عادتي السيئة الأولى

41 8 1
                                    

- قمتَ بتدقيقها إثنى عشر مرة بالفعل، أقسم لك بأنها خالية من الاخطاء!

- في المرة العاشرة لاحظت استخدامي سطرًا جديدًا بدلًا من فاصلة منقوطة، وفي المرة الأخيرة أومأت تانيا الموافقة برأسها ولم تنطق "نعم" بلسانها.. ألا تعد هذه اخطاءً في نظرك؟
°•°•°•°•°•°

"عقدة المثالية" أصعب مما تبدو عليه، يظنك الآخرون تريد أن تجعل كل شيء خاليًا من الأخطاء وحسب.. لكنك تبحث عن الكمال الجمالي إتجاه ما تجيد صنعه، أن تبثّ روحًا في نصٍ تكتبه.. كلما كانت تلك الروح ذات طابعٍ ملائكي، لن تصبح وحيدة برفقة قارئها.

إقتضى الأمر مني سبعة أعوام من التجارب لبناء شخصية مؤثرة كَـوِيليام، وأعتبرته الوقت المناسب لمشاركة أحداث قصته مع الآخرين، لكن ولسببٍ ما لم يعِر كلماتي أحدٌ إهتمامًا.. بقيت حبيسة مخيلتي وأوراقي فقط حتى لقائي بها، أملي الأخير "كوريناي" .

طلبت مني إمهالها أسبوعين لتقييمها، لكن تفاجأت باتصال مدير أعمالها بعد يومين مبلغًا إياي انتهاءها وموافقتها على نشرها.. لم يكن علي التفاجؤ أساسًا، رواية كهذه تستحق ماهو أكثر من ذلك.

أنهيت خلق مجرة في زاوية من هذا الكون وانتظر سطوعها في الإعلان فقط.. وقفتُ في شرفة غرفتي الموشحة برائحة القهوة والورق، في الواقع لا أحب القهوة لكني أتظاهر بذلك كـفنان أدبي..
ليس هذا هدفي من وقوفي هنا بل أتيت لغرض إلقاء التحية على النجمة التي رافقتني طوال رحلتي الروائية لسبع سنوات..  كانت بعيدة عن القمر، وحيدةً مختبئةً في زاويتها تلك دون مجاورة رفيقاتها.. ولقدرتي على تمييزها من بينهن اخترت أن اكون صديقها الوحيد ، ورغم علاقتنا القديمة والطويلة هذه لم أطلق عليها اسمًا، لكن بالنظر للسعادة التي شعرت بها هذه الليلة بفضل كوريناي، ارتأيت أن اسمي نجمتي الوحيدة ب"كو" .. فقد لامس روحي وهجها وهذا أقل ما يعبر عن امتناني.

عادتي السيئة الأولى؛ الأرق الذي قد يستمر لأيام دون تعاطي السافوريكسانت، أصابني بعد انفصال والديّ في العاشرة من عمري وكان من الصعب تجاوز مشاكلهما الدائمة او العيش بعيدًا عن أحدهما.. مع ذلك اخترت أبي لأن الرجال لا يبالغون في تطفلهم على حياة ابنائهم العاطفية، والتي قضيتها أنا في الكتابة.

لكن هذه الليلة استثنائية، لست بحاجة للنوم فلدي سهرة مع سعادتي بقراءة رسالة كوريناي التي وصلتني للتو " مر وقت طويل على استلامي رواية فريدة كهذه وقد جعلتني أشك في كونك هاوٍ فقط، لا أعلم فربما تكون كاتبًا معروفًا يحاول اختباري.. لكني أتقد من الحماسة لنشرها"

لا يكاد عقلي أن يتوقف عن تكرار سماع الرسالة بصوتها الذي أسمعه في مقابلاتها، بإطلالاتها المثيرة تلك يصعب على شخص مثلي أن يحلم بالحديث معها حتى.

لكن ها أنذا معها بعد شهر وهي ممسكة يدي بيدها البيضاء الناعمة بانتظار استلام النسخة الاولى لكتاب روايتي في دار النشر، رمقت ملامحها البريئة عن قرب وعيناها الخضراء المسحوبة، داعب أنفي عطر شعرها الاشقر الداكن بعد وضع رأسها المرهق على كتفي، وأقسم أني حاولت جاهدًا إبعاد نظري عن شفاهها الكرزية الممتلئة بلا جدوى. ولم يفلح في مساعدتي سوى مجيء مدير النشر قائلًا: لا ريب بأنها ستحقق نجاحًا ينقلكِ إلى مستوى جديد من شهرتك، تهانينا آنستي.

سلّم الكتاب لكوريناي التي قامت باحتضانه وتقبيله حتى ظننت أنها رواية بقلمها، ثم فعلت المثل معي شاكرةً إياي على ما قدمته لها.. اختفت ابتسامتي تدريجيًا لاستغرابي ما يحدث في هذه اللحظة، التقطت الكتاب منها فور ابتعادها لأُصدم بغلافه الذي طُبِعَ عليه " شتاءٌ في الجحيم- بقلمِ كوريناي بافيل" ..

..

نجمَتي كَو حيث تعيش القصص. اكتشف الآن