بعد مرور خمس سنوات بمدينة الإسماعيلية أرتفع صوت فرقعة مدوى أنطلق فى هذا التجمع السكنى الراقى الهادئ صادراً من السيارة القديمة المتهالكة التى تعبر بوابته الأن لتشق هدوئه وسكونه بصوتها المزعج بينما يُلقى قائدها التحية على أمن البوابة قبل أن يشق طريقه أمام فيلا جميلة تحيطها حديقة صغيرة غناء
ترجل قائد السيارة ودلف إلى الفيلا ملقياً التحية على عامل الزراعة فى الحديقة الذى إجابة بترحاب :- أهلاً يا أستاذ حازم
ربت حازم على ظهره بود وتقدم نحو جنة التى تجلس على مقعد خاص بالحدائق وقد تكورت بطنها أمامها وزاد وزنها بشكل ملحوظ حتى تحولت إلى ما يشبه الكرة مع قصر قامتها، بادرته معاتبه وهو يتقدم نحوها بابتسامته المعهودة
:- أتأخرت أوى يا حازم
أعتذر لها ببساطة وهو ينحنى يقبل أعلى رأسها:- آسف يا عيون حازم ... بس كنت بخلص كل المشاوير اللى ورايا يا هندسة
ملست على بطنها برفق وتسائلت بلهفة وهى على جلستها
:- عملتوا إيه طمنى .... مضيتوا عقد العربية النقل؟
جلس القرفصاء أمامها ليصبح بمستوى وجهها وتنهد برضا قائلاً
:- الحمدلله ... أول عربية نقل فى أسطول الشحن الخاص بيا أنا وصادق
قبضت على كفه القريبة منها وضغطت عليها بتشجيع هاتفه بسعادة
:- ألف مبروك ياحبيبى ربنا يرزقك خيرها ويكفيك شرها .... بس كان نفسى تكون عربية زيرو مش نص عمر
حمدالله مرة ثانية برضا ليوضح :- الحمدلله أننا قدرنا نشتريها ... أنتِ عارفة كل فلوسنا اللى جمعناها السنين اللى فاتت .... أجرنا بجزء منها شقتنا هنا بعد ماسبنا شقة الحاج همام.... غير مصاريف الولادة والولاد .... ويادوب اللى فاضل قدرت أشارك به صادق فى العربية ديه و الحمدلله العربية حالتها كويسة أوى وعلى قد فلوسنا وربنا يجعلها فتحة خير علينا
آمنت على كلامه رابتة على كفه ثم تسائلت باهتمام
:- وهتمشوا الشغل أزاى وأحنا عايشين فى أسماعيلية وصادق فى القاهرة
أكد بثقة توضح دراسته للموضوع من كافة النواحى :- ديه ميزة مش عيب ... كده أى زبون من القاهرة أو أسماعيلية يقدر يوصلنا
أومأت بتفهم ثم مدت يدها وطالبته بتملك:- قومنى يا زووم
نهض أمامها ليساعدها على النهوض، مدت يدها بحقيبتها النسائية نحوه فألتقطها منها ثم أسندها حتى استقامت على ساقيها بجهد كبير، زفرت بتألم ثم قالت بحنين لشقة الزوجية الأولى على الطريق الصحراوى قبل انتقالهم
:- والله شقة الحاج همام كانت جميلة وقضينا فيها أحلى أيام جوازنا
لكزت ساعده بخفة تذكره بما مضى فابتسم بدوره وتطلع نحوها بحب مؤكداً بهمس:- طبعاً أحلى أيام .... كنتِ ورد الجناين على حق
عبس وجهها فجأة وحذرته بنظره زاجرة وهى تتمتم بحنق:- ودلوقتِ بقيت إيه!!
تملكته الشجاعة ليجيبها بخفوت مشاكساً على مظهرها المكتنز
:- دلوقتِ شجر الجناين ... بط الجناين
مدت أناملها لتقرص ساعده بغل وتمتمت بتذمر
:- كله منك ومن ولادك وفى الأخر تتريق ومش عاجبك
تألم بخفة وأبعد ذراعه كالملدوغ من قرصتها المؤلمة ثم تدراك الأمر ليهمس بغزل صريح :- ومين قال مش عاجبنى ... كل حاجة فيكِ عجبانى وبعشقها ياقلب زوم
ابتسمت بسعادة فهو كعهده بها دائماً ما يمدحها ويدللها وكأنها ابنته وليست زوجته فقط فعوضها بذلك عن كثير مما فقدته فى حياتها، تأبطت ذراعه لتُلقى بثقلها عليه وبدأت فى السير بجانبه وكأنها حقاً بطة سمينة تتمايل فى مشيتها على الجانبين بسبب ثقل حملها وهو بجانبها يدعمها بذراع وحاملاً حقيبتها النسائية بذراعه الأخرى،
حين اقتربت من عامل الزراعة قالت بصوت مرتفع نسبياً
:- كمل باقى الشغل اللى قلتلك عليه ياعم مصطفى .... وأنا هتمم عليه بعد بكره أنا شاء الله
طمأنها العامل على سير العمل وودعهم مغادرين بينما تحدث حازم بصوت خفيض وهم يتحركون ببطء مغادرين الفيلا :- مش كفاية شغل بقى ياجنة .... أنتِ فى الشهر التامن وعلى أخرك .... أستريحى لغاية ماتولدى
أجابت برفض قاطع بنبرة رجاء :- يا حازم أنا ما صدقت لقيت الشغل ده .... شغل بسيط وتلات أيام فى الأسبوع بس... أنا زهقت من قعدة البيت من يوم ما أتنقلنا للإسماعيلية وسبت شغل المزرعة
تخطوا باب الفيلا مغادرين بينما اجابها بتعقل :- كان لازم ياجنة ومين كان هيراعى الأولاد أحسن من أمهم
هنا تعالت صيحات الترحيب من الأطفال التى اخترقت رؤوسهم نافذة السيارة لاستقبال والدتهم الحبيبة، فتركت يد حازم لتتقدم نحوهم ببطء وتُقبل الطفلين باشتياق
فتح حازم باب السيارة المتهالكة ووضع حقيبتها بالداخل ثم أسندها حتى اتخذت مكانها ببطء وأغلق الباب ليدور حول السيارة يتخذ مقعده أمام المقود بينما يدور حديث صاخب بين الطفلين الصغيرين ووالدتهم ليسردوا أحداث يومهم فى الحضانة
أدار حازم السيارة لتصدر منها فرقعة قوية جعلت جنة تلتفت نحوه قائلة بنزق
:- العربية ديه فضحانا فى الكمبوند ... كل الناس بتعرف أن جوز المهندسة جه ياخدها من صوتها المزعج ده .... أحنا لازم نغيرها
التفت لها بحاجب مرفوع ووجه متجهم قائلاً بنزق
:- جوز المهندسة!! ... هو ده اسمى دلوقت ... وبعدين حمارتك العرجة تغنيك عن سؤال اللئيم
مالت نحوه برأسها لتطيب خاطره وتهمس بأذنه بدلال
:- أقصد جوز مرات صاحب أسطول الشحن .... وأبو الولاد _ ملست على بطنها بحنو لتردف_ والبنات
ابتسم برضا وقبض على كفها يلثمه بعشق لا ينتهى هامساً
:- أحلى بنت ... شبه أمها أن شاء الله بدل الخناشير اللى شبهى دول
وأشار برأسه إلى الصبيان بالخلف، ضحكت بمرح وأراحت رأسها على كتفه متمتمه بالدعاء بخفوت لأسرتها الصغيرة التى أسعدت حياتها وملئتها حب وحنان بينما تعالى صوت الصبيان فى الخلف:- جعانين ياماما
رفعت رأسها تطالع وجه زوجها لتتسائل بغنج ماكر:- هتعزمنا على الغدا فين يا بابا
توقف بالسيارة بعد أن سار ما يقرب من مترين والتفت نحوها بدهشة
:- غدا!! .... غدا إيه!! .... هناكل فى البيت طبعاً
مررت كفها على صدره بحنو لتقول بخفوت أنثوى ماكر
:- بنتك تعبانى يازوم ومش قادرة أقف فى المطبخ .... يرضيك ورد الجناين تتعب
رمقها باستمتاع صامت يتابع دلالها المحبب لقلبه وهى تردف بدلال
:- وأعتبره احتفال ببداية شركتك مع صادق
ابتسم بمحبة وقبل رأسها المستريحة على كتفه ثم نظر لأولاده فى المرآة الأمامية متسائلاً :- تحبوا تأكلوا إيه ياولاد؟
مال أصغرهم ليطوق عنق والده وصاح بصوته المحبب الطفولى :- تاتث
،شاركه أخوه الأكبر ذو الأربع سنوات بصخب : بطاطس .... بطاطس محمرة
استغل حازم الموقف ليشاكس زوجته المدللة ويثير حفيظتها فابتسم بمكر وقال وهو يتحرك بالسيارة مرة أخرى
:- بس كده .... اتنين كيلو بطاطس بحالهم وحمروا براحتكم
هلل الأطفال بمرح فى الكنبة الخلفية بينما رفعت جنة رأسها عن كتفه ترمقه بغيظ ثم دفعته فى صدره باستنكار وهو يضحك بمرح على غضبها الحانق
* * * * *
تعالى الصراخ المتألم يهز جنبات المشفى يُعلن عن قرب موعد وصول طفل جديد إلى الحياة وبالاقتراب من غرفة الأم التي تقبض على مقدمة قميص زوجها كمخبر تمكن من القبض على مجرم عتيد هارب من العدالة، قالت من بين أسنانها بتألم واضح :- أنت السبب.... أنت السبب يا حااااازم
حاول فك قبضتيها المتشبثة بقميصه قبل أن يتمزق من قوة جذبها وقال بمشاغبة
:- طبعاً أنا السبب ... أنتِ عندك شك بعد الطفلين اللي بينا والتالت في الطريق
جحظت عيناها بتألم وغيظ من بروده مع موجة آلم جديدة وصرخت بوجهه بحنق
:- وواقف ساكت كده... نادي الدكتورة دلوقتِ أنا هولد دلوقتِ حاااااالاً
أومأ برأسه ليهدئها وتشابكت أياديهم بمؤازرة حتى انتهت موجة الألم العاتية وعاد جسدها الواهن للاسترخاء قليلاً على الفراش بمصاحبة تنفسها العالي، أسرع حازم لتجفيف حبات العرق النابتة على وجهها بالمناديل الورقية وقال بهدوء :- الدكتورة قالت لسه شويه... أصبرى يا ورد الجنانين هانت خلاص
قالت بتأكيد وتهديد وصدرها يعلو ويهبط بتسارع
:- يكون فى علمك... ديه أخر مرة.... أنا مش هجيب عيال تاني (امتزج صوتها المرهق مع صوت بكائها) أنت مش حاسس بالوجع اللي أنا فيه
جلس بجانبها على طرف الفراش متشبثاً بكفها وقال بخفوت وهو يزيح خصلات شعرها المبللة الملتصقة بجبينها
:- حاسس ... حاسس بكِ والله بس أعمل إيه قضاء ربنا أن الستات تحمل أمانة الحمل والولادة ربنا يجعله في ميزان حسناتكم... ويقدرنا على تربية الولاد
دست رأسها في صدره فهو ملجأها وسندها من بعد الله وغمغمت بتعب :- يارب
أحاطها بذراعه بحب حتى هدأت آلامها قليلاً واستعادت بعض من هدوئها فسائلت باهتمام أم حنون
:- الولاد فين يا حازم؟ أكلوا... حبايبى زمانهم جعانين
انحنى يقبل جبينها بحب ويشدد من ضمها يمنحها الأمان والمؤزارة وقال مطمئناً :- اطمنى ياحبيبتي الولاد فى البيت ومعاهم إلهام
ابعدت رأسها عن صدره تناظره بتذمر هتفت بتناقض
:- إيه!! ... إلهام في البيت طب وأنا ... أزاي تسبني أولد وتقعد في البيت
ابتسم حازم بسعادة فزوجة والده استطاعت احتواء زوجته وصارت كأخت كبرى وصديقة وفية لها رغم بُعد المسافة بينهما فكلا منهما في مدينة مختلفة ولكن تواصلهم هاتفياً وزيارتهم دورية
مسح على وجهها برفق وقال بهدوء موضحاً :- لسه شوية على الولادة ولازم حد يراعى الولاد ويأكلهم .... وياستى كلنا حواليكِ وبره أختي وأبويا وأخويا كمان.... وأول ماتولدى بالسلامة هبعت أخويا يجيب إلهام والولاد
مسح على رأسها بحنو مردفاً
:- يعنى هتخرجِ من العمليات بالسلامة هتلاقينا كلنا حواليكِ
ابتسمت باطمئنان فقد أبدل الله وحدتها بأسرة مُحبة عوضتها عن الجفاء الأسرى التي عانت منه طيلة حياتها
تبادلا نظرات باسمة ممزوجه بالحب والعاطفة قبل أن تبدأ حدقتيها في الأتساع ببطء وهجمت على عنقه بحركة مباغتة صارخة بألم :- بولاااااد
* * * * *
يارب ياربنا
تكبر وتبقى قدنا
حلقاتك برجالاتك
يوم ورا يوم تبقى بشنبات
تتجوز على قد حالاتك
وتخلف صبيان وبنات
حلقاتك برجالاتك
تعالت أغاني السبوع في شقة حازم وسط حضور الأهل والأصدقاء المقربين احتفالاً بقدوم الصغيرة(ورد) أخر العنقود، تجمع أولاد حازم وصادق فى منتصف صالة المنزل يتراقصون ويقفزون على أنغام الموسيقى بمرح تحت نظرات وتشجيع وتصفيق الأهل.
لاحظ حازم مشاحنة بين أشقائه في الممر الصغير بين الغرف فمال ببضع كلمات ليستأذن من صديقه وشريكه بالعمل صادق الجالس بجانبه بصحبة زوجته واقترب من أشقائه يضمهم تحت ذراعيه رغم طول قامة شقيقه الصغير الذي يفوقه طولاً وقال بمكر :- بتتخانقوا ليه؟
هتف شقيقه محمد بحمائية وهو يشير لوجه شقيقته الصغيرة
:- عجبك المكياج اللي حطاه على خلقتها ده
التفت لوجه شقيقته المزين بشكل مبالغ فيه ينم عن قلة خبرة في استخدام أدوات التجميل وقبل أن يتحدث أسرعت لتقول باندفاع مراهقة
:- وفيها إيه أنا مش صغيرة وكمان ده ميكب بسيط
صاح محمد وقد برقت عيناه بحدة :- عاملة فرح في وشك وبتقولي بسيط
كادت ترد عليه بقوه لولا تدخل حازم :- كفايه أنتوا الاتنين
توجه بالحديث لشقيقه قائلاً بهدوء
:- مفيهاش حاجة لما تحط مكياج أختك كبرت وبقت مداموزيل جميلة
رفعت ذقنها مبتسمة بسعادة وانتصار، طوق حازم كتفيها بذراعه وقال بنبرة خافتة
:- حبيبتى أنتِ زى القمر ... ولو خففتِ المكياج ده شويه هتبقى أحلى وأحلى لأن جمالك الطبيعى أحلى بكتير
اتسعت ابتسامتها أكثر وهى تطالعه متسائلة :- بجد يازوم ... أنا حلوه بجد
تأمل ملامحها الطفولية الناضجة بتؤدة لتدخل طور الشباب وقال بتأكيد ليمنحها الثقة التى تحتاجها مراهقة صغيرة على أعتاب الأنوثة وهو يقرص أرنبة أنفها بخفة :- طبعاً حلوه وتتاكلى زى السمسمية كمان
ضحكت بمرح وقفزت فى مكانها عدة مرات قبل أن تتشبث بقميصه بدلال تتوسل إليه :- زوم أقنع بابا أقعد عندكم الأسبوع ده
ربت على كتفها ليهدأ حماسها قليلاً وتسائل :- والدروس والثانوية العامة
هتفت بتذمر حانق :- ييييي ... حرام يا ناس ديه السنة الدراسية لسه ما بدأتش وأنا ابتديت دروس فى الأجازة .... ده كتير والله هفرقع خلاص وآآآآ
كتم فمها بكفه ليوقف تذمرها الذى لا ينتهى وقال باستسلام :- خلاص ... خلاص هقنع بابا .... بس هو أسبوع واحد وترجعى لدروسك
صفقت بفرح واستطالت على أصابعها لتقبل وجنته بحب ثم رمت نظره على شقيقها محمد الصامت بحنق وأخرجت لسانها لتغيظه ثم قالت بدلال مصطنع
:- أنا هروح أظبط الميكب بتاعى
نداء محذر باسمها من فم حازم جعلها توضح سريعاً
:- همسحه شوية ... أصلى مش محتاجه جمال فوق جمالى
ضحك الشقيقان عليها وهى تسرع لغرفة داخلية بينما حول حازم رأسه نحو شقيقه وقال بهدوء :- بالراحة عليها ... أختك فى سن حرج ومحتاجه اللين مش العصبية عشان تبقى قريبة منك وماتخبيش عنك حاجة
تأفف محمد بضجر وقال :- ما أنت عارفها مستفزة
ربت حازم على كتفه برفق وقال غامزاً :- لا... بلاش تتلكك فيها واضح أن فى حاجة مضايقاك من يوم ما وصلت هنا ... بس أنا اللى كنت مش فايقلك
سحبه معه ليجلسوا على مقاعد طاولة الطعام ليتحدثوا وبالقرب منهم والدهم الحاج عبد الرحمن وعم مسعد يتحدثون بجدية وعلى الجانب الأخر من الصالون يجلس صادق بجانب زوجته الحامل يراقبون ابنتهم الصغيرة أثناء لعبها مع أولاد حازم وبالطبع جنة وإلهام بالمطبخ لتحضير بعض المشروبات والحلويات بعد تناول الضيوف طعام العقيقة.
استقر الشقيقان جنباً إلى جنب وبدأ حازم بالسؤال :- هاه قول مالك؟
هز محمد رأسه ببطء واستمر على صمته، نقر حازم بأصابعه على الطاولة وقال بتلائم :- طبعاً مش مشكلة فى الدراسة أنت فى اجازة أصلاً ... ياترى إيه!!!
رمقه شقيقه بنظره جانبية فهاجمه حازم بسؤال مباغت :- اسمها إيه؟
حاول شقيقه التحكم فى ابتسامته ونفى بتردد :- هى مين ... تقصد مين!!
قهقه حازم وقال بمشاغبة :- أنت هتلعب عليا ياواد ... ده أنا اللى مربيك ... أتكلم ولا مش عاوزنى أساعدك
تشجع محمد وبدأ فى الحديث بطلاقة :- اسمها هبه ومفيش أمل نرتبط ... أنت عارف لسه قدامى سنة دراسة وسنة جيش وأهلها جايبين لها عريس وعاوزنها توافق يعنى مستعجلين على جوازها
زفر بضيق وأردف وهو يخطف نظره نحو والده الجالس بالقرب
:- وأنت عارف الحال ... مقدرش أكلف بابا تكاليف جوازى كمان (أشار إلى صدره وقال بصدق) أنا عاوز أكون نفسى بنفسى بس أزاى! ... مشوارى لسه طويل أوى وهى مش هتستنى
استمع له حازم باهتمام ثم هز رأسه عدة مرات قبل أن يقول بهدوء
:- اسمع يامحمد لو بتحبك بجد هتستناك وهتساعدك كمان وأديك شفت أنا وجنة اتجوزنا أزاى ... واتخطينا كل العقبات واتجوزنا حسب امكانيتنا بدون تكلف وبدون ما نبص لكلام الناس ... والحمدلله ربنا كرمنا
دق محمد على الطاولة ببطء وحيرة وقال :- بس أنتوا الأتنين كنتوا بتشتغلوا وقدرتوا تساعدوا بعض ... لكن أنا وهى لسه طلبة ومش معقول هروح لبابا فى الظروف ديه وهو مطحون من دروس الثانوية العامة وأقوله عاوز أخطب
نفى حازم برأسه ولسانه مشفقاً على والده من مسئولياته التى لا تنتهى
:- لأ طبعاً سيب أبوك فى حاله كفاية مسئولياته ( ربت على ذراع شقيقه مؤازراً) أنت اللى لازم تتعب شوية وتكون نفسك
وضع كفه على صدره قائلاً بإخلاص :- وأنا مستعد بس أبدأ أزاى .... مش لاقى شغل كويس
رفع حازم أصبعين يحك بهم ذقنه مفكراً وقال بتفكر :- لو على الشغل بسيطة (انتبه محمد بكل حواسه بينما رفع حازم أصبعه محذراً) بشرط ...أوعى تهمل فى دراستك ... أنا أهملت فى الدراسة وغرقت فى الشغل... صحيح اتعلمت كتير من الحياة لكن بردوا الدراسة مهمة وخصوصاً (خطف نظره نحو زوجته التى اقتربت من زوجة صادق حاملة الصغيرة(ورد) وأردف) لما تكون مراتك مؤهلها أعلى منك... مش كل ست هتتقبل ده وتقدر تتعامل معاه من غير ماتقلل من جوزها أو هو نفسه يحس بالنقص (عانقت نظراته وجه زوجته بحنان وأردف بدفء) لازم يكون بينكم حب كبير وتفاهم عشان تقدروا تتخطوا المصاعب مع بعض
ألقى محمد نظره على زوجة أخيه مبتسماً فحقاً حبهم الكبير هو النموذج المثالى للحب والتفاهم من وجه نظره، عاد بعينيه لشقيقه وقال مؤكداً :- أوعدك هنجح وهاخد الشهادة وبتفوق كمان
أومأ حازم ببطء يطالع شقيقه بفخر وهو يرى به الشاب المكافح الذى يرغب فى السعى خلف أهدافه دون الأعتماد على أى شخص... تنفس حازم بقوه وقال موضحاً :- في مزرعة بتعامل معها ولهم مكتب في القاهرة لتصدير منتجاتهم للخارج ممكن أكلمهم تشتغل معاهم نص وقت عشان تقدر تهتم بدراستك
تشبث محمد بذراعه بحماس :- بجد يازوم... ربنا يخليك ليا يا أخويا... أنا كده ممكن أحوش تمن الشبكة و آآآآ
قاطعه حازم بتحذير صارم
:- محمد الكلية ... هتاخد الشهادة السنة ديه مش هتأجل ولا هتسقط
مال على كتف أخيه يقبل كتفه ووعد بصدق :- أوعدك ... أوعدك يازوم
ثم نهض بفرحة يرفع هاتفه المحمول وغمز بشقاوة :- عن اذنك بقي أعمل تليفون
قهقه حازم وشاكسه ببضع كلمات ثم انضم لوالده ومسعد وصادق يتسامرون سوياً
* * * * *
انفرد حازم بوالده فى الجلسة بعد انشغال مسعد وصادق فى الحديث عن العمل وتجمعت النساء فى أحاديث جانبية والأطفال يتقافزون حولهم، مال على والده بعد أن أحس بشروده يسائل بخفوت :- مالك ياحاج عبده سرحت في إيه؟
تنهد والده بقوه ومقلتيه تقع على ابنه الأوسط الذى يقف فى الشرفة يتحدث فى هاتفه المحمول منذ مايقرب من النصف ساعة ورغم باله المشغول بابنه الصغير إلا أنه أجاب بمشاكسه :- أخوك!!.. مش مطمن عليه ... الواد بقى في أخر سنة ومفيش ولا عروسة جت تطلب إيده
قهقه حازم عالياً بمرح وقد استوعب مزاح والده ومال يضم كتفي والده هامساً بتفكه :- مش هتنسي أبداً ياحاج
ابتسم عبدالرحمن بمشاكسة لولده قائلاً بتهكم
:- وأناعمري هنسي... ده أنتوا قلبتوا دماغي وجبتولي صدمة عصبية ... قال إيه (جنة جاية تطلب إيدى يا بابا) ماهو الدنيا اتقلب حالها خلاص
استمر حازم فى قهقته على أسلوب والده المتهكم بينما استطرد الأب
:- الزمن اتقلب والبنات هى اللى بتخطب لنفسها .... تعرف لولا قلبى اتفتح للبنت وواثق فى اختيارك وأخلاقك كنت رفضت الجوازة ديه
غمز حازم بعينه مشاكساً :- واثق فى أخلاقى ولا لومى أقنعتك ياحاج عبده
ألقى عبدالرحمن نظره خاطفة على وجه زوجته وقال بتفاخر وحب واضح
:- إلهام مش محتاجة تقنعنى ... إلهام تؤمر وأنا أنفذ
صفق حازم بمشاغبة ومال يهمس بجانب أذن والده :- عرفت بقى أنا اتعلمت الحب منين ياحاج
رمقه الأب بنظره حانية وعدل من وضع ياقة قميصه وقال بتعالى :- عد الجمايل
تضاحكوا سوياً بينما مر من أمامهم الابن الأصغر لحازم راكضاً وخلفه ابنة صادق التى تصغره ببضع أشهر وتُصر على اللحاق به أينما ذهب حتى حاصرته فى الزاوية واقتربت منه تمد شفتيها الصغيرة للأمام استعداداً لتقبيله بينما أخفى الصغير وجهه بكفيه خجلاً
نادى حازم لصادق بإشارة من يده حتى يشاهد ماتفعله ابنته التى بالكاد أتمت العامين فالتفت الجميع نحوهم يشاهدون الصغيرة التى تحاول الوصول لوجه ابن حازم حتى نجحت فى مسعها واقتنصت قبله خاطفة من وجنته قبل أن تبتعد بانتصار تحت ضحكات الجميع بينما أسرع الصغير ليختبئ فى أحضان والدته خجلاً، هتف حازم بمرح :- بنتك لازم تصلح غلطتها يا صادق وتطلب إيد ابنى
قهقهه صادق وغمز له قائلاً :- واحنا شارين ... والبوتجاز علينا
هتف عبدالرحمن متذمراً :- أنا قلت جيل منيل ماحدش صدقنى
عادت الضحكات ترتفع بمرح وبهجة وبعد دقائق نهضت إلهام من مكانها حاملة المولودة أخر العنقود بين ذراعيها بحنان واضح فابتسم عبدالرحمن بحب وأزاح ساعد ابنه عن كتفه بحنق موبخاً :- أبعد بقى لما أشوف اللى أهم منك
ونهض ليتحرك خلف زوجته وحفيدته الصغيرة تصاحبه ضحكات حازم المرحة
* * * * *
دارت أطباق الحلوى المنزلية على الجميع واقتربت جنة بصحن من الأرز باللبن المزين بحبات من الزبيب وجوز الهند والقشطة وقدمته لمسعد بوجه باسم والذى تناوله شاكراً ولكن يد حازم حالت دون وصول الصحن ليد مسعد وهو يختطفه موبخاً
:- إيه ده ياجنة... كده يتعب مننا
اختطفت الصحن من يده بنظرات عاتبه وجلست على الجانب الأخر من مسعد
:- ماجتش على طبق واحد ياحازم
تدخل مسعد المحتجز في المنتصف بينهم على الأريكة :- أنا كويس يا حازم وبعدين النهاردة اليوم الفري
ناظره حازم مضيقاً عينيه وقال بتهكم :- هو الفري وصل المرض كمان ياعم مسعد ... أنا خايف على صحتك
عضت جنة شفتها السفلى بحرج وقالت بخفوت :- عيب ياحازم بقي ... مايصحش كده
سحب الصحن من يدها وأشار لطبقة التزين التى تعلوه
:- طب خدي شيلي الزبيب والقشطة دول على الأقل
جحظت حدقتيها بلوم :- يعني أقدم الطبق سادة كده رز ولبن بس
أومأ برأسه بجدية وقال بتصميم :- أيوه وفيها إيه!! ... الحاجة موصياني مايلخبطش في الأكل
سحب مسعد الطبق ببطء دون أن يشعر حازم الذي ظن أن جنة هى من سحبته من يده وعاد بظهره يستند لظهر الأريكة وبدأ الأكل باستمتاع تاركاً الزوجين المشاغبين فى جدالهم، اقتربت جنة برأسها من حازم تردعه بخفوت :- عيب ياحازم ... عم مسعد يزعل مننا ... ده ضيف فى بيتنا
أجابها بإصرار وثقة :- مش هيزعل هو عارف قيمته عندى وأنى خايف عليه من نوبة سكر لا قدر الله لو لخبط فى الأكل
استمروا فى جدالهم أما مسعد فكان بينهم فى الخلفية يتناول ملعقة تلو الأخرى بتلذذ مسبلاً جفنيه غير آبهة بحديثهم الخافت أمامه فهو يعلم مابقلوبهم ومقدار حبهم له، ومع أخر ملعقة دخلت فمه مرر لسانه على شفته برضا ثم مد يده بالصحن الفارغ نحو جنة قاطعاً مشاحنتهم قائلاً بتلذذ :- تسلم إيديكى ياهندسة .... طبق مظبوط صح
توقف حديثهم ونزلت نظراتهم نحو الصحن الفارغ بصدمة وسريعاً رفعت جنة كفها تكتم ضحكها وهى تتناول الصحن من يده وغمغمت من بين ضحكها :- بالهنا والشفا ياعم مسعد
أما حازم فطالعه ذاهلاً بغير تصديق أنه التهم الطبق بالكامل فى غفله منه ثم هز رأسه بالنفى وقال بغيظ :- طب هقول للحاجة
ضحك مسعد وهو يربت على معدته ببرود وحرك حاجبيه مغيظاً له
* * * * *
جلست إلهام فى منتصف صالة المنزل تدق الهون بنغمة معروفة للسبوع وتردد بحماس :- اسمعى كلام جدك عبده ... وماتسمعش كلام أبوك
نفخ عبدالرحمن أوداجه بمرح بينما قطب حازم حاجبيه يتصنع الغضب وأشار لنفسه قائلاً بعتاب :- إلهام أنا حبيبك ... خليها تسمع كلام أبوها
ضحك كل المتحلقين فى الدائرة ودقت إلهام يد الهون مرة أخرى وقالت بإغاظة
:- واسمعى كلام أمك ياورد
صفقت جنة بيديها وهتفت بحماس :- أيوه ياورد ... اسمعى كلام ماما
رفع حازم حاجبه بتذمر وهز ساقه بغضب فضحكت إلهام بمرح وكررت ثلاث مرات يتخللهم دقاتها المميزة لترضيه :- واسمعى كلام أبوك زوم
اندفع أشقاء حازم يطالبون أن تسمع الصغيرة كلامهم أيضاً فى جو من المرح والضحك بعد أن أن انضم ابناء حازم الصغار فى المطالبة بأن تسمع الصغيرة كلامهم أيضاً.
ضم حازم كتفى زوجته بدفء وقبل رأسها وهو يقلب نظراته حول الوجوه الباسمة المحبة المحيطة بهم، همست بالقرب منه بدلال لائمة :- بقى عندى منافسة يا زوم هتاخدك منى وكمان أنت صممت تسميها (ورد)
أمال رأسه يقترب منها وهمس لها بحنو :- أنتِ عارفة بحب الورد وبعشق ورد الجناين
ابتسمت بحب وهو يشدد من ساعده حول كتفيها ويعاودوا الغناء مع الجميع بمرح وسعادة
يارب ياربنا
تكبر وتبقى قدنا
وتيجى تعيش وسطنا وسط الحبايب
* * * * *
تمــــــــــــت بحمــــــــــــد الله
أنت تقرأ
حكم هواك (مكتملة) بقلمي /إيمــان سلطـان
Romanceقصة قصيرة اجتماعية فى إطار كوميدي لطيف تدور الأحداث بين مهندسة زراعية وسائق شاحنة يجمعهما الحب بعد عديد من المواقف ويقف حاجز التعليم بينهما فهل يستطيعا تخطي هذا الحاجز أم تفرق بينهما الحياة؟؟