"كان لديه الحس السليم في عدم انتظار الجواب الفوري، إذ كان يكفيه ألاّ يُعاد الخطاب إليه"
-غابريال غارسيا ماركيز-
**
جلس جونغكوك في مكتبه يقلب بين أوراق عمله بلا تركيز أو هدف.. ذهنه المشتت لم ينفك عن التفكير بما حدث في هذا الصباح.
جيمين لم يكن أبكماً وحسب، بل هو أيضاً مريض نفسي يعاني من الرهاب الاجتماعي.. ثقل هذه المعلومة الصادمة جعلت مشاعره في حالة من الفوضى العاصفة التي هزت كيانه حتى النخاع.. حقيقة معرفته بمرض الصبي الأشقر كان مثل قذيفة تم تفجيرها في وجهه مرة واحدة وبلا سابق إنذار.
الانزعاج والارتباك اللذان استقرا في أعماق أحشائه كانا يُشعرانه بالغضب من نفسه أكثر وأكثر دون أن يستطيع حتى فهم سبب ذلك، وكل محاولاته الحثيثة في إيجاد مبرر منطقي لم تنم إلاً عن خلاصة واحدة.. هو ليس وغداً بالكامل لذا بالطبع سوف يشعر بالتعاطف مع شخص لديه إعاقة خاصة ويعاني من اضطرابات نفسية.. هذا كل شيء صحيح؟ هو فقط يشعر بالشفقة على الصبي ذو الشعر الأشقر.
الأمر الذي كان يزيد من استيائه هو أنه قد حصل على هذه المعلومة بنفسه وبشكلٍ مباشر دون حتى أن يكون مضطراً لرؤية جيمين أو مواجهته.. صمته الدائم مع جونغكوك لم يكن تجاهلاً متعمداً منه.. الصفعة التي وجهها له لم تكن بسبب خطأ ارتكبه بحقه -حسناً ربما يكون قد تمادى بشبح تلك القبلة- لكنها ليست بأمر يستحق عليها الصفع، فهذا كان تصرف عفوي وربما عادي حتى حين يراقص شخص ما، ناهيك عن أن القبلة بالكاد كانت موجودة، ولم يسبق لأحد من قبل أن اعترض على ذلك، لكنه عرف الآن بأن الأمر كان مختلفاً مع جيمين.. هو لم يستطع الرفض بسبب حالته.. تلك العينين الفزعتين، والأنفاس الثقيلة، والجسد المرتجف كانوا بسبب رهابه.
بشكلٍ غريب وربما حتى ملتوي، لكن تلك الفكرة جعلت جونغكوك يشعر بالراحة.. حقيقة أن جيمين لم يكن يصده ويتجاهله ويتعامل معه بتلك الطريقة الوقحة طوال زياراته السابقة الى المكتبة لأنه يرفضه أو ربما حتى يكرهه.
دون تفكيرٍ ثان وجد نفسه ينظر الى شاشة الحاسوب المحمول على سطح مكتبه وينقر على لوحة المفاتيح للبحث بين مواقع الانترنت عن الرهاب الاجتماعي.. كان يقرأ متتبعاً المقالات والأبحاث الطبية النفسية حول كل ما يتعلق بهذا الاضطراب ومسبباته وأعراضه وطرق علاجه.
أمضى ساعة تلو الأخرى وعيناه مثبتتان على الشاشة أمامه دون أن تتزحزحا ولو لثانية واحدة بينما عقله يحاول التهام أكبر قدر من المعلومات المعروضة له.. كان يريد أن يعرف كل شيء.. يريد أن يفهم حالة الصبي الأشقر بالكامل، لكن كل ما قرأه كان يُشعره بالتشتت بشكل أكبر.
أنت تقرأ
ليالي الخريف
Fanficتجول جيمين بعينيه في أرجاء النادي ومشاعر الحزن قد بدأت بنشر جذورها في قلبه.. كان ينظر الى الناس من حوله آخذاً مشهد من يتحدث ومن يضحك، من يغني ومن يرقص بكل سعادة وابتهاج ليتساءل في نفسه ما سيكون شعوره لو كان حراً مثلهم، لو كانت نشأته مختلفة، لو لم يك...