٍ، العلبةُ الّتي ناولتُك إيّاها البارحة تحتوي ظرفَين فقط، ربّما قد تصبرُ بضعَة أيامٍ لكنَّ معظم الأدوية الآن غير متوفرّة بسبب إضراب معاملِ الأدوية عن العمل وحتًّى يتمّ رفع أجورهم وإرضائهم سيستغرقُ الأمر أسبوعينَ أو ثلاثة، حتماً سأراكَ مْجدّداً فلا أظنُّ أنَّك ترغبُ بالموت.

أنت تقرأ
سنا المخادع | Lumen Of The Trickster
Hayran Kurguمئات من السِّنين داخل سجن الوحدة، بعضها خلف قضبان حقيقية، يتذوّق الألم من ملاعق الشياطين، وبعضها حرٌّ طليقٌ بدون منزلٍ يبثُّ في روحه الأمان، لكن إن قرَّر يوماً الهرب، هل سينجو بحياته؟ أم أنّ أصابع الظّلمات ستبقى تدغدغه لتخرج أسوأ مافيهِ، هل سيجد نور...