فى الصباح الباكر تلقى حازم أولى مهام عمله الجديد فأستقل سيارة نقل إلى حديقة زراعة المانجو حسب توجيهات كبير السائقين، أخترق الحديقة ببطء يستمتع بجمال الأشجار وثمارها ثم توقف جانباً وترجل باحثاً عن المهندس المسئول ليتلقى أوامره، أنشرحت أساريره حين وقعت مقلتيه عليها وسط الأشجار ببنطال واسع الساقين أشبه بالتنورة فتوجه نحوها من فوره ملقياً تحية الصباح ببشاشة ومتسائلاً بحميمية :- عاملة إيه النهارده يارب تكونى أحسن
التفتت نحو الصوت لتتفاجأ به وهو يسترسل فى الحديث ناصحاً بصدق
:- صدقينى كل الحزن بيعدى مهما كان كبير ومؤلم ... بس قولى يارب
طالعته بدهشة لا تدرى كيف يحدثها بتلك الأريحية وكأنهم أصدقاء قدامى، توقف أمامها مباشرة فأشاحت بوجهها بعيداً تتابع سير العمل بنظرات موجهة تعرف طريقها فمال قليلاً برأسه نحوها بعد أن قابله صمتها فهمس بمشاكسة
:- السلام لله والصباح لله ..... وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها
حركت رأسها نحوه بتأفف وهتفت بصوت خرج مرتفعاً بعصبية دون أرادتها
:- صباح النور .... ومتشكره على سؤالك وأتفضل شوف شغلك وسبنى أشوف شغلى
رفع كفه أمام وجهها ليوقف سيل الرصاصات التى تطلقها من فمها ثم قال ببساطة :- أهدى ... أهدى ما أنا بشوف شغلى أهوه .... قوليلى ياورد الجناين فين بقى المهندس اللى هنا ؟
تخصرت تطالعه بنفاد صبر، هل يقلل من شأنها أم حقاً لا يعلم من تكون ؟ وما هذا اللقب السخيف الذى يدعوها به ؟
صاحت فى وجهه بحنق :- ورد الجناين !!
ابتسم على تذمرها وقال موضحاً بخفوت تحول لهمس :- أيوه .... مش أسمك جنة يعنى جنينة مليانة ورد وفل وريحان ... ونعيم وأنتِ أجمل وردة فى الجنينة
لا تعلم من أين أصابتها تلك الرعشة الداخلية وظهر الارتباك على قسمات وجهها من همسه المتغزل ومقلتيه المشاكسة فأبعدت مقلتيها بارتباك عن ابتسامته الجذابة التى لا تفارق وجهه حتى أقترب أحد العمال حاملاً صندوق كرتونى ملئ بثمار المانجو وتوقف أمامها متسائلاً بروتينية:- هنودى الصناديق فين يا باشمهندسة ؟
حدجها حازم بنظرة عدم تصديق وابتسامة متفاجأة بينما ازدردت ريقها لتتمالك نفسها ثم أشارت نحو حازم تجيب العامل بروتينية
:- حملوا عربية الأسطى بالصناديق
اتسعت ابتسامته وأشار بدوره للعامل نحو موضع توقف السيارة، تحرك الرجل بالصندوق نحو السيارة بينما تبادل الثنائى النظرات المتحدية منها تنتظر تهكمه والمتعجبة من جهته حتى قال بهدوء
:- لامؤاخذة ماكنتش أعرف أنك مهندسة ..... بس ده مايمنعش أننا زُمل بردو
تطلعت للسماء تتنفس نفس طويل بنفاد صبر هاربة من تعبيراته المشاكسة بينما توجه لأحد الأشجار يداعب أحد ثمرات المانجو قائلاً بمشاكسة وهو يقطفها من مكانها :- ديه أكيد زى الشهد مادام من إيديكِ ياهندسة
رفعت حاجبها بتعجب غير مصدقة أنه مازال على نهجه بالتعامل معها رغم معرفته بالفارق بينهم الأن أما هو فأبتعد نحو سيارته يتشمم ثمرة المانجو بتلذذ بين يديه متمتماً بأغنية شعبية بدندنة خافتة ولكن مسموعة لها :-
مانجا يا مانجا يا مانجا ... عظيمة يا مانجا
أن كَل منك عليل بيشفى ..... يا مانجا ريحة
ريحة وحلاوة ....آه آه شربات يامانجا
تابعت ظهره مولياً يتغزل فى المانجو وابتسمت بعفوية غير مستوعبة كيف يوجد إنسان بهذا التفاؤل على وجه الأرض
* * * * *
وقفت أمام المرآة تضع حجابها بعناية مع القليل من أحمر الشفاه بلون طبيعى غير ملفت و بعض من الكحل البسيط ثم وقفت بثبات تتفحص نفسها بدقة قبل أن تتنهد فى رضا وضمت كفيها أمام صدرها مغمضة العينين تتضرع إلى الله
:- يارب أنت أعلم بوحدتى فى الدنيا وكل رجائى أنسان يحبنى ويحمينى ونكون أسرة تعوضنى عن التشتت اللى عانيته فى أسرتى ... يارب أتوكلت عليك وحدك وفوضت لك أمرى يا صاحب الأمر
التقطت حقيبتها وتأكدت من وجود بعض الأوراق داخلها ثم توجهت إلى الاستراحة التى يقطنها وائل بجانب فيلا الحاج هلال صاحب المزرعة، اقتربت من حديقة الأستراحة وتنفست بقوه تبث الأمل لنفسها لعلها تنال إعجابه هذه المرة، ألقت التحية عليهم وهى تتأمل وائل يجلس بعظمته وأناقته المعهودة مع المهندس الذى أنضم لهم منذ أيام قليلة، أجاب المهندس الجديد التحية بينما تذمر وائل بتعالى
:- أتأخرتى يا آنسة جنة
تدرج وجهها بلون الخجل وأعتذرت بخفوت وهى تجلس ببطء بينما تابع وائل حديثه ملقياً بالتعليمات على مسامعهم بتسلط حتى انتهى حديثهم وصرفهم بهدوء، نهض المهندس الجديد مغادراً ولملمت جنة أوراقها وكادت تنهض فأستوقفها وائل لتنتبه إليه وهو يتفحص وجهها بمآقى جريئة قبل أن يقول بخفوت
:- تعرفى أنك بتبقى أحلى بالميكب ... لازم تحطى علطول بيخلى وشك أحلى
تسائلت بداخلها بإحباط يأكل قلبها "هل هى قبيحة لهذه الدرجة فى عينيه حتى يُلقى على مسامعها تلك الكلمات عن أهمية التزين لوجهها"، لم تدرى كيف تجيبه فأثرت الصمت كاتمة مشاعرها الحانقة... أستطرد فى حديثه بتلقائية
:- خليكى قاعدة معايا شوية .... الحياة هنا مملة أوى مفيش أى مصدر ترفية
قطبت بين حاجبيها المنمقين متسائلة بطبيعتها النارية
:- وأنا بقى المفروض أقعد أسليك
أسند مرفقيه على ركبتيه وسلط نظراته المغوية على حدقتيها هامساً بإغواء وقح
:- وفيها إيه لما نسلى بعض .... أنتِ مش بتحبينى
أنهى جملته قابضاً على كفها المستريحة على مسند مقعدها فسحبت كفها بعصبية وهبت واقفة هاتفه برفض :- أنا مش مصدر تسلية و .... ولو كنت معجبة بك فأعجابى مش بغرض التسلية
قهقه عالياً باستخفاف ثم نهض يقف بجانبها واضعاً كفيه داخل بنطاله يتفحصها بغرور وهتف مستوضحاً :- قصدك جواز يعنى !!
تأملت وجهه بارتباك وترقب فهو يعلم جيداً إعجابها الواضح به ودائماً يتجاهله، فهل يسخر من مشاعرها الأن؟؟.... أستطرد مدعياً الصدق
:- هيحصل طبعاً .... بس مش دلوقتِ... لما نكون نفسنا الأول ولغاية ما ده يحصل ... لازم نعيش أجمل لحظات الحب سوا
أخرج كفيه من بنطاله وأقترب منها ببطء ماداً ذراعيه ليتلمس كتفيها بحميمية وهو ينهى جملته بهمس مغوى ولكنها تراجعت قبل أن يلمسها وجذبت حقيبتها هاتفه بعزم وثقة مصححة جملته
:- ولغاية ما ده يحصل هنتعامل مع بعض بكل أحترام ... كزملا وبس
ثم فرت من أمامه بخطى مسرعة حانقة وهو يشيعها بنظرات ساخرة مُهمهماً بخفوت :- فقرية .... فاكرة نفسها حلوة أوى
* * * * *
تمدد صادق على فراشه منتبهاً لشاشة هاتفه المحمول يبث من خلالها رسائل الغرام لخطيبته بينما وقف حازم يطالع القمر المضئ بخيوطه الفضية فى السماء ويُنصت للسكون المحيط سوى من حفيف أوراق الأشجار القريبة الذى يبعث السكينة فى النفس، ملئ صدره بالهواء المنعش سابحاً بخياله فى عنان السماء، بعد وقت قصير نهض صادق من مكانه ليتجه لركن بالغرفة مخصص لصنع المشروبات الساخنة وسأل حازم وهو يدير المذياع على المنضدة على أغنية رومانسية لطيفة :- تشرب شاى يا حازم؟
انتبه حازم له وتقبل عرضه بترحاب فشرع صادق فى صنع الشاى لكليهما على أنغام الأغنية بينما عاد حازم يطل من النافذة، سحب نفس طويل باستمتاع وأطلق سراحه ببطء محدثاً نفسه " لا ينقص فى هذا الجو الساحر سوى الوجه الحسن " وكأنه ألقى تعويذة سحرية فظهرت هى من بين الأشجار كحورية فارة من الجنة، وكيف تفر من الجنة وهى الجنة بحد ذاتها
أبتعد عن النافذة مُسرعاً ليرتدى حذائه على عجل بينما فزع صادق من تعجله فتسائل بحيرة :- فى إيه يا حازم .... أنت رايح فين ؟
أجابه حازم بمرح وهو يغادر الغرفة بخطوات واسعة قبل أن يغلق الباب خلفه
:- هشم هوا .... أصل الهوى رمانى
رفع صادق كوب الشاى بيده بعدم فهم ونادى على صديقه المجنون:- والشاى !!
أجابه الصمت فهز كتفيه بعدم فهم ورفع الكوب على شفتيه ليرتشف منه رشفة خفيفة وهو يتقدم نحو النافذة يتابع صديقه الذى ظهر لتوه بالأسفل يحث الخطى نحو المهندسة التى تسير ببطء بين الأشجار، ابتسم بفهم ثم ترنم بخفوت مع كلمات الأغنية
: ما رمانا الهوى ونعسنا ... واللى شبكنا يخلصنا .... واللى شبكنا يخلصنا
* * * * *
لاتدرى من أين ظهر فى هذا السكون فشهقت متراجعة بتخوف ثم سمت الله" بسم الله الرحمن الرحيم" واضعة كفها فوق صدرها لتهدأ ضربات قلبها الفزعة وترمقه بنظرة عتاب، بينما ضحك بمرح هاتفاً بمشاغبة
:- بسم الله ... إيه التطور ده كله كنتِ بتشوفينى قبل كده عينيكِ بتقول أعوذ بالله .... أنا كده مبسوط جداً
تنفست بقوة تُهدأ أعصابها المهتزة وهتفت تناطحه بالكلمات
:- المفروض أقولك منك لله ..... خضتنى أنت طلعت منين !!
حرك كتفيه ببساطة موضحاً بوجهه البشوش :- شفتك ماشية بالليل كده لوحدك .... خفت عليكِ من وحوش الظلام قلت أجى أحرسك
أشاحت بوجهها لتخفى ابتسامتها فقد اعتادت مرحة ومشاغبته فى الأيام السابقة ولا سبيل للتغلب عليه فى هذا المجال، تمتمت باستنكار يخفى رغبتها فى مشاكسته بدورها :- تحرسنى من أيه بقى صرصور الحقل الأليف ... المزرعة أمان والسكن قدامك أهوه على بعد مترين
ضحك بمرح على تهكمها ثم رمقها بتغزل وغمز نحوها قائلاً بخفوت
:- ولو....القمر دايماً فى نجمه بتحرسه ودايماً واقفة جنبه .... حتى شوفى
أنهى حديثه وهو يرفع سبابته مشيراً للبدر الذى يضئ ظلمه الليل بضيائه فوجهت نظرها حيث أشار لتطالع القمر ونجمته المصاحبة له، ابتسمت لوجه القمر بضوئه الفضى المريح للنفس تزيل بعضاً من الأثر النفسى السئ لكلمات وائل الوقحة، ابتسم حازم بدوره لابتسامتها العذبة التى أضاءت وجهها وهمس بوله
:- أنا شفت القمر على وشك
حركت رأسها نحوه بمآقى حائرة وهزت رأسها بعدم فهم فأستطرد بنفس النبرة الهامسة :- أول مرة أشوف ابتسامة صافية وطالعه من قلبك من يوم ما أتقابلنا .... أوعى تخفيها تانى
تنهدت بمرارة متذكرة كلمات وائل منذ دقائق وأطرقت برأسها فصاح مشاكساً
:- لأ هو أنا بقولك كده عشان تبوزى تانى .... أضحكِ يا شيخة بقى
رمقته بنظره زاجرة كعادتها عندما يتعدى حدوده، ولكنه لم يبالى لنظرتها التى أعتاد عليها وسألها بأريحية :- أنتِ كنتِ فين بالليل كده ؟
تعجبت من نفسها وهى تجيبه بكل بساطة :- فى الاستراحة عند المهندس وائل
قطب جبينه بتجهم وتوقف فجأة هاتفاً بنبرة رفض قاطع :- لوحدك !!
رفعت مقلتيها تتفحص وجهه باندهاش لتدخله فى حياتها بهذا الشكل السافر والأكثر دهشة أنها أجابته بتلقائية مفسرة له وكأنه ولى أمرها
:- لأ...المهندس ماجد كان موجود كمان ...أجتماع شغل
وضع كفيه بجيبى بنطاله القطنى الرياضى وهز كتفيه مستنكراً
:- وهو حبك الأجتماع بالليل .... لازم يحترم وجود بنت معاهم ... العمال هنا تسليتهم الكلام ولازم تحافظى على نفسك وسمعتك
عقدت ذراعيها أمام صدرها ورفعت حاجبها الأيسر كالعادة متحدية
:- وأنت شايف أنى مش بحافظ على نفسى وسمعتى
أخرج كفيه من جيبى بنطاله ورفعهما مستسلماً :- الشهادة لله ... بنت بمية راجل وأنا قلتلك ده من أول يوم أتقابلنا فيه
ابتسمت بتفاخر وسعادة على مديحه الذى أزال بعض من الأثر السئ لكلمات وائل بينما أشار لها ليبدؤوا التحرك نحو السكن القريب فمقر سكن الفتيات مجاور لسكن الرجال الذى يقطنه هو، ساروا خطوتين للأمام ثم هتفت بمشاغبة ربما اكتسبتها منه :- وأنت هتوصلنى بقى عشان تحمينى زى النجمة صاحبه القمر
هز رأسه دون النظر نحوها بعفوية ليجيب بنبرة جادة :- لأ .... أنتِ اللى هتوصلينى .... لاحظى أن النجمة مؤنث والقمر مذكر
شهقت باستنكار... فمنذ متى أصبح الرجل كالقمر، رفعت حقيبتها الجلدية تهدده بها فقهقه عالياً وأخفى وجهه بذراعه متوسلاً :- لا أرجوكِ .... أنا كده هتشوه بسبب شنطتك ديه _ غمز بعينه اليسرى مشاكساً مردفاً_ يرضيكى القمر يتشوه
ضحكت على رد فعله ومشاكساته التى لاتنتهى ثم سارت بجانبه بصمت تفكر بحالها معه فهو دائم الظهور بجانبها ليثير ضحكاتها وابتسامتها والأن ظهر فى الوقت المناسب ليبثها بعضاً من الثقة بنفسها دون أن يشعر بعد أن أصابها الخزلان بفعل أفعال وكلمات وائل
* * * * *
توالت الأيام بشكل طبيعى داخل المزرعة فى عمل مستمر، حاولت جنة خلالها التمسك بجديتها مع وائل داخل إطار العمل وحاولت عدم التفكير به حتى بين نفسها بعد موقفه المشين، ففى كل موقف يؤكد غروره ووقاحته ولا تدرى كيف تفكر فيه رغماً عن ذلك، ولكن يكفى ما فعله وتطاوله بلمس كفها فليتزم حده فهو ليس كل الرجال على أيه حال، وفى نفس الوقت كان هناك حازم يتسلل ببطء داخل محيط حياتها ببشاشته ومرحه وأيضاً جديته فى العمل
* * * * *
دلفت جراچ المزرعة وتوقفت بجانب سيارة متوقفة جانباً، أراحت أناملها على مقدمة السيارة ثم تلفتت حولها باحثة عن كبير السائقين غير واعية لمن يرقد تحت السيارة والذى ما أن شاهد حذائها النسائى وطرف تنورتها المزركشة التى يعرفها جيداً حتى أنزلق من تحت السيارة ممدداً فوق عارضة ذات عجلات تسهل حركته، نكست رأسها على أثر صوت الانزلاق تشاهد ما يحدث أسفل قدميها وما أن طالعت وجهه المبتسم وجسده ممداً تحت قدميها تماماً حتى صرخت بفزع متراجعة للخلف بنزق حتى كادت تسقط أرضاً، حدث ذلك فى جزء من الثانية قبل أن تتعالى قهقه حازم المشاغبة وهو يهم بالنهوض جاذباً منشفة صغيرة صفراء ليمسح كفيه بها بينما صرخت بوجهه بلوم
:- أنت طلعت منين ؟ فى حد يستخبى كده
قهقه عالياً مجدداً بعد أن هدأت ضحكاته قليلاً واقترب نحوها مردداً
:- أستخبى !!... ليه بنلعب استغماية هنا
أنت تقرأ
حكم هواك (مكتملة) بقلمي /إيمــان سلطـان
Romanceقصة قصيرة اجتماعية فى إطار كوميدي لطيف تدور الأحداث بين مهندسة زراعية وسائق شاحنة يجمعهما الحب بعد عديد من المواقف ويقف حاجز التعليم بينهما فهل يستطيعا تخطي هذا الحاجز أم تفرق بينهما الحياة؟؟