عادتي السيئة الثانية

20 7 12
                                    


-لماذا لم تقل شيئًا؟

-كل الحروف قُتِلَت على لساني في تلك اللحظة.. لم أعد أرغب بالحديث، أريد فقط أن أكتب، وأكتب مجددًا..

°•°•°•°•°•°•°

صمتي كان اللحن الوحيد الذي عزفه لساني طوال شهر بعد ذلك اليوم، متقوقعًا في غرفتي بعيدًا عن ضجيج حديث الشوارع والانترنت بروايتي التي لم تعد ملكي بعد الآن.. ومجيء والدي على العشاء معلنًا عن استغرابه وفضوله إتجاه رواية ذاع صيتها بهذه السرعة خلال شهرٍ فقط من نشرها.

حتى هو لا يعلم، حتى وإن أخبرته لن يصدقني.. ولا عِلم له بأنني كاتب أساسًا..

أيقنت أن لا مفر من الواقع بعد أن حذف مدير أعمال كوريناي كل الدلائل التي بيننا على سرقتهم، والإعلام أداة ترويجية لا  تسعى لكشف الحقائق، لن يصدقني أحدٌ حتى ملائكة كتفي الأيمن التي أخبرني عنها زميلي المسلِم، أتخبط في غرفتي كل ليلة عاجزًا عن الخروج إلى شرفتي، او شرب القهوة، او الكتابة، ولا التفكير.. وحبوب المنوّم التهمها كالحلوى كلما صحوت لأنام هاربًا من نفسي المتآكلة بألمِ جرحها الممزق.

كنتُ ضعيفًا للحد الذي لم يخرجني أحدٌ من اكتئابي هذا سوى صديقي "كريس" بعد أن يئس من انتظار نهاية عزلتي، سحبني معه قسرًا لتناول العشاء من إحدى الباعة المتجولين في الطرقات بعد رفضي جلوسنا في المطاعم، رغم عدم ملاحظة الناس لحقيقة وجودي في عالمهم؛ لكن الاختفاء أكثر إرهاقًا من الحضور حين لا تريده بذات نفسك.

عادتي السيئة الثانية؛ اني بالغُ الكتمان حتى فيما بيني وبين نفسي.. يصعب علي الإعتراف بالهزيمة والضعف لكرهي الشديد لمشاعر الشفقة من قبل الآخرين على حسابِ كرامتي، لم أفكر للحظة من قبل أن سؤالًا واحدًا من كريس سيفجر ما كتمته في الأيام الآنفة.

- هارولد، ألن تخبرني بما حدث؟

- لو كنتَ صديقي لأثبتت رسائلنا حقيقة أنني الكاتب الأول للرواية لكن لم تسنح لي فرصة الحديث مع أحدهم عنها.

-....

غافلتني دموعي متسللةً نحو أحلامي المسربة، ذرفت خيبتي بهيئة بكاءٍ انصبّ ندمًا على ما فقدته.. لم أحظَ بشعور الشغف في حياتي من قبل لكنه بدا لي مؤلمًا بعد أن سرقوا بصيص الضوء الصغير على قلبي كما لو كان ملكًا لمصابيحهم المزيفة.

ألقيت بقايا الطعام من يدي في سلة المهملات المجاورة وعدت بنظري إليه

- انا محطم للحد الذي جعل هذه الفطيرة اول وجبة كاملة لي بعد شهر، يمكنك ببساطة النظر إلى عينيّ لتعرف أنني مصاب بفقر الدم الحاد نتيجة الاكتئاب.. لم افقد روايتي وأنما كانت جزءً من عقلي يا كريس!! كما فقدت ثقتي بالجميع بعد أن قام ألطف شخص في مخيلتي بتدمير عالمي الصغير الذي جاهدتُ لبنائه سبعة أعوام، أما الآن فأنا مشردٌ كأفكاري التي تأبى الانسياب خوفًا من مصيرها المجهول كسابقاتها.

حدّق بي لثوانٍ عاجزًا عن انتقاء كلماته لمواساتي، ثم رَبتَ على كتفي و وضع رأسي على خاصته ونطق بنبرة وعيد

-لن أسمح لهم بالعيش على حساب سعادتك، أمهلني أيامًا معدودة وحسب.

..

نجمَتي كَو حيث تعيش القصص. اكتشف الآن