عادتي السيئة السادسة

16 4 12
                                    

- تختفي النجوم في الأيام الماطرة بالحزن بفعل تلبد الغيوم الشجي، لكن نجومنا سطعت تحت سقفنا مضيئة ذلك السطر المظلم الاخير ؛ الفاصل بين الحياة والموت..

°•°•°•°•°•°•°•°

- توقف عن التحديق بي والا جعلت من سيارتي تحتضن أقرب جدار على الطريق لعلي اتخلص منك حينها .

كوريناي، قائلة بتهديدٍ اثناء قيادتها السيارة لتوصلني الى المنزل فأبعدت نظري ناحية الطريق الذي رأيته للمرة الاولى منذ ركوبنا بعد أن صببت جلّ تركيزي على ملامحها

- كو .. أود مقابلتكِ في برنامجي الأسبوع القادم.

نظرَت إلي بابتسامة نرجسية تملؤها السخرية

- بالطبع ستجدني هناك، أتوق لسلب مهنتك من يديكَ ايضًا.

- أرجو أن تندمي على ثقتكِ هذه..

ما كانت الا دقائق حتى وصولنا ومرافقتها لي إلى غرفتي، وقفت أمامي بثباتٍ بعد أن فتحت حقيبتها اليدوية واضعةً إياها بيدي

- ضع هنا كل ما تملك من أدوية في غرفتك، وبيتك كاملًا.

نفذت أمرها بلا جدالٍ لإدراكي إصرارها الذي لا تنوي التنازل عنه، كان إهتمامها مطرًا غزيرًا باردًا على صحراء قلبي القاحلة، أنهيتُ جمع الأدوية وأعدت حقيبتها في صمتٍ تام فتساءلَت:

- ألا يسعك النوم من دونها؟

اومأت رأسي بالاتفاق فكان جوابها عَرضًا لإحتضاني بين ذراعيها المفتوحتين، تجمد الدم في عروقي ورعشة تملّكت سائر جسدي لحظري من الإقتراب لأكثر شيء قد أرغب بفعله الآن!
أنزلَت يديها بيأسٍ وابتسامة تصاحبها نبرة مهدئة : لا عليك.. أتفّهم صعوبة الإتكاء على كتف عدوك.

ثم استدارت راحلة لتركي أصارع هلعي وحيدًا هنا، استعنتُ ببقايا طاقتي الواهنة زحفًا على ركبتي لأصل حيث أدويتي لكن تعطّل عقلي في حالٍ كهذا وأنساني ما فعلته كو، فكان الاستسلام للدوار محطتي الأخيرة لحين مجيء إلياس ومساعدته لي للجلوس على سريري البارد بفعل تسلل الهواء عبر شرفتي المفتوحة، بينما أعدّ لي صديقي كوب الاسبريسو الساخنة. فتساءل: هل ستواصل العيش محطمًا و وحيدًا هكذا كل ليلة؟

أجبته بعد رشفتين من كأسي

-إعتدت ذلك منذ رحيل والدي للعيش مع زوجته، لا حاجة لي به ما دمتم بقربي.

إبتسم بلطفٍ بالغ: بالطبع، لولاك لما كان لوجودنا قيمة تذكر.. لكن التفكير بأمرك لا يفارقني لا سيما بعد اختراق عزلتك من قبل تلك ال"كو"، أتظنها تحمي مصلحتك بسلبها ما يبقيك قيد سلامة عقلك منذ سنوات؟

ضيقتُ عينيّ باستفهام عمّا يرمي إليه فأكمل: لا أجد في حركتها هذه سوى خدعة لإسقاطك كي تحمي بقاءها في القمة.

رمقته ببرودٍ تام غير راضٍ بما يثرثر به فأمرته بالتوقف عن الهلوسة والصمت، لكنه واصل بلا مبالاة: لا تسمح لنفسك بالإنصياع لقلبك وجعلك مغفلًا يا هارولد!

- الحب عمل العقل ولا شأن للقلب سوى كونه مضخة لنقل الدم ايها الأخرق.

- إذن لِم لا تشغله قليلًا وتحذر من سحبها لك حيث هاويتها؟

- إنه يعمل منذ زمن طويل، أنصحك أن تطفئ عقلك أنت...

قاطع حديثنا كريس الذي طال وقوفه عند باب غرفتي دون أن نلاحظه، فردّ على كلامنا: أتملكون عقولًا أم آلات ميكانيكية؟

أجبته بامتعاض من الآخر: أسدِ لي معروفًا وتولَ النقاش مع صاحبك الاحمق هذا لعلي أفلح في محاولة النوم.

أبدى إلياس سخريته على هيئة قهقهة قصيرة و ردٍ على كلامي: أفضّل كوني احمقًا على أن أكون هارولد.

أوما له كريس بالتزام الصمت ومواصلة الحديث معي بدلًا عنه: هارولد، أتعرّض ماتبقى من حياتك للسرقة بيد امرأةٍ مخادعة؟

اتسعت عينيّ المرهقتين بغضب : هل أتيت لتسكته أم تحل محله!

أوقف إلياس نقاشنا العقيم بمزاحه الساذج وضربي على كتفي لإخماد غضبي متجنبًا نوباتي التي لا يوقفها سوى ثلاث جرعات من الادوية المهدئة، فصرخت به محذرًا إياه من إسقاط كأس مشروبي الساخن وقد فات الأوان حيث انسكب على قميصي فنهضت فزعًا من سخونته التي ظننت أنني شعرت بها، لكني وجدتني وحيدًا في الغرفة بلا اصدقاء مزعجين، او كوب الاسبريسو.. أخشى التفكير في الأمر، لا أريد الوصول الى إجابة تمحو بقايا أملي العالقة في هذه الحياة المزرية.

عادتي السيئة السادسة؛ تمسكي الوثيق بأفكارٍ جعلتُ منها قواعدًا أعيش وفقها وإن كانت بسيطة، لم ينجح أحدٌ قبلًا بإقناعي في العدول عن خطوة أو فكرة أراهن بحياتي عليها.. كيف لو كانت تلك كوريناي؟
~~~~~

بعد صحوتي لكل تلك الليالي واعتناقي الأرق، تهالك جسدي إرهاقًا وضعفًا لأسبوع حتى موعد مقابلة كو، رجوته قليلًا من الطاقة إذ كانت فرصتي الأخيرة التي فقدتها، ففي يوم موعدنا إتصل بي زملاء العمل لمعرفة سبب تأخري وغيابي عن البرنامج لكن لا رد ممن فقد قدرة الحصول على بضع ثوانٍ من النوم دون عقاقير، واصلتُ خبط رأسي بالجدار في محاولةٍ عاجزة لقمع الصداع الذي تشبث به كمدمنٍ مُعدَم، ولشدته لم أشعر بألمِ او دماءِ جرح الضرب حتى.. من جانبٍ ترجوني عروق يدي البارزة لقطعها وإيقاف عنائي في هذه النقطة؛ والآخر كانت قدماي متشنجة بالكامل دون وسعي تحريكها، تقطعت امعائي ألمًا وكأن وحشًا ينهشها من الداخل جاعلًا من بدني بوصلة تتقلب على الأرض بحثًا عن مستقرها الأخير..

نجمَتي كَو حيث تعيش القصص. اكتشف الآن