طالت جلستهم متجاورين ينهلان من براح البحر ورقصات أمواجه وشقاوة نسائمه المتلاعبة حولهم، حول نظراته إلى جانب وجهها ينهل من ملامحها الهادئة المسترخية ويستمتع بقربها منه الذى أصبح عشقه الأن، تنهيدة خافتة فلتت من بين شفتيها ومآقيها تسبح بعيداً فى عالم آخر، قاطع شرودها بمرحة المعتاد وهو يربت على معدته:- هوا البحر بيجوع أوى .... إيه رأيك نتغدى؟
التفتت نحوه وكأنه ذكرها أنها جائعة أيضاً لكن استمتاعها بالبحر وأجوائه طغى على أى شعور أخر فهتفت بدورها بحماس
:- نتغدى! .... ياريت أنا جعانة أوى
ابتسم برضا وهو يهتف لنفسه " أخيراً عبرت عن شعور إنسانى دون مجادلة.... اتكلمى يا شيخة اتكلمى بقى "
رفع قدميه من مياه البحر أخيراً فمدت يدها داخل حقيبتها وأخرجت بعض من المناديل الورقية قدمتها نحوه ليجفف قدميه ويرتدى حذائه الرياضى ثم تحركا سوياً علي الممر الصخرى عائدين إلى الشاطئ بملامح اختلفت كثيراًعن قبل سابق، ملامح أكسبها البحر الهدوء والمرح وصبغتها الشمس بحمرة محببة
أشار نحو مطعم سمك على الشاطئ مقترحاً بهدوء ونظره تفائل واستمتاع
.... قائلاً بهدوء وهو يسير بجانبها الهوينى
:- نختار الغدا ونروح نصلى االعصر وبعدين نرجع ناكل
تعجبت من حرصه على الصلاة، لم تسمع من قبل عن شاب حريص على الصلاة هكذا أو ربما يوجد ولكن من أين لها أن تعرف الكثير عن الشباب، ابتسمت بعفوية لم تتخيل ولا حتى فى أحلامها الوردية أن تقضى يوماً كهذا وخاصة بصحبة هذا الرجل الذى أثار حفظيتها من أول لقاء بينهم والغريب أنها تشعر معه بأمان وراحة لم تختبرهما من قبل، وافقته بهدوء
ثم أشارت بيدها نحو نفس المظلة التى أرادت الجلوس عليها سابقاً وهتفت بإصرار طفولى :- نقعد هناك بقى وأحنا بنتغدى
قهقه عالياً على تشبثها برأيها فيبدو أن هذا الوجه العبوس وتلك الكلمات الحادة تُخفى بداخلها طفلة ترغب فى الانطلاق
* * * * *
تناولا الغداء بشهية كبيرة داخل المطعم فى جو من الألفة والهدوء قبل أن ينتقل حازم إلى المظلة التى ترغب فى الجلوس تحتها منذ وطئت قدميهما هذا الشاطئ وبعد أن قام بالتنسيق مع أحد العاملين على الشاطئ بحجز المظلة بمجرد أن تتركها الأسرة التى تحتلها الأن.
وأخيراً استطاع أن يجلس باسترخاء على مقعد الشاطئ المريح تحت المظلة التى أشارت عليها جنة، يتأمل أمواج البحر الشقية ويدندن مع كلمات الأغنية التى تصل إلى مسامعه من بعيد
وقفت أمام المطعم تبحث عنه بعينيها بعد أن خرجت من الحمام وابتسمت بسعادة حين لمحته يتمدد على المقعد تحت المظلة التى أرادتها فأسرعت نحوه بخطوات تحارب رمال الشاطئ بحذائها ذو الكعب القصير الذى يغوص فى رماله وقلب يقفز داخل صدرها بمرح طفولى لا تدرى لما رغبت فى تلك المظلة بالذات ولكنها رغبت فى الجلوس تحتها فقط وها هى تحققت رغبتها بفضله، حين اقتربت منه بابتسامة مشعة بهجة ومرح أدار رأسه نحوها يترنم بكلمات الأغنية باندماج
عارف يا هوى إيه الحكاية
مكتوب ع الميه قصتها معايا
وداريتها الموجه خايفة علينا
منك يا هوى ومن أهالينا
جلست على مقعد الشاطئ المجاور له تطالعه بمرح وابتسامتها تزين ثغرها مع بريق يتراقص بمقلتيها وهى تستمع لغنائه الهادئ ورغم خشونة صوته إلا أنه يضبط النغمات بسلاسة، أسند رأسه لظهر مقعده وحدقتيه مسلطة على ابتسامتها المشرقة ليواصل غنائه بنبره متغزلة بملامحها
دايماً يا بحر نخبى أسرارنا
ولا عمرك مره بتحكى أخبارنا
لكن الهوى ماله ومالنا
أمرك يا هوى خبر أهالينا
تأملت انطلاقه وعفويته ومرحه رغم كل الصعاب التى واجهها فى الحياة ألا أنه يعرف كيف يستمتع بحياته ولا ينسى فرض ربه يجب أن تصبح مثله تعطى نفسها فرصة للحياة ..... للاستمتاع بالحياة.
اعتدلت فى جلستها لتمنح جسدها بعض الاسترخاء بعد أن تخلت أخيراً عن حذائها الذى يُعيق حركتها فى الرمال لتلامس أقدامها العارية رمال الشاطئ ليتلاعبا سوياً فى مرح
ابتسم برضا فقد بدأت فى التحرر من بعض القيود التى فرضتها على نفسها .... تفحص حركة أصابع قدميها القصيرة فى رسم دوائر على الرمال ثم تمحوها لترسم غيرها، قال بهدوء حتى لا يُجفلها :- طلبتلك شاى أخضر
حركت رأسها نحوه متعجبة وتسائلت بحاجبين معقودين بدهشة
:- عرفت منين أنى بشرب شاى أخضر؟
ضحك ضحكة قصيرة متهكمة ليقول بسخرية :- هو البنات كده ..... يملوا بطنهم بالأكل على الأخر وبعدين يشربوا شاى أخضر ..... قال إيه عشان الدايت
ثم أنطلق يقهقه عالياً بمرح بينما تلفتت حول نفسها باحثة بعينيها فى الرمال ثم التقطت صدفة لتقذفها نحوه بغضب مصطنع بينما تعالت ضحكاته، قاطعهما أقتراب النادل بكوبين من الشاى أحدهما أخضر والأخر أحمر وبينهما كوب أخر يحتوى على أوراق النعناع الطازجة، التفتت بجذعها لتسارع إلى كوب النعناع بمجرد ابتعاد النادل والتقطت بعض أوراق من النعناع هاتفة بطفولية :- أنا هاخد النعناع
تابع تحركاتها المنطلقة باستمتاع بحدقتين يغزوهم التماع يشع من قلبه الذى بدأ يعلو صوته ليصم أذنيه عن كل الأصوات سوى صوتها العذب.
ترنم الصمت حولهم لدقائق استرخت فيها بظهرها على ظهر مقعدها وتشبثت بكفيها بكوبها تنظر لسطحه بشرود قبل أن تهمس بخفوت جذب انتباهه ليصغى فى خشوع لبئر أسرارها الذى أوشك على الفيضان
:- أنت سألت عن بابا وماما.... هما موجودين وبخير ... كل واحد فيهم عنده بيته وأسرته وأنا الغلطة اللى فى حياتهم بعد زواج أستمر شهور قليلة وانتهى قبل حتى ما أوصل للدنيا ماليش مكان وسطهم مجرد ضيفة تقيلة عليهم .... سبونى عند جدتى تربينى لغاية ما أتوفت
أشاح بنظره نحو شاطئ البحر حتى لا يقطع تسلسل أفكارها ويترك لها الفرصة لتلفظ ما يعتمل من آلم داخل جنبات صدرها بكل أريحية وكأنها تحدث نفسها .... استطردت بنفس الخفوت
:- تعرف أنا باخد أجازة وأنزل أزورهم بس عشان الناس يعرفوا أن ليا أهل ... لكن الحقيقة أنى وحيدة.... يتيمة وأهلى على وش الدنيا
أسعده انطلاقها في الحديث عن نفسها رغم المرارة التى أستشعرها فى كلماتها، ولكن حديثها إشارة لثقتها به ويجب أن يكون على قدر تلك الثقة فقال بهدوء وتأكيد :- أنتِ إنسانة قوية ومجتهدة قدرتى تبقي مهندسة بمجهودك وأشتغلتى وأتغلبتى علي كتير من مشاكلك..... ودلوقتِ أنتِ لازم تعيشى حياتك وتستمتعى بها مادام مش هتعملى حاجة غلط
أعاد بصره نحوها ليطالع رأسها المنكس ونظراتها الذائبة داخل كوبها الساخن ليردف بنبرة ناصحة مطمئنة لنفسها
:- فكى قيود الحزن والخوف اللى صنعتيهم لنفسك وعيشى وأنسى كل حزن فات .... اللى فات أنتهى .... مات ... و الحياة حلوه لازم نستمتع بها وألا هتفضلى واقفة مكانك والعمر هيجرى منك
رفعت رأسها نحوه لتتبادل العيون المزيد من الكلمات الصامتة فى نظره وصل طويلة لا تبغى انقطاع
* * * * *
أرخى جفنيه مستمتعاً بهدير البحر بينما تجلس تطالع أمواجه المتراقصة فى سكون وقد بدأت الشمس فى طريقها للغروب لطالما تمنت أن تضع قدميها فى مائه المالح لابد أنه إحساس رائع
التفتت نحوه وجدته نائم أو هكذا تصورت، توقفت نظراتها على ملامحه السمراء الهادئة، ملامح رجولية خشنة عادية أكسبها الرضا والبشاشة وسامة وسحر يصعب مقاومته، ابتسمت لخاطرتها وعاتبت نفسها سراً " هل تتغزل فى ملامح رجل ... ما الذى حدث لها ربما أصابها مس من الجنون ... جنون الحب"
أخفت ابتسامتها بكفها الصغير قبل أن تنهض من مكانها ببطء لتتسلل من جانبه حتى لا توقظه متناسية الوقت الذى يمر والذى لم يعد يعنيها الأن، كل ماتهتم به الأن أن تستمتع بجمال الطبيعة حولها وتحقق ولو اليسير من أحلامها
تحركت ببطء على رمال الشاطئ حتي اقتربت من المياه ولامست أصابع قدميها الماء الدافئ، أرخت جفنيها باستمتاع وأطلقت تنهيدة خافتة ثم تقدمت لداخل المياه قليلاً حاسرة جزء من تنورتها حتى لا تطالها الأمواج المتلاعبة وخلال لحظات أغراها دفء المياه وانسيابها الناعم لتشارك الموج شقاوته وبدأت تتلاعب بقدميها في المياه متناسية تنورتها التى ابتلت حول قدميها، لمحت صدفة جميلة علي الشاطئ وأخرى هناك فانحنت تلتقطها وتتحرك لتلتقط أخرى واندمجت في جمع الأصداف كطفلة صغيرة تلعب على رمال الشاطئ فى غفلة من أسرتها.
وبينما انحنت تلتقط صدفة أخرى تضمها لصديقاتها التى ملئت كفها الصغير سبقتها يد سمراء خشنة والتقطت الصدفة قبلها، اعتدلت تنظر فى هذا الوجه الأسمر البشوش وابتسمت فى وجهه أجمل ابتساماتها، تبادلا نظرات باسمة تموج بمشاعرغريبة لا مسمى لها... قبل أن يهتف حازم وهو يتلاعب بالصدفة فى كفه
:- أنا مبسوط أوى
هتفت بطفولية وانطلاق لتعبر عما يختلج بصدرها أيضاً
:- وأنا كمان مبسوطة أوى أوى.... أول مرة أحس أنى عايشة بجد
اتسعت ابتسامتة فجنة التى يعرفها كانت ستتسائل عن سبب سعادته بوجه عابس ولا تسارع فى كشف شعورها بهذا الاندفاع الطفولى... يبدو أنها أزاحت بعض من حمل قلبها وحزنها بعد أن صرحت ببعض مما يؤرقها ويُحزنها
حدجها بنظره عاشقة وقال بصوت رخيم دافئ
:- يارب دايماً ...هو ده سبب سعادتى.... أخيراً بدأتى تستمتعى بوقتك وتعيشى الحياة
أشتعلت وجنتيها بلون الخجل وقد أدركت اختلاف تصرفاتها عن سابقتها المتحفظة بشدة بينما أردف بنفس نبرته الدافئة
:- صدقينى الوحش بيعدى والحلو كمان بيعدى ودورنا أننا نستمتع بالحلو مادام فى أيدينا وفى حدود دينا وأخلاقنا
أحنت رأسها بحياء وكأنها تتلقى درس فى الحياه منه ورددت باقتناع هامس
:- عندك حق
مد كف مفروده أمام وجهها يطالب بتسلط :- هاتى الصدف
ضمت كفيها قابضة على أصدافها تبعدهم عن مداره وهتفت برفض طفولى
:- لأ... دول بتوعى أنا
قهقه بمشاغبة على ملامحها التى عادت للعبوس ولكنه عبوس مختلف، عبوس طفولى محبب لنفسه .... هتف موضحاً
:- هعملك ميدالية منهم عشان تفتكرى اليوم ده دايماً
لمعت مقلتيها باستحسان وتسائلت بجدية :- بجد... تعرف!!
خبط على صدره متفاخراً :- عيب عليكِ .... هبهرك
ضحكت بمرح وهى تستودع أصدافها كفه العريض، فهل ياترى استودعته ماهو أغلى من الأصداف؟
* * * * *
بدأت رحلة العودة فى هدوء وصمت وكأن سهام خفية قد أصابتهم فى مقتل، هل ياترى هى سهام كيوبيد أم سهام القدر !!
حقاً لا يدرون ولكن النتيجة واحدة سكون وصمت وسهام من النظرات المحملة بآلاف المعانى أشعلت خفقات حائرة تطرق القلوب بصخب، توقف أمام البوابة الحديدية الضخمة للمزرعة يطلق نفير سيارته ثم التفت نحوها هامساً بدفء
:- كان يوم جميل .... أجمل يوم فى حياتى
ابتسمت لكلماته المجاملة فبالتأكيد لم يكن أجمل أيامه ولكنه أجمل أيامها هى بالتأكيد، أرخت جفنيها بحياء بينما تنشق دلفتا البوابة الكبيرة ببطء ويظهر من خلال أنفراجها وائل يشتعل غضباً واضعاً يديه فى خصره بتحفز بينما يظهر فى الخلفية الأسطى مسعد وصادق يسارعون للبوابة بعد أن سمعا صوت بوق السيارة
تبدلت الملامح الهادئة المبتسمة داخل السيارة لأخرى متوجسة لهذا المشهد الغريب أمامهم
بدأ حازم فى التقدم ببطء بالسيارة متخطياً البوابة ليقف أمام وائل مباشرة وما أن ترجل من السيارة حتى أندفع وائل صائحاً بغضب فى وجهه بتهكم مهين:- أهلاً وسهلاً .... لسه بدرى الليل لسه طويل للفسح والمسخرة
اشتعلت مقلتى حازم غضباً وعبس وجه جنة باستنكار لتلك السخافات التى يطلقها وائل من فمه بينما لم يمهله حازم بل أندفع فى هجوم مضاد عليه
:- سهر إيه ومسخرة إيه يا باشمهندس اللى بتتكلم عليهم ..... أحنا كنا فى شغل خاص بالمزرعة وياريت تعقل الكلام قبل ما تقوله
لم يتقبل وائل كلمات حازم المدافعة فأنطلق يصيح بتهكم
:- شغل إيه اللى تقضوا فيه طول النهار سوا ..... اسمه إيه الشغل ده
جحظت مقلتى جنة أمام اتهامات وائل الوقحة، كيف يفكر بهذة الطريقة وكيف يتهمها بتلك البشاعة أما حازم فكاد أن يهجم عليه ليوقف الكلمات المسيئة فى فمه لولا تدخل مسعد بحزم الذى وصل أخيراً خلفهم مباشرة
:- كانوا فى شغل بأمر من الحاج هلال يا باشمهندس ومايصحش الكلام اللى بتقوله ده .... الأتنين أخلاقهم معروفة وماحدش يقدر يمسها بكلمة
ضحك وائل بتهكم وكتف ذراعيه هاتفاً :- شغل طول النهار!!
هتف حازم بغضب مكتوم موضحاً فقط لأجل خاطر الحفاظ على سمعة جنة
:- الباشمهندسة خلصت شغلها واللى عطلنا السمكرى أخد وقت عشان يصلح العربية
أطلق وائل مايشبه ضحكة ساخرة ليقول بتعالى:- وكمان خبطت العربية
هنا تدخل مسعد بقوة :- اللى خبط العربية حضرتك ياباشمهندس مش حازم
انعقد حاجبى وائل بغل بينما أردف مسعد بكلمات متعقلة تعرف هدفها
:- حضرتك اللى خبطها من شهر لما أصريت أنك تسافر بعربية الحاج هلال ومن وقتها وهى فى الجراچ .... والحاج مش قادر يستخدمها
أخفض صوته قليلاً واستطرد :- عشان كده أستغليت مشوار المهندسة وبعت العربية تتصلح ...وحازم كان معايا على التليفون طول الوقت لحظة بلحظة وبيتحرك بأذن منى
تهكمت نبرة مسعد البطيئة مردفاً بتحدى :- تحب تعرف تصليحها أتكلف كام؟
عقد وائل حاجبيه بغضب واستنكار حين فهم مايرمى إليه مسعد من وجوب دفع ثمن التصليح بما أنه سبب الضرر، ولكنه تجاهل كلمات مسعد وأتجه للهجوم على الجبهة الأضعف فى هذا الصراع (جنة) التى لم تنبس ببنت شفة منذ بدأ هجومه، مد كفه نحوها وصرخ بوجهها آمراً بعنجهية :- هاتى العقود والأوراق
رمقته بعتاب واشمئزاز ثم بدلت نظرتها نحو حازم الذى يقف أمامه بكل قوة غاضب الملامح وعلى أتم استعداد للدفاع عنها، أعادت نظرتها لوائل وشدت قامتها القصيرة رافعة ذقنها الدقيق وهتفت بإصرار
:- لأ ..... الملف هسلمه للحاج هلال زى ما أستلمته منه
إيمائه بسيطة من رأس حازم دلت على استحسانه لتصرفها بينما رمقها وائل بنظرة مشتعلة واتسعت فتحتى أنفه وهو ينفث غضبه بغل
استدارت لتشق طريقها بينهم نحو فيلا صاحب المزرعة وقد منحها دفاع حازم والأسطى مسعد عنها قوة خفية وثقة بالنفس، تبعها وائل بخطوات تدق الأرض غروراً وغضباً ليوقفها بالقرب من الفيلا بعد أن حاول التحكم بصوته للتأثير عليها بكلمات خادعة
:- جنة .... أنتِ أزاى تقضى اليوم مع الولد ده .... أزاى أصلاً تقبلى أنك تسافرى تقابلى تجار... أنا نبهت عليكى قبل كده ده شغلى أنا
كانت ترمقه بغضب وتعتصر ملف العمل بين يديها تبثه شحنه غضبها العارم خاصة بعد أن تبدلت نبرته المخادعة لنبرة عنجهية لذلك وجدت نفسها تصرخ بوجهه:- أنت أزاى تتكلم عليا بالشكل ده .... شفت إيه غلط فى أخلاقى عشان تتهمنى بالكلام الفارغ اللى قلته وتسوء سمعتى .... آآآآ
قاطعها قبل أن تستفيض فحقيقة الأمر هى لا تعنيه ولكنه يراعى مصالحه فقط ولكنه تصنع الهدوء ليهمس لها بتكلف
:- بغير عليكِ .... من حقى أغير وأنتِ نفسك قلتى خلينا زملا لغاية مانتجوز يعنى من حقى أغير على الست اللى هتبقى مراتى
تفحصت مقلتيه باحثة عن أى عاطفة أو صدق فى مشاعره ولم يواجهها سوى الخواء فقالت بشئ من اللين كرد فعل على كلماته التى لم تصدق حرف منها
:- غيرة إيه باباشمهندس .... اللى بيحب عمره ما يأذى اللى بيحبه ولو بكلمة .... مش بيلمح بكلام مش صحيح ويسوء سمعه الناس بالباطل
استدارت لتبتعد عنه بنفورلكنه أستوقفها ليسأل عما يهمه بنبرة هادئة
:- قوليلى عملتى إيه مع التاجر !! ..... أتفقتوا على إيه؟
قربت حاجبيها الرفيعين بتعجب وهى تتذكر إصرار التاجر على الحديث مع وائل هاتفياً والمماطلة فى التوقيع على الأوراق وكأن بينهم سر خفى ولولا وجود حازم معها وإصراره على إنهاء الأوراق وألا ستتوقف الصفقة بين التاجر والمزرعة بناء على أمر صاحب المزرعة لما وقع التاجر مضطراً لذلك
عادت للواقع تتأمله بحيرة ثم قالت بنبرة صارمة
:- أظن التاجر بلغك كل التفاصيل لما كلمك فى التليفون
ثم تركته لتستكمل طريقها نحو فيلا الحاج هلال وهو يرمقها بغل وحقد كبيرين، ومن بعيد كان هناك يقف حازم مستتراً بين الأشجار ليطمئن عليها ويحميها وقت الخطر
* * * * *
مر ما يقرب من أسبوع علي ذلك اليوم، لم ترى حازم خلالهم إلا فى لمحات خاطفة داخل المطعم أو فى المزرعة من بعيد وكأنه يتجنبها ولما لا فهى تتجنبه بدورها بعد تلك الكلمات المسمومة التى أطلقها وائل لتصيب سمعتهما وتثير الشائعات حولهما
اللعنة على وائل وغروره وغطرسته لقد أفسد عليها أجمل يوم مر بحياتها، يوم قضته على سجيتها بصحبة إنسان شعرت معه بالأمان الذى أفتقدته طيلة حياتها واللعنة على من صدق تلك الإشاعات المغرضة، كيف لهم التصديق ؟
كيف لمهندسة مثلها أن تفكر فى سائق لم يُنهى تعليمه الجامعى أنه غير كفؤ لها بكل المقاييس ماذا سيقول الناس أن حدث بينهم ارتباط؟ ستلوك الألسن سيرتها؟ وتنطلق الأحاديث فى سمعتها وكيف يقبل والدها أمر كهذا؟
أطلقت زفرة متهكمة مرددة لنفسها " والدها!!" مستعيدة ذكرى محاولته تزويجها من رجل يكبرها بعشر سنوات وأب لطفلين لمجرد أنه قريب زوجة والدها التى تبغى التخلص منها فى تلك الفترة البسيطة التى قضتها معهم أثناء الدراسة الجامعية بعد وفاة جدتها
شدت قامتها وفكرت بجدية مع نفسها "على أى حال حازم مجرد زميل، صديق منحها نصيحة لتحيا بسعاده ورحلة لم تحظى بمثلها من قبل وهذا كل شئ "،
تقدمت نحو مطعم المزرعة وبداخلها صوت يهمس أنها كاذبة، تكذب على نفسها فيما يخص شعورها بحازم ولكنها تجاهلت هذا الصوت فعقلها يرفض فكرة الارتباط بشخص أقل فى المستوى الدراسى منها
لا تدرى لما تذكرت غطرسة وائل الأن فيبدو أنها أصبحت تفكر بتعالى مثله فى هذا الجانب رغم معرفتها بظروف حازم التى منعته من مواصلة دراسته الجامعية، زفرت بضيق طارده حيرتها وتشتت تفكيرها ودلفت داخل المطعم ثم اتجهت لطاولتها لتتناول إفطارها اليومى وبمجرد اقترابها من الطاولة لمحت المزهرية الصغيرة الموضوعة دائماً علي الطاولة خالية من الوردة الحمراء الصناعية التى تحملها عادة وتعجبت حين وجدت الوردة الصناعية نائمة فوق الطاولة بجانب المزهرية يبدو أن أحد العمال كان يقوم بتنظيف المزهرية ولم يعيد الوردة لمكانها
اتخذت مكانها ببساطة ثم رفعت الوردة لتعيدها مكانها ولكنها شهقت بدهشة حين وقعت نظراتها على الأصداف القابعة تحت الوردة الحمراء الصناعية، لقد نسيت أمر أصدافها تماماً فى خضم الأحداث ولكن يبدو أنه لم ينسى.
رفعت الأصداف بين يديها بسعاده من حلقة المفاتيح الفضية تشاهد إنسيابهم بما يشبه العنقود فوق بعضهم البعض عن طريق سلاسل فضية مختلفة الأطوال تحمل كلاً منهم صدفة فى نهايتها، قربتهم لأنفها تستنشق رائحة البحر بهم وتستعيد ذكرى ذلك اليوم الرائع غافلة عمن يراقبها من بعيد بابتسامة سعادة تشاطرها سعادتها البادية على ملامحها الأن
رنة قصيرة انطلقت من هاتفها تُنبئ عن وصول رسالة نصية كادت تتجاهلها لولا أن لمحت اسمه على شاشة الهاتف، أسرعت تفض الرسالة وتجرى بعينيها على كلمات الرسالة القصيرة " أبهرتك... مش كده؟ "
زمت شفتيها بشقاوة وكتبت سريعاً " يعنى مش بطالة "
انطلقت رنة قصيرة أخرى برسالة جديدة " لا ...لا تكذبى .... عجبتك .... بدليل الأبتسامة الساحرة اللى منوره وشك دلوقت "
قطبت بين حاجبيها حين أدركت أنه يراقبها، تلفتت حولها باحثة عنه بين الجلوس حتى التقت مقلتيها بحدقتيه الباسمة قبل أن يغمز لها بخفة ليتبادلا النظرات والابتسام للحظات قبل أن يلكزه صادق فى ساعده بخفة بعد أن لاحظ نظراتهم المتبادلة
تنحنح بحرج وأشاح بوجهه نحو صادق ليواصل الحديث معه والذى قطعه عند دخولها المكان، قاطعه صوت وصول رسالة على هاتفه ففضها سريعاً متجاهلاً حديث صادق مرة أخرى، ليجرى بنظراته على كلماتها " تسلم ايديك حلوه أوى وعجبتنى جداَ"
ابتسم بفخر لشاشة الهاتف ثم شرع فى أرسال رسالة جديدة
" مفيش حاجة في الدنيا أحلى من ضحكتك "
أسترق نظره خفية نحوها ليشاهد خجلها الجميل المرتسم على ملامحها ومقلتيها على شاشة الهاتف تطالع رسالته وكفها يتلاعب بالأصداف بين أناملها الرقيقة.
* * * * *
فى الأيام التالية أختفى حازم مرة أخرى إلا من بضع لقاءات قصيرة أغتنمها أثناء عودتها للسكن ليتبادلا خلالها أحاديث قصيرة مرحة وعلمت منه خلالها أن مسعد كلفه بعمل بعيداً عنها ليوئد تلك الشائعة الحقيرة التى أطلقها وائل عليهم، ولم يتوانى حازم فى التعبير عن سعادته خلال تلك اللقاءات التى لا تتعدى الدقائق عن تغير شخصيتها العابسة إلى شخصية شقية ومرحة وهى تبادل مشاكسته بمثيلتها وكأنها كانت تُخفى بداخلها تلك الطفلة المرحة خلف هذا الصمت والعبوس.
عادت لأرض الواقع على صوت توقف سيارة قريب فالتفتت نحوها لتشاهد صادق يترجل من السيارة ويتوجه نحوها، راقبته بجمود وعقلها يتسائل عن سبب اختفاء حازم منذ عدة أيام، أنها حتى لم تلمحه فى المطعم صباحاً ولم يتناول غدائه أمس
ألقي صادق التحية حين وصل بجانبها لتعود مرة أخرى من أفكارها وتعيد تحيته بمثلها قبل أن يتسائل بجدية
:- أحمل العربية علطول ولا فى كراتين تانية لسه بتتجمع
أجابته بشرود وسؤال يلح داخل عقلها للخروج :- تقدر تحمل على طول ياصادق
أومأ صادق ثم بدأ فى طلب بعض العمال ليقموا بتحميل السيارة وكاد يبتعد عنها نحو سيارته لولا سؤالها الخافت المتلعثم الغير مرتب
:- صادق.... هو حازم فى أجازة ؟
توقف صادق والتفت نحوها يجادل نفسه أيفصح عن حال صديقه أم يصمت كما طلب منه حازم، ولكن حتى متى الصمت فحازم يعانى منذ أيام بسبب ذلك اللعين وائل الذى يقوم بإسناد أعمال شاقة له منذ الصباح الباكر حتي الغروب وحازم يرفض الاعتراض أو الشكوى لأى شخص حتى لا يتسبب فى افتعال مشاكل ولكن صادق يشعر بقرب نفاد صبر حازم الذى قد ينتهى باشتباك كبير بين وائل وحازم قد لا تُحمد عقبها
حسم صادق رأيه، عليه مساعدة صديقه خاصة وأنه أصبح لا يتناول وجباته فى وقتها ويستنفذ طاقته فى عمل شاق
زفر صادق بضيق ثم قال بحنق :- حازم بقاله كام يوم بيشتغل صبح وليل ... رايح جاى علي الطريق من غير راحة... ومن أمبارح الفجر ابتدى فى حرث الحوض الغربى حسب أوامر المهندس وائل
قربت جنة حاجبيها بحيرة كيف يتم حرث أرض دون علمها فهى أو المهندس الجديد من يشرف على ذلك العمل وهاهي تشرف على جنى محصول المانجو أما المهندس الجديد فهى تعلم أن موقعه الأن فى حقول البطاطس
تسائلت بحيرة وتوجس :- ومين مع حازم؟
لوى صادق شفته بحنق :- المهندس وائل بيشرف على العمل بنفسه
وائل!! نطقتها بدهشة فوائل يفضل العمل الإدارى الذى يوفر له إلقاء الأوامر وإظهار سطوته ونفوذه فى العمل ويترك لهم العمل الميدانى، غادرها صادق ليقوم بعمله بينما وقفت تفكر بشرود "هل يقوم وائل بعقاب حازم بشكل غير مباشر، ولكن لماذا؟"
بسبب الغيرة عليها كما يدعى !!، أم بسبب عدم خضوع حازم له ومجابهته كتفاً بكتف وأياً كان السبب عليها التحقق من الأمر
* * * * *
أسرعت فى التحرك لتغادر موقعها وصادق يراقبها من جانب السيارة وهو يحث العمال على سرعة تحميل المحاصيل،" حقاً هو يرى أن تلك العلاقة سوف تفشل وقد حذر صديقه من التمادى فيها.... فهو يعلم كيف تُفكر الفتيات وخاصة صاحبات الشهادة الجامعية كجنة، لن تقبل بمن أقل منها فى المستوى التعليمى ولكن صديقه أكد رجاحة عقلها وأن ليس للقلب سلطان فلا يملك أن يتوقف عن التفكير بها .... وصادق يعلم جيداً كيف يصنع الحب المعجزات"
ما أن أنهى تحميل السيارة بالمحصول حتى أنطلق خلفها عازماً على نقلها حتى مكان عمل حازم، توقف بجانبها هاتفاً بمواربة :- باشمهندسة تحبى أوصلك أى مكان؟..... أنا فى طريقى للحوض الغربى
رمقته بنظره استفهام فكيف أستشف أنها فى طريقها إلى هناك، استطرد مفسراً
:- أنا رايح مستودع 5 اللى هناك .... لو تحبى أوصلك
تفكرت قليلاً فيجب عليها فهم ما يفعله وائل ولا داعى للمواربة فهذا يعتبر جزء من عملها، دارت حول السيارة واتخذت مكانها بجانبه
ابتسم صادق بخفة وقد عزم على إطلاع الأسطى مسعد أيضاً على الأمر فيجب وضع حد لذلك المغرور المتعنت وائل
أنت تقرأ
حكم هواك (مكتملة) بقلمي /إيمــان سلطـان
Romanceقصة قصيرة اجتماعية فى إطار كوميدي لطيف تدور الأحداث بين مهندسة زراعية وسائق شاحنة يجمعهما الحب بعد عديد من المواقف ويقف حاجز التعليم بينهما فهل يستطيعا تخطي هذا الحاجز أم تفرق بينهما الحياة؟؟