"رقصةٌ أحيَت الذكريات"

88 6 52
                                    


جَلَسَ على رُكبَتِهِ ومدَّ يدَهُ قائِلاً: هل تَسمحينَ لي بِهذهِ الرَقصة؟!!
قلتُ: "بِكُلِّ سرور" مع إبتسامةٍ بريئة لكن أشتعلَت بداخلي ناراً آكلة..

وضعتُ يدي بيدِهِ وتلاقت نظراتُنا فبدَأَت تركضُ دقاتُ قلبي مُسرِعة كأن كهرباءاً جرَت في كُلِّ إنشٍ من جسدي حتى التفاصيل الصغيرة إذ بأقدامنا على ساحةِ الرقص وتشابَكت أيدينا... ولازالَ يرمُقني بِتِلكَ النظرة هو لم يُزِح نظرَهُ أبداً ولكِنَه أزاحَ الصمتَ بهمسِهِ: إنها أُغنيَتنا المُفضلَة..

سَمِعتُ تلكَ الكلمات لأعودَ بذاكرتي عندما إستمعنا لها معاً لِأولِ مرة... أردفتُ بِتَرَدُدٍ قائلِة: أ..أجل...

بينما نحنُ نرقُص على الأيقاع بحركاتِنا الخاصة
بينما قلبي يقول حقيقةَ أني أرقصُ على اوتارِ حُبٍ مُهتَرِئة لم يشاء القدر أن يجمعنا تحتَ سقفٍ واحِد لكنه شاءَ أن يجمعنا بِرقصة...

رُغمَ أن أفواهنا لم تنطُق بِحرفٍ إلا أننا تحدثنا كثيراً في تِلكَ الدقائِق الثلاثة لم تكُن مُجرد نظراتٍ عابِرة بل حديثاً متواصلاً يُقدّرُ بساعاتٍ طويلة لكنها إنتهت بِسُرعة... كانَ لابُدَ مِن ذلك رغم أني تمنيتُ لو يتوقف الزمنُ لِلحظة...

ذهبَ كلٍ منا في دربهُ.. والدِفئُ الذي خلَّفَهُ بيدي بدأَ يتلاشى لتعود كما كانت بارِدة..  كانَ طريقُ عودَتي لِمنزِلي موحِشاً... سِوى إنعكاس القمرِ مُلَبداً بالغيومِ على شاطِئ المدينة أعتَقدتُ أني وحيدةً هُناك... إذ بي أصطدِمُ بجَبلٍ كانَ سندي في أوقاتيَ الصعبة

-إنهُ أنتَ... مُجدداً!
= إعتدتُ كُلَّ يومٍ أن أرى إبتسامَتَكِ الساحِرة...
لكِنها الآن كبلوتو.. لا أعلم مَن يراها لكِني أعلمُ في وسطِ الحُزنِ تأكُلها الوِحدة و عيناكِ كالقمرِ مُكتَمِلاً... لكِنَهُ أدارَ لي ظهرَهُ فتركَ ليلي غارِقاً في العَتمة.. أخبريني.. هل أنا مَن تسببَ في كُلِّ هذا الخراب!! هل أنا مَن تسببَ في كُلِ هذهِ الظُلمة!!

عِندها تمنَيتُ لو تُمطِرُ السَماءَ لِتُخفيَ دموعي التي إنهمرت لِأنها عليهِ غالية.. إنهمرت بِلا توقُفٍ كدموعِ طِفلةٍ... قد أُخِذَت منها دُميَتها المُفضلة...

- ليسَ ذَنبُكَ أنَّ الحياةَ لا تُريدُ جمعنا.. و لا ألومَكَ لِأنَّ ليسَ باليدِ حيلة... و لو كانت هذهِ مَشيئَةُ اللّهِ فالقبولِ بغيرِ أمر الواقع لا يُثمِر و مِن دونِ فائِدة..

= لكنني أعلَمُ بِأننا لغيرِ بعضِنا لا ننتمي و هذا هو الواقع و الحقيقة...

- لِنَكتفي بِهذا القدر و ليَذهب كُلٍ مِنا في طريقه... فَلِكُلٍ مِنا حياة.. حياة تنتظِرُنا أن نحيا لِنصِل إليها... و لكِن فَلِتَعلَم أن ذِكراكَ ستبقى في القلبِ خالِدة..
فَهي جِزءٌ مِني... و سَتبقى في عَقلي في زاويةٍ ما مِن ذاكِرَتي حية...

= إذاً حانَ وقتُ الوداع... و لكِن فَلِتَعلَمِ أنكِ أنتِ مَن أحيا روحيَ الراقِدة و بذهابَكِ ستعودُ إلى سُباتها.. و ستبقى في عِدادِ الأمواتِ مفقودة...

- أرجوكَ لا تفقِد الأمل... سَتجِدُ مَن يُحييها و يُقدِمِ لها ما تَستَحِقُ مَن السعادة.. و الحياةُ تَستَمِر سواء تقدمنا أو تَوقفنا... و سَنلتَقي مُجدداً لكِن بطريقَةٍ مُختَلِفة... أنا أكرَهُ الوداع و أنتَ تَعلمُ ذلِك... لكِن هذهِ المرة سَأودِعَكَ... مع السلامة

= لكني سأوَدِعَكِ بِطريقتي الخاصة... و لِتَكُن نِهايَةَ قصتَنا هي أجمَلُ نِهاية...

‏لقد قَبّلَني وعانَقني وهمسَ بأُذُني "أُحِبَكِ" وذَهب... بقيتُ هُناكَ ثلاثينَ دَقيقة ‏لقد كُنتُ جالِسةً على رُكبَتيٌَ... حتى كِدتُ أُصابُ بالعمى لِأني كُنتُ أبكي بِحرقة..

‏وقفتُ و أستدرتُ لِأعودَ لمنزلي إذ به واقِفاً خلفي ويسمعُ أنيني وعيناهُ في الدموعِ غارِقة عِندها تذكرتُ أنه لن يَذهب حتى يراني أصلُ لمنزلي بأمان.. وأنام بأبتسامتي العريضة.. ‏كيفَ أُخبِرَهُ أنهُ مَنزلي وأماني ومَصدَرُ سعادتي!... الذي سيختفي مِن حياتي البائسة...

أستجمعتُ شجاعتي وتركتهُ خلفي... رُغمَ أني كنتُ أتمنى أن يتوقفَ الزمن وأنا هناكَ واقفة ‏ذهبتُ في طريقي وذهبَ في طريقهُ.. وهكذا كانت النِهايةَ... حزينة..


°°°°*

الفُراق.. هذهِ إحدى الكلِمات التي تَصِفُ قسوةَ العالَم..
لَهُ أنواعٌ عِدة.. هُنا فُراق مَن نُحبهم و نحنُ على
قيدِ الحياة!.. أن يُجبِرنا القدر أن نرى مَن نُحبهم
مِن بعيد دونَ المقدِرة على أن نكون معهم و لا حتى لمسهم..

العالَم خِلال كَلِماتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن