يجلس على مكتبه في عبوس، مُقطبًا حاجبيه ويفرك جبهته باصبعيه محاولا تحفيز عقله لأن يجيب على الاسئلة المطروحة بين يديه، يدور القلم برشاقة بين أصابعه وقد كان هذا أصعب واجب منحه إياه أستاذ الجامعة، كاد يفرغ صبره من التفكير فتح حاسوبه وخلال تلك الانبثاقة مرت رائحتها العطرة لتجعله يُحملق بعينيه وقد ابتسم مبتهجًا
"ها هي ثانيةً"يُدَوِّرُ كرسية نحو اليمين وهو يلتفت في كل اتجاه محاولًا تتبع الرائحة وهو يقول
"لقد عُدتي مجددًا، لقد مرت ليلتان دون أن أراك ..(يضحك) أقصد أشم رائحتك العطرية هذه"
يلحق بالرائحة في كل مكان في الغرفة وصولًا إلى النافذة التي تكثّف عنها الهواء من شدة برودة الشتاء، وأخذت أنامل نحيلة غير مرئية تمر عبر الزجاج بلطف تكتب
" هل..كا..ن.. شا..قً..ا عل..يك؟"أجابها بابتسامة تحفر قُبلة ملائكية على خده
" سأكون صادقًا معك، إن أكثر ما يشُق علي هو واجبات هذا الأستاذ الذي لا يرحم"من ثم ضحك بسخرية وقال
" أنا حتى لا أُصدِّق أنني أتحدث إليك، أعتقد أنها تخيلاتي، ولكن من الجميل جدًا الشعور بوجودك"أغلق الستائر وقد طُمست الكلمات جراء التكثف مرة أخرى، مما جعله يوقن أنه اختلق هذا السؤال أيضًا، ولكي لا يجعل الأمر أكثر بؤسًا أنهى الحديث قائلًا
"سأخلد للنوم الأن وتبًا لهذا الواجب ليفعل الاستاذ ما يشاء، تُصبحين على خير"واحتضن وسادته الناعمة وابتسم بخفة بعد أن اشتم رائحتها تقترب من خده وغطّ في النوم.
وفي اليوم التالي وبينما كان في المحاضرة أخرج كتبه ليجد الواجب الذي عَلِق معه ليلة البارحة قد تمّ حله، مما جعله يُذهل ويصدق بوجودها من ثم سرق التفكير تلك الدهشة الرائعة حين تسائل هل من المفرح ذلك أم من المفزع؟