الفصل السادس

11 2 0
                                    

فقال له الرجل بتعجب: أنا مغاوري غفير التُرب دي يا بيه، مين سيادتك؟ فقال رامي: أنا واحد كنت جاي أدفن هنا، قال مغاوري بتعجب أكبر: تدفن إيه دلوقتي يا بيه؟ الشمس غابت و الناس مشيت من بدري، هو حضرتك من الناس اللي كانوا جايين هنا العصر؟ فهز رامي رأسه: أيوة يا عم مغاوري، من فضلك ممكن تنور لي الطريق عشان أمشي؟ فقال له مغاوري: طبعاً يا بيه إتفضل ورايا و سار رامي خلفه ليسمع أصوات خطوات في أماكن مختلفة و أصوات همهمه جافه و منخفضه و كان يلتفت من حوله محاولاً إقناع نفسه إنها مجرد هلاوس سمعيه فقط فهو ليس من محبي القدوم إلى المقابر خاصةً في الليل، و وصل إلى سيارته و شكر عم مغاوري و أعطاه مبلغ في يده ليبتسم له مغاوري شاكراً سعيداً و قال: خلي بالك من نفسك يا سعاده البيه ربنا يحفظك يا رب، وبادله رامي الإبتسام و قاد سيارته و غادر المكان تاركاً خلفه عم مغاوري يودعه بنظره إلى أن غاب.و ذهب رامي ليحضر عزاء الراحل أستاذ محرم ليجد كل الناس موجودين و حاضرين حتى مدام إيفون المرهفة الحس كانت حاضرة في عزاء السيدات و تبكي معهم، و ما أن رآه عماد حتى أسرع بهدوء و إقترب منه ليهمس له: كنت فين يا باشمهندس العزاء بدأ من بدري ليرد رامي بصوت منخفض: أنا آسف إنشغلت و ما خدتش بالي من الوقت، ليخبره عماد: إيه اللي يشغلك عن حضور مديرك بس؟ فنظر له رامي متضايقاً من العتاب: بعدين يا عماد بعدين مش وقته دلوقتي. و ما أن إنتهى العزاء حتى رحل رامي في سيارته إلى المنزل و عندما وصل إلى منزله و دخل، أضاء النور و رمى المفاتيح على الطاولة و رمى بنفسه على الأريكه المفضلة لديه ليشعر ببعض الراحه و شرع يخلع حذائه ليسمع أصوات خطوات في المنزل و أصوات أنفاس غير واضحه و أصوات مكتومة. أجبر نفسه على القيام فوراً ليبحث عن مصدر هذا الصوت إلى أن دخل غرفة نومه و هنا بدأت الأصوات تتضح و تخف أصوات خطوات و تعلو أصوات الأنفاس. فدار حوله في الغرفة إلى أن وقعت عينه على خيال غريب مخيف على الحائط.إلتفت رامي حوله محاولاً إيجاد مصدر هذا الظل ولكنه تفاجأ بتحرك هذا الظل من حائط إلى حائط أمامه و بدأ يسمع أصوات الأنفاس تلتها صوت سعال جاف بدا منخفضاً مكتوماً حتى تحرك الظل إلى المرآة الكبيرة في دولاب رامي الذي بات صوت قلبه يعلو شيئاً فشئياً و هو ينظر إلى المرآة بخوف فهو يرى نفسه في المرآة و لكن الخيال كان يتحرك وحده دون أن يعكس حركات أو وقفة رامي، حاول رامي فرك عينيه ليقنع نفسه إنه ربما كان يحلم أو شيء من هذا القبيل، و عندما فتح عينيه نظر إلى إنعكاسه و كان بشكل ما طبيعي و إقترب رامي من المرآة فإقترب الخيال معه و كلما إقترب رامي كان يظهر الإنعكاس بشكل غير مألوف لرامي فالرؤية في الجانب الآخر باهته رماديه و نظر رامي لخياله مدققاً ليجد أن عينيه سوداء بأكملها و كأنهما ثغرين كبيرين في وجهه و كأن شعره أشعث و غير مرتب و فجأة إبتسم الخيال إبتسامه كبيرة و إلتوت شفتاه بشكل مخيف كاشفاً عن أسنانه الكبيرة التي بدت صفراء و رماديه فخاف رامي و رجع بضع خطوات إلى الوراء و كاد يتعثر ليضحك عليه خياله عليه بصوت مزعج جاف و تكلم الخيال بصوت جاف حاد: أهلاً يا رامي، ليسأله رامي بخوف: إنت مين؟ إيه اللي بيحصل هنا ده؟ رد الخيال: معقول يا رامي مش عارفني؟ أنا إنت يا رامي ... إيه مش باين عليا إني شبهك؟ و ضحك بصوت عالي مزعج أخاف رامي ليقول له بصوت مرتعد: إنت أنا إزاي؟ إنت جن؟ عفريت؟ شيطان يعني؟ رد الخيال بإقتضاب: قلت لك أنا إنت يا رامي أنا ما بحبش أقول الكلمة مرتين، فسأله رامي وقد بدا عليه الخوف و بدأ يرتعد: أيوة يعني إنت عايز مني إيه؟ فإبتسم الخيال بشده وقال: قرب مني و أنا هقولك، ما تخافش تعالى قرب هنا، و لم يجد رامي مفر غير الإقتراب فهو يشعر بأنه منجذب لا إرادياً للمرآة أمامه و عيون خياله تنظر له بكل برود تكاد تخترق روحه و تلك الإبتسامه الملتوية العنيفة على فمه تبث الرعب في أي شكل ينظر إليه و ما كاد أن يقترب رامي من المرآة حتى أخرج الخيال يديه من المرآة و مد ذراعيه بسرعه ليمسك أذرع رامي بقوة الذي تفاجأ مما حدث و كان يحاول التملص و الهرب، و لكن كانت أيدي الخيال قوية و هو ممسك به بشده بأصابعه البارده التي بدأت تبث إحساس البرد إلى أذرع رامي و أخذ الخيال يجذب رامي إلى داخل المرآة بعد أن أحس بضعفه و قلة مقاومته لدرجه أنه سحبه بقوة أسقطته على الأرض و قد إرتطمت رأس رامي مع السقطة فأغشى عليه لبضع دقائق كانت كافية للخيال أن يخرج من المرآة لأرض الواقع. خرج خيال رامي من المرآة و أستقام في وقفته و أخذ يفرد ذراعيه بزهو ثم قال بصوت الجاف: أخيراً حلمي اللي طول الوقت بحلم بيه بيتحقق و رمق رامي الملقى على الجانب الآخر من المرآة بنظرة سريعه و غادر و على وجهه إبتسامه سخرية.و على الجانب الآخر أفاق رامي من غيبوبته و هو ممسك برأسه متألماً و نظر حوله ليجد نفسه في عالم آخر باهت يغلبه اللون الرمادي و ينتشر الضباب هنا و هناك و قد كان الجو بارداً لدرجه جعلت أطراف رامي ترتعش و يرتعد قلبه و هو يفكر بصوت مسموع: حصل إيه؟ إيه المكان ده؟ و تذكر أنه رأى ما يشبه خياله في المرآة و هو من أمسك به و جذبه للداخل لهذا العالم الموحش البارد شبه المظلم، وقام بصعوبه ليرى من خلال النافذه غرفته في العالم الآخر و هي مظلمه و حاول أن يستوعب إن ما كان هذا كله كابوس طويل أم حقيقه؟ حتى سمع أصوات من خلفه و لمح ما يشبه الظل يتحرك بسرعه من خلفه و أستدار بسرعه ليواجه شخصاً نحيف يبدو عليه الشحوب و سأله رامي: إنت مين؟ لكن هذا الشخص لم يرد و أخذ يتفحص رامي بريبة و حذر، فكرر رامي عليه السؤال و لكن الشخص لم يرد و لكنه إقترب من رامي الذي رجع بدوره للخلف ليلتصق بزجاج المرآة التي كانت بدورها بارده جداً.قال الشخص بصوت واهن: إنت مين يا أستاذ؟ فأجابه رامي و ما زالت أطرافه تررتعد من بروده المكان و زجاج المرآة: أنا رامي إنت اللي مين و إحنا فين هنا؟ أجاب الشخص: واضح إنك طيب و مش من هنا، إنت جيت هنا إزاي؟ أخبره رامي بما حدث و الشخص يستمع إليه محاولاً تصديقه ثم قال له: لو اللي بتقوله ده صحيح يبقى راميس نجح في اللي كان بيخطط له طول الوقت، و لكن رامي قاطعه قائلاً: راميس؟ راميس مين؟ أنا إسمي رامي و عياز أمشي من هنا، إقترب منه الشخص و وضع يده على كتف رامي محاولاً تهدأته قائلاً: أنا عارف إنك رامي لكن اللي بكلمك عنه إسمه راميس و هو من الناس الوحشة اللي عايشة هنا في عالمنا ده، سأله رامي ببعض الخوف: ناس مين و عالم إيه؟ أنا مش فاهم حاجة خالص، هز الشخص رأسه بهدوء و قال له: إهدى يا رامي أنا إسمي علاء و إحنا هنا في عالم الناس اللي في الواقع ممكن ما يكونوش مصدقينه لأنه صعب تصديق وجود عالم زي ده فيه كل الأحلام الضايعه و الأماني المتأخره، هنا إنت ممكن تقابل أرواح ناس عزيزة عليك و هنا برضه هتلاقي قَرَائِنُ ناس تعرفها و جايز تكون شوفتهم صدفه و إنت ماشي.كان رامي يستمع إلى كلام علاء و هو ينظر له على إنه مخبول غير مصدقاً لما يقول إلى أن نفذ صبره و قاطع علاء قائلاً: إيه التخريف اللي إنت بتقوله ده؟ إنت أكيد شارب حاجة أو مختل عقلياً، كلامك ده غير منطقي و أنا ما عنديش وقت أضيعه معاك أنا لازم أشوف طريقة أخرج من هنا بسرعه و فوراً قبل ما تحصل أي مشاكل، و تركه رامي و سار بعيداً عنه بينما علاء ينظر له بصمت ويهز رأسه و هو يرحل بعيداً، سار رامي و سار و سار حتى توقف و إلتفت حوله باحثاً عن مخرج أو أي شخص ليرشده للخروج من هنا و لكن كيف؟ إن رامي ما زال غير مستوعب أنه في عالم آخر و قال لنفسه: أكيد ده مجرد كابوس لكن كابوس طويل و ممل، أنا لازم أحاول أصحي نفسي، و قام بقرص نفسه فأحس بألم خفيف لكنه ما زال هناك ففكر لعل القرصة مفعولها ضعيف فقام بلطم نفسه على وجهه و قام بعدها بدهس قدمه اليسرى باليمنى حتى توقف متألماً يفكر: ده الموضوع طلع بجد و المكان حقيقي و أنا مش بحلم طيب إزاي؟ أنا هتجنن.

المرآة الغامضةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن