شَعَـرَ أنَّ هذهِ اللَّـحظـةَ إحدى لَحَـظاتِهِـما الفـاصِلـة، وَأنَّ هذا الشِّـجارَ لَيـسَ كـغيـره، شَعَـرَ أنَّ مِن واجِبِـهِ أن يُفـرِغَ كُلَّ أفكـارِه، أن يُبَـيِّنَ لَهـا أنَّهُ لَم يَكُـن كَـما اعتَـقَدَت فيـه، لَم يَكُن أَمَلَـها، وَلا فارِسَ أحلامِهـا، لَيـسَ شَخـصَهـا المِـثاليَّ الَّذي تَشـتاقُ لِـلُقـياه، لَيـسَ إلَّا شَخـصاً أوجَبَـت الصُّـدفُ بَيـنَهـا وَبَيـنَه الارتِبـاط، هذا ما كانَ يَظُـنُّهُ علـى الأقل.
وَيلاه! كَم يَشـعُرُ بِـأذى خَيـبَتِـها بَعـدَ سَمـاعِ ما سَيَـقول، كَم يَشـعُرُ بِثِـقَلِ كَلِمـاتِه، أَوَلَيـسَت الكَـلِمـاتُ مُجَـرَّدَ هَواء؟ فَـكَيـفَ يَكـونُ الهَـواءُ بِـهذا الثِّـقَل إذاً؟ كَيـفَ يَشـعُرُ أنَّ كَلِـماتَهُ لَو وُزِنَت بـالجِـبالِ لَـمالَت كَفَّـةُ المـيزانِ لـمُجَـرَّدِ هَواء يَصـدُرُ مِن حَلـقِه، الحَـقيـقةُ أنَّ كَلِـماتَه لَم تَكُـن ذاتَ الثِّـقَل، بَل كانَا الهَـمَّ وَالحُـزنَ المُـشبَّـعَةَ بِهِـما، خَيـبَةَ الأَمَلِ وَشعـورَ المَـرارَة، الإحسـاسُ بِأنَّهُ لَم يَكُـن كافيـاً، وَلَم يَكُـن ما أرادَت، هُوَ ما يُثـقِلُـه ، كانَ مِنَ الصَّـعبِ عَلـيهِ التَّـكَلُّـمُ حَقّـاً، شَعَـر أنَّ جِسـمَهُ رَخو ضَعـيف خالٍ مِن العَـضَلات، وأيُّ عَضَـلاتِ تِلـكَ الَّتي تَقـدِرَ عَلـى نَطـقِ كلامِ نِهـايَتِـهِمـا؟ بَعـدَ أن ظَنَّ كِلاهُمـا أنَّه وَجَدَ مِثـالِيَّـه.
أيَنـتَهـي كُلُّ شَيءٍ هـٰكذا؟
استَـجمَـعَ قِواهُ بَيـنَمـا تَنـتَظِـرُ رَدَّه، رداً تَتَـمَنَّـى أن يَتَـوَقَفَ الزَّمَنُ قَبـلَ أن تسـمَعَـه.
أخَذَ نَفَـساً عَمـيقـاً كادَت رِئتـاه تَنـفَجِـران جَرَّاءَه، وَنَطَـق.."مُحِـقَّةٌ أنتِ، لَطـالَمـا كُنـتِ مُحِـقَّةً بِجُـملَـتِكِ هذه رُغم نُكـراني لِصِـحَّتِـها "كُنـتُ لَكِ كَمـا النُّـجوم تمـاماً"، نُوري وَضيـائي سَيُـلهِـمُ أجمَـلَ ما فيـكِ، سَيَـمنَـحُكِ أمَلاً وَسَعـادة، وَرَغبَـةً بِالاقتِـراب والاكتِـشاف، سَيَـجعَـلُ لَديكِ مَشَـاعِرَ تَصـعُبُ السَّـيطَـرَةُ عَلـيهـا، إعجـاباً وَرَهبَـة، وَلكِـن، كَمـا النُّـجومُ أيضـاً كُلَّـما اقتـرَبتِ سَتُـدرِكيـنَ أنَّ ذلكَ النُّـورَ لَم يَكُـن إلّا وَهمـاً، لَمَـعاناً سابِقـاً يَصِـلُكِ لِـنَجـمٍ مَيـتٍ بـالفِـعل، أمّا واقِعُ الحـالِ الآن، فَـهُوَ ثُقـبٌ أسوَد، بِـمُجَـرَّدِ الاقتِـراب مِنـه يَسـتَحـيلُ الابتِـعاد، تَبـقيـنَ لِـمُعـاناةٍ أبَديَّةٍ، وَلِـحَيـاةٍ مَلـيئـةٍ بـالألمِ وَالدُّموعِ والصُّـراخ، صراخٌ لا يَسـمَعُـهُ أحَد، بُكـاءٌ لا يَلـحَظُـهُ شَخـص، وَدُموعٌ طَغـى الظَّـلامُ عَلـيهـا فَلَـم تُرَ. يَصـعُبُ أن تُدرِكي كَم أنَّ هذا غَيـرُ حَقـيقـي، وَكَم أنَّهُ وَهم، وَكَم مِنَ السَّـهلِ الابتِـعادِ لَو قَرَّرتِه، لـكنـكِ مَن قَرَّرَ وُجودَ هذا النَّـجم، لِذا فَإنَّ الاقتِـناع بِعَـدَمِ وُجودِهِ سَـيَعـني خَيـبَةَ أَمَل، سَيَـعنـي إظهـارَكِ مُخـطِئـة، وَما أصعـبَ أن يَكـشِـفَ الإنسـانُ لِـنَفـسِهِ وَيُقـنِعَـها بِـأنَّه مُخـطِئ بـأبهـى ما صَدَّق، وَأنَّ حُلـمَهُ الـجَمـيل كانَ وهمـاً، أقنَـعَ بِهِ نَفـسَهُ في لَحـظَةِ وَهن"