تحت سقف غرفتها ذات الملامح البسيطة تستلقي على سريرها بينما يداعب الهواء أطراف ستائرها يتخلله ضوء القمر المليء بالسكينة، تضع ذراعها على عينها وتبكي في صمت، تنهدات ضعيفة وشهيق عميق، دارت تساؤلات مؤلمة في عقلها،
لماذا أُشعر أني ضبابية؟ لماذا يعاملني الجميع وكأني غير مرئية؟ تقلب جسدها بخفة على اليمين وتحتضن ساقيها بشدة، وتتابع سلسلة أفكارها وبصوتٍ غير مسموع تقول
"لا أريد الكثير! فقط شخص واحد أحتمي داخل قلبه بطمأنينة، شخصٌ واحد فقط!"هي لا تعلم أن تلك الدموع كانت تصبُّ في قلبها بحرارة، هي ترى وتراقبها من خلف حاجزٍ أوجدته الطبيعة، هي تتحرك في غرفتها تُشاطرها هذه الدموع، ولكن ما أدرى لورا أن نصفها الآخرى قد توسدت فراشها وحاولت حملها بين ذراعيها وهي تواسيها قائلة بصوتٍ لن يصل
" أنا هنا ليس وكأني أستيطع فعل شيء ولكني هنا!"هايرزولان الفتاة الأخرى من عالم الجن وجدت في غرفة لورا مسكنًا يعمُه السلام، لا أحقاد تجاه البشر ولا دعوى للمضايقات ولا تحديات بشرية سخيفة، مجرد هدوء وفتاة لطيفة تعاني من الوحدة، اعتادت التحديق فيها هاربة من نظام حياة قبيلتها المتزمتة بينما ترهق لورا نفسها بالدراسة أو ترقص في غرفتها وهي تستمع لأغانٍ عذبة، بل وقد امتد الأمر بها أن رافقتها إلى المدرسة وصالة الرياضة، ورويدًا رويدًا بدأت تألف البقاء حولها، حتى أصبحت تهتم لأمرها، ولكنها أدركت أن لصديقتها معاناة من نوعٍ مختلفٍ عنها؛ فهي تتعرض للتمهيش على مدار اليوم فالأيام؛ لذا عقدت عزمها أنها لن تُبارحها أبدًا حتى وإن لم تعلم بوجودها.
وذات يوم قلّبت لورا كتابًا كانت تقرأه في أوقات فراغها، إلا أن طرف ورقةٍ حاد شق طريقه إلى اصبعها مخلفًا خدشًا صغير وألمًا كبير، وبمجرد تدفق القطرات الحمراء الضعيف، عثرت هايروزلان على الطريقة التي تخترق فيه حاجز الطبيعة بينها وبين الإنس وتتمرد عليه، وبمجرد ولوجها إلى جسد لورا أخذت تسمع الأخيرة صوتًا يتردد صداه في عقلِها
"لورا هل تسمعيني؟ لورا!"عجزت لورا لوهلة عن النطق وهي تحملق في ذهولٍ مما يجري، ولكن صوت هايروزلان الدافئ تردد مرة أُخرى
" إنها أنا هايروزلان التي أرسلت إليك حلوى الشوكلاة عندما كُسرت قدمك، لورا هل تذكرين؟"مر طيف ذكرى سريع أنه وعندما سقطت من سلالم المدرسة وكُسرت قدمها ولم يزرها أحد وصل صندوق حلوى إلى باب المنزل وقد كتب عليه بخط متعرج
" حمدًا لله على السلامة صديقتك: هايروزلان"لقد ظنتها مواساة بائسة في بادئ الأمر إلا أنها استرسلت بوضع بطائق كثيرة في حقيبتها تشجعها كل يوم رغم ردائة خطها، ولكن الأن انتابها الخوف وفي نفس الوقت شعرت بسعادة غامرة بالرغم من أنها لا تعلم حقيقة ما يجري، إنها صديقتها الأولى والوحيدة على أي حال.
نطقت شفتي لورا بتردد قائلة
"هايروزلان لماذا أسمعك داخل عقلي؟"فأجابتها وقد خشيت سكوت لورا الطويل وكادت تنسحب من جسدها
" الحقيقة أنني.. ربما ستغضبين ولكن إن كنت غير موافقة سأغادر.. أنا لست من البشر.."شعرت بضربات قلب لورا تتسارع وأنفاسها ترتعد فتابعت قائلة
" لا تخافي أرجوك استمعي إلي أولا، مر وقتٌ طويل وأنا أراقبك وبت أريد أن أكون صديقتك، ولكن كما تعلمين إن كنت تعلمين في الأساس بنو جنسي وبنو جنسك ليسوا على وفاق كما وأن قوانين الطبيعة ترفض التقائنا، ومع ذلك لقد استلطفتك ولم أجد وسيلة للوصول إليك؛ لذا أين تكن إجابتك سأقبلها"وما إن أنهت كلامها حتى شعرت لورا أن قلبيهما نبضا معًا شعرت بامتلاء هايروزلان في داخلها وثقل أنفاسها البسيط، ارتعشت قليلا من ثم ابتسمت قائلة
" سيكون سرنا الصغير إذن؟"ابتهجت هايروزلان وقالت بحماس
" نعم لا بأس معي، هيا نتعارف، مرحبا أنا هيروزلان غانيش"ضحكت لورا ضحكة مكتومة وقالت
" أهلا أنا بيرون لورا تشرفت بمعرفتك"