أنا أراهم

30 6 2
                                    


أنا لا أعيش بمفردي في المنزل، لدي أخوين بالاضافة إلى والدتي، أما والدي؛ فليس له حضور الا في مخيلتي احيانا، أشعر بنوع ما بالانعزال في داخلي، حقًا لا أجدني شغوفة بما يدور حولي على الرغم من أن ابتسامتي تُصنع لأتفه سبب، كان كل ذلك حتى زاد انعزالي، إلى الدرجة التي أصبحت أجلس بمشاركة أحد إخوتي أو أمي في غرفة المعيشة أو بأي جزء من أجزاء البيت دون أن انتبه لوجودهم، وذات مرة شعرت بحضور غريب، حضور لم ألحظه من قبل، إنه لا يفوق الإدراك بل دونه، في البداية تحمست للأمر إذ أن شغفي تجاه الاشياء مات منذ فترة، ولكن هذه المرة الأمر مثير، بدأت ألحق به محاولةً القبض عليه ولو بعيني كانت ستكون معجزة، ويوما إثر يوم زاد شعوري بذلك الحضور لم يعد حضورًا واحدًا بل أكثر، ومازلت أظن أنه يعود لتطور حواسي أو قوى خارقة في عقلي، مازال يشدني ذلك نحو هاوية كانت أشبه بواحة فيما مضى واحةً تُطل على منظر رائع للسماء وللأفق الممتدة تسطع عنها الاشعة مابين القرمزية والذهبية في وقت الغروب، وفي كل مرة أقترب حتى وجدت نفسي على حافة حيث أُطل على هاوية جعلتني أتسارع هبوطًا إلى الأسفل، كان ليكون رحيمًا أن ارتطم ولكن الأسى أني مازلت أسقط حالمةً بالقاع.

ملاحقة الحضور الغريب هذا ومحاولة ملاحظته أو الانتباه اليه، أصبحت أشياءً تحدث دون أن أطلبها وهنا أصبح الأمر جنونيًا، إنهم يظهرون من العدم وينخرون بتحديقهم ظهري بطريقة تجعلني أشك أنهم يلمسونه كي التفت بفزع نحو الخلف؛ فلا أجد شيئًا، وقع خطواتهم لا يُسمع سوى داخل عقلي إن الأمر مرعب إلى هذا الحد هم لا يتبعونني بل تتصادف طرقنا بغته، عندما أكون بمفردي ألمح مرورهم واتشنج في غير قدرة على الالتفات والاسوأ أنه لا يخفى عليهم هلعي، بدأوا بالسماح لي بالدخول إلى عالمهم في حين قررت الانسحاب بعد عبور الخط المحضور؛ حواسي بالفعل أصبحت تدركهم.

كل ما كان علي ألا أقضي الوقت بمفردي إلا أنني بكل غباء تعمدت ذلك مما رفع مستوى التحدي؛ ليصبح أكثر رعبًا، بينما أجلس مع اي فرد من عائلتي أحاول تجاهل حضورهم، كما والاصوات التي يصدرونها، ولكن ذلك قادهم فقط إلى طرق اشنع للفت انتباهي وهي نغزي من الخلف بخفة تجعلك تشك في نفسك أن ما يحدث مجرد اختلاق، ولكن ما جعلني أصدق وأحك اسناني من الخوف أن الامر تكرر ولم ينحصر على المنزل بل وكل مكان أذهب اليه، نعم الأن أثرت اهتمامهم وأصبحوا يتبعونني.

لم أعتقد أبدًا بأن هذا اليوم سيأتي، حيث سأصدق كل هذا وسأكتبه، والأسوأ أني كنت متحيرة درجة التخبط؛ لو كنت متيقنة من حقيقة ما يحدث معي لسهلّتُ على الجميع الامر وحُكم علي بالجنون، ولكني كنت أصدق مرة وأظن أني اختلقت الأمر في المرة التي تليها، كما وأضحك بعض الأوقات من كوني صدقت الامر، في كل مرة أحكي لاحد او اتحدث عن الامر له، اجدهم يقولون بان ذلك يحدث معهم غالبًا ولكنهم ببساطة يتجاهلونه، ومنهم من يقول انها تحدث معه ولكنهم يعتقدونها اوهام اختلقتها عقولهم لتنبيههم إن سرحوا في افكارهم، الجميع أقرّ بأنه مر بذات الأمر ولكني المختلة الوحيدة التي استفاقت لتدرك وتتصل بهذه الظاهرة بطريقة ما أو أن العالم مجنون ولا احد يشعر او يعلم بهذا.

يتضاعف كل شيء عندما يهطل المطر ويختلط علي وقعه على النوافذ والارضيات أو حتى سيلانه عبر الطرقات في الخارج، و حركتهم وأذيتهم المستمرة.

بت أرجو لروحي حقلًا ذهبيًا لا نهاية له، تتمايل فيه السنابل، أصبحت أبكي بحرقة طلبًا للخلاص وفي كل مرة أشعر بأن روحي تعتصر يُخيل لي هذا الحقل وكأني أستمد أنفاسي منه.

القصة بأكملها لم تكن لتكتب لو لم يحدث ما حدث أخيرًا، عندما فشلت في تصديق وانكار ما يجري وبت اتقبل اي فكرة تكون حاضرةً في عقلي حالما حدثت رسالة منهم، حتى جلست بين عائلتي مجتمعين معًا بعد بدئي بجلسات نفسية منذ ثلاثة أشهر، وشعرت حينها بوثبة رُكبتي أحدهم تصعد على ظهري بثقلٍ خفيف لا أعرف كيف أصفه، شدت أعصابي كلها نحو رأسي وحملقت بعيني حتى كادتا أن تسقط، وصرخت صرخة دوت في بيتنا احسست على اثرها بقفزته عن ظهري وتحرك الكثير منهم انتشارًا في ارجاء البيت، صرخت حتى اُغمي علي، واستيقظت في المصح وأخذت بالصراخ طيلة الوقت حتى لُقبت بكارين الصارخة؛ فهو وحده ما يجعلهم يبقون بعيدين عني.

ذات يوم فريدٍ من نوعه توقفت كارين الصارخة عن الصراخ، وقد كان حدثًا مهمًا، حيث دخل الجميع ليرى السبب، تلك اللحظة التي عُثر عليها مقتولة في غرفتها وهي تُحملق في السقف، وكل ما لفت انتباه الممرضين الاوراق المنتثرة عن فراشها وقد كتبت هذه القصة عبر رسومات سوداء تشرح حال كارين في اول كل صفحة وكتابة تفصيلية للرسومات في خلفها، وقد رقمت الصفحات عبر عدد قطرات الدماء على كل ورقة وقد كتب في نهايتها
" لقد جعلوني سنبلة راقصة أخيرًا"

وقبل أن يحملوها انتبه أحد الممرضين لما كانت تحدق به ليصرخ ويصرخ الجميع بعد رؤيتهم لما كُتب بالدماء بالسقف بالرغم انه لم تُرق من جسدها قطرة واحدة

"نعم نحن موجودون، من سيلعب معنا تاليًا؟"

وهنا سقطت قطرة على جبين الممرض جورج قام بمسحها بسرعة، وأنا وأنت يا عزيزي القارئ نعلم أنهم اختاروه ليلعب عوضًا عن كارين.

هلوسةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن