PART 2

1.1K 21 2
                                    

وبينما غادر كلا من فلاديمير وتاتيانا.. ظهر دانيال أخيرا.. كان يركض بسرعة ليلحق بصديقه المخبول لكن سرعان ما رحل عنه.. لعن دانيال تحت أنفاسه.. ذاك اللعين.. يتعبه بتصرفاته.. عليه دوما مراقبة تحركاته كي لا يفقد أعصابه ويتسبب في كارثة أخرى كالسابق..
نظر في الفراغ طويلا ثم حمل هاتفه.. اتصل به مرات عدة لكنه لا يجيب.. سيفقد صوابه بحق الجحيم.. أعاد نظره ناحية ساعة يده.. انتهى دوام الحصة.. يبدو أنه لم يتبقى له حصص أخرى اليوم لذا سيغادر.. وبينما هو يتوجه صوب سيارته المركونة في الجانب الآخر ارتطم بشيء ما.. شيء ضئيل الحجم مقارنة بضخامة جسده نظر للأسفل ليراها مرمية على الأرض معطية إياه ظهرها.. شعرها الغجري منعه من رؤية وجهها.. كان يعشق الشعر الطويل.. كان لدى أخته شعرا مماثلا لها إلا أن لونه كان مختلفا عنها.. أراد اللعب بشعرها لوهلة كما اعتاد على فعله لصغيرته لكنه تمالك نفسه..
استدارت كساندرا نحو الجدار الذي ارتطمت به.. كان شابا عريض المنكبين.. وفارع الطول كانت تبدو أمامه كالقزمة.. نهظت من مكانها بسرعة ورمقته بنظرات حادة.. بقي الآخر يحدق في سوداويتاها لوقت طويل كانتا عبارة عن بحر من الظلمات و السواد.. رأى بهما الألم والكره.. فهذان الشعوران لا يخفيان عنه لطالما أحس بهما منذ تلك الحادثة اللعينة التي أودت بحياة أعز ما يملك في الدنيا.. كان يتمنى على الأقل أن تبقى صغيرته وحدها على قيد الحياة كانت الوحيدة الكفيلة بسد ثغرة البؤس و المعاناة التي قاساها في غيابهم.. كانت ملاكا بجسد إنسان عشقها أكثر من أي شيء آخر في هذا الكون الكل كان يستغرب حبه المفرط لأخته الصغرى.. لكنه وحده يعلم كم كانت تؤنس وحدته.. وتنسيه همومه.. والآن ها قد رحلت وإلى الأبد.. قاطع شروده صوتها وهي تصرخ به بقوة.. نظر إليها بملامح جامدة.. ثم تجاهلها :" لا أملك الوقت للعب معك صغيرتي.. إذهبي وابحثي عن أمك.. ربما هي تبحث عنك في الأرجاء!"
وحينما سمعت كلامه حملت حقيبتها وضربته بها على رأسه بقوة وقالت :" لم يولد من بطن أمه من يدير وجهه عني ويخاطبني باستصغار! أنا لست صغيرتك أيها المغفل.. ترتطم بي وبدل الاعتذار.. تقلل أدبك علي.. وغد وقح "
دانيال وهو يستدير ناحيتها :" أعيدي ما قلته يا قزمة.. أنا وغد..ثم ضحك بصوت عال أرعبها.. يا لجرأتك يا فتاة.. أتعلمين أن آخر من خاطبني بهذا الأسلوب.. قطعت لسانه بيدي هاتين.. و نحرت رقبته الغبية.. أتودين يا ترى تجربة ذات الشعور.. ألا ينتابك ولو القليل من الفضول لمعرفة كيف كانت نهايته.." جحظت عيناها حين رأت ابتسامته المخيفة.. لحظتها أيقنت أنه مختل عقليا.. لكنها لم تتراجع وتحدته.. قائلة :" كل ما ذكرته سابقا رأيته في الأفلام ولا أظن أن مخنثا مثلك يقوى على فعل شيء رجولي هكذا! لذا اذهب وضاجع نفسك أيها المسخ الملعون.." لاحظت تغير ملامحه السريع.. وبروز عروق عنقه من شدة الغضب.. لكن اللعينة لم تتأثر.. بل وابتسمت بمكر في وجهه.. جعلته يفور غضبا أراد حقا حمل مسدسه وتفريغه برأسها.. نظراته لها حتما أرعبتها لكنها تظاهرت بالقوة.. مد يده ليمسك شعرها إلا أن اتصالا ما قاطع لحظاتهم الحميمية مع بعض.. بقي ممسكا بشعرها بيد وهي تتصارع لتفلتها.. اما يده الأخرى كانت تحمل الهاتف.. نظر لشاشة هاتفه.. كان والده العزيز ليونيد الرجل الذي تكفل بالاعتناء به بعد موت عائلته.. ترك شعر كساندرا ودفعها جانبا.. تفاداها وذهب ناحية سيارته :" والدي الحبيب"
ليونيد :" أسدي الشجاع.. كيف حالك بني؟ اشتقت إليك.. كيف هي أحوال الجامعة معك؟"
دانيال :"بخير.. وأنا أيضا أبي لقد اشتقت لك أيضا.. الجامعة اااه..كما العادة.. محاضرات..وكلام فارغ.. ووجع رأس..تعلم هذا ! لكن ما زاد الطين بلة هو ابنك المدلل وملاحقاتي له من مكان لآخر.. أصبحت كالظل الأسود له.. أصبح هذا الشيء لا يطاق.. "
ليونيد :" إنه أخوك يا دانيال.. تعرفه.. طباعه حادة.. ويصعب التعامل معه.. وحدك من يستطيع تهدئته.. لهذا أوصيتك عليه.. هو يحبك وينصت لك أكثر من والده.."
دانيال :" أعلم يا أبي.. لكنه يفقدني صوابي.. هو ورأسه العنيد هذا.. أقسم أني سأقتله يوما ما وأرتاح"
ليونيد وهو يضحك من شقاوة طفليه.. :" بالمناسبة أين هو ذاك الوغد.. تعبت من الاتصال به منذ الصباح.. أين اختفى ذاك الشيطان أخشى ألا يكون واقعا في مصيبة ما وأنت تغطي على مصائبه كعادتك؟ "
دانيال بتوتر :" لا إنه بخير أقسم لك.. لقد استأذنني قبل قليل للذهاب للحمام وأنا هنا بانتظاره في السيارة.. لا تقلق كل شيء على ما يرام"
وبينما يتحدث دانيال مع والده على الهاتف.. اختفت كساندرا فجأة..
اللعينة قادت سيارتها بهيستيرية تامة.. الوغد أرعبها.. لم ترى وحشا مثله من قبل.. كادت الغبية أن تتسبب في مقتلها لولا ذاك الاتصال اللعين..حينها أدركت أن جرأتها الزائدة هذه والتي في الواقع تعود لشخص ما من ماضيها والذي تمنت لقائه يوما ما.. أنها لا تناسبها فيوما ما ستقتلها بلا شك..كما أعادها هذا المشهد إلى أيامها التي قضتها بالملجأ كانت فتاة لطيفة ومطيعة.. عكس شخصيتها اليوم.. كانت تنصت لما يقال لها لكن لطفها الزائد هذا.. لطالما أوقعها في المشاكل وضعف شخصيتها هذا كان يجعلها ضحية سهلة المنال لمدير ذاك الملجأ الحقير كان يجرعها مختلف أنواع الألم والمعانات.. لولا صديقتها ومنقذتها الوحيدة.. كانت فتاة جديدة في الملجأ.. تطلق على نفسها اسم "تيانا".. لطالما كانت تدافع عنها وتحميها.. كانت ملاكها الحارس.. كانت حنونة جدا عليها وعلى باقي الأطفال.. رغم صغر سنها إلا أن جميع فتيات الملجأ اعتبرنها أختهم الكبيرة.. حيث أن ذاك الملجأ الحقير كان يرعى فقط الفتيات الصغيرات.. ومع بعض التغيرات التي حدثت مؤخرا بدأ في استقبال الفتيان الصغار حيث تراوحت أعمارهم ما بين الثانية إلى الخامسة.. أما الفتيات فكانت أعمارهن تتراوح ما بين الرابعة إلى ما فوق.. وكانت المدعوة تيانا محبوبة بينهم وقدوتهم من حيث جرأتها وكذا لسانها السليط الذي لطالما كان يخشاه المدير الحقير كانت تقذفه بألقاب جارحة.. جعلته يخشى حتى الاقتراب منها.. وحينما يأتي لمعاقبة الفتيان.. ليفرغ ساديته بهم.. كانت دوما تأمرهم بالتراجع فتتلقى العقاب مكانهم..فمنذ مجيئها لذاك الملجأ لم يعد أحد يتعرض للضرب سواها.. كانت دوما تدافع عنهم وتتلقى الضرب عنهم خشية على أجسادهم الصغيرة والضعيفة.. كانت تفكر دوما بالآخرين وتنسى نفسها.. ودوما ما تقنعهم أنها قوية وقادرة على تحمل الألم عكسهم.. غالبا ما يراها الجميع بجسد ووجه خال من الكدمات.. ورغم هذا كانت ابتسامتها لا تفارق محياها.. كانت مرحة ومضحكة..نادرا ما ترى أطفال الملجأ يشعرون بالملل بوجودها.. الفضل كله يعود لها.. دوما ما تلاحظ نفسيتهم المهزوزة و مللهم من شتائم وعقاب المدير الملعون.. لتسارع تلك المخبولة بابتكار حيل وأساليب للترفيه عنهم.. كانت حقا مبدعة.. كانت لديها مهارات شيطانية كما يدعوها البعض فالأشخاص العاديون لا تبادرهم هكذا أفكار.. وفي ظل هذه الذكريات تمنت كساندرا لو تقابلها ولو لمرة واحدة على الأقل فقد اشتاقت لها كثيرا.. وهنا خطر على بالها مكانهم السري الذي كان يتسللون إليه أحيانا حينما كان يأمرهم مدير الملجأ الحقير بالذهاب والتسول و الحرص على إحضار مبلغ معين من المال أو سيتم معاقبتهم بحرمانهم من الطعام ليوم كامل.. كن يذهبن هناك رغم تهديداته لهن.. لم يخشينه أو بالأحرى لم تخشاه تيانا.. كن يختبئن هناك بعيدا عن أنظار الجميع.. أما المكان الذي اخترنه كان قمة في الروعة يستحق مثل هذه المخاطرات كان يشبه كهفا تحت الأرض.. به بركة ماء.. مياهها صافية وعذبة.. تنعكس عليها أشعة الشمس الصادرة من ثقب أعلى الكهف.. لا يسمع فيه سوى صوت صدى ضحكاتهما الدالة على مدى سعادتهم بهذا المكان.. كن وحدهن من يعلمن به.. لذا من الطبيعي أنهن اخترنه كمكان اجتماعهن في المستقبل القريب

𝑭𝑨𝑻𝑨𝑳 𝑶𝑩𝑺𝑬𝑺𝑺𝑰𝑶𝑵 Where stories live. Discover now