"سحابَةُ يأسٍ"

44 4 75
                                    

جَلستا سوياً على تِلكَ الأريكةِ الزرقاء.. تتبادلنَ أطرافَ الحديث.. كانَت إحداهما مُكفهِرة الوجه عابِسة تحتَ عينيها حدائِقٌ سوداء، تتنَهد لِأخذِ نَفسٍ بينَ كُلِّ ثانيةٍ و أُخرى.. إعتصرَ قلبُ صديقتها ألماً لرؤية رفيقةَ عُمرِها بهذهِ الحال المُزرية هي لا تقوى حتى على الأبتسام!...

= ماذا دهاكِ؟ ألا تودينَ إخباري بِماذا يحصلُ معكِ! أنتِ تبدينَ كالجُثة! قد شحِب لونكِ و مالَ للصفار، عيناكِ تحكيان سهرَكِ و قد إختفى بريقها!.. شفتاكِ ذبلتا و تشققتا كالأرض عندما يجتاحها الجفاف!..لم أعهدكِ هكذا!..

أطلَقت المَعنية تنهيدةً عميقة و كأنها تقاوم للعيش...

_ صَدقتي.. لقد أصبحتُ جُثةً لن تعودَ للحياة.. ففي اليوم الذي ماتَ بهِ داخلي كانَ عليكِ معرفة إنني أصبحتُ في عدادِ الموتى، فالتشقق ليس بشفتَي وحدهما.. بل داخلي بأكمله يملَأهُ الجفاف.. و لن يستطيعَ ماءُ العالم أجمعه أن يُعيدَهُ مُزهِراً كما كان..

=كفاكِ قولاً لِهذهِ الكلِمات!!.. فروحكِ ستحيا و تعودُ للرقصِ على نغماتِ الكمان، ستعودينَ للغناءِ بصوتُكِ الشجي و أنتِ تضحكينَ كما عهدتُكِ.. ترياقَ أملٍ لهذهِ الحياة!...

_إذهبي و نامي فأنا غَرقتُ في دوامَةِ أحزاني و بِركَةُ وحلٍ عميقَةٌ داخلي.. و ها أنا أُعلِنُ أستسلامي..

=لا داعٍ للأستسلامِ في هذا الوقت المُتأخِر من الليلِ... فـجميع القرارت التي يتِمُ إتخاذها في اوقاتِ الحُزن هي من لحظاتِ ضعفٍ عابرةٍ..حاولي تجنب الأقدام على شيءٍ في وسط أكتآبكِ لـ ألا تشعُري بالندم عليهِ عندما تستعيدي وعيكِ..

_لقد ولّتْ الأيام الخوالي و لم تَعُد الكلِمات اليوم تُأثِرُ بداخلي المُتداعي.. فقلبي أصبحَ مُمتلِئٌ بأنواعِ الأحزانِ و تراكُماتٌ تكدّسَت حوله و منعت الهواءَ من الوصولِ لداخلي..

=هل تقولين أنكِ ستبقين تنظرين للجانب المظلم ولن تتمسكِ بالنجاداتِ حولكِ!!! كما خُلِقَت الاحزان.. خُلِقَت الافراح.. و لا معنى للحياة بوجود أحداها دون الأخر.. وكما خُلِقَ الليلُ بِعَتمَتهِ... خُلِقَت الشمس لِـتَصنع النهار من ضيائها.. ولا معنى للبصر بوجود أحداها دون الأخر...

_ همم...

=أنا أضعُ الخياراتَ أمامكِ.. والأختيارُ عائِدٌ لكِ..
فالتتمسكِ بأقرب الحبالِ لتُنقِذَكِ من الغرقِ.. فالأمَل لازال مَوجود والحَياةُ في الجانِب الأخر تنتظِرُكِ... فأكثر اللحظات ظلاماً تلك التي تَسبِقُ شُروقَ الشَمسِ.. أنا أثقُ بكِ أكثرُ من نفسي.. فأنتي سوف تُنقذين روحي بأنقاذَ نفسكِ...

_ و هل أنا حبلُ نجاتكِ؟..

=وهل من غيركِ!!....ارجوكِ.. فأنتِ أيضاً أمَلي بالبقاء.. أمَلي الذي لازلتُ مُتَـمسكةً بهِ بأحكام...أخافُ أن يُفلِتَ مِن يديَّ بيومٍ مِن الأيامِ.. فَلم تبقى روحاً معي غير روحكِ... روحيَ الوحيدة لن تترُكَ نضارة* عينيها لأنها لاتُريدُ أن تفقد بصرها.. أنتي الوحيدة التي جَعلتني أرى العالم من جانبٍ مختلفٍ تماماً عمَّ رأيتهُ في سابِقِ أيامي.. أرجوكِ فالتقاومي أكثر.. ولا تَنسيَ أنني دائماً بجانبكِ لمساندَتُكِ يا توأم روحي..

_لا تقلقي لَنْ أختفي...

=لكني أرى روحكِ تختفي في الظلام..

_ هي فِعلاً إختفَت و أُحاوِلُ سحبها و لا تُسحب...

=المحاولة الأولى دائماً مؤلمة ولا تُصيب.. لذا لا بأس بالمحاولة مراتٍ أخرى..

_ أنا لا أعِدُكِ!.. فقد تستيقظينَ يوماً على خبرِ مماتي..

°°°°°°*
اليأس... ثالثُ كَلِمَةٍ تُمثِلُ قسوةَ العالَم... شعورٌ
إن أستولى على جسدِ الإنسان أهلكَه، إمتصَ كُلًَ
قطراتِ الأمَل و أستولى هو على الروح...شعور اشبه بأنَّ الروح قد تخلت عن الحياة لكنَ الجسدَ لازالَ حياً فيها...

*نضارة... هذهِ الكلمة قصدنا بها "نظارات" لكننا تعمدنا كِتابتها بهذا الشكل لشيءٍ في نَفسِنا...

العالَم خِلال كَلِماتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن