"الكتاب الكلاسيكي هو كتاب لا ينتهي أبداَ من البوح عما بداخله"
-إيطالو كالفينو-
**
تراقصت الأجراس الصغيرة المعلقة على الباب لتصدح بإيقاع لحني عذب يعلن عن دخول شخص جديد إلى المكتبة.. أدار الصبي ذو الشعر الأشقر رأسه ليقدم انحناءة صغيرة فور أن وقعت عيناه على الزبون الذي بادله الإيماءة بابتسامة ناعمة على شفتيه وهو يتجه مباشرة للمشي بين خزائن الكتب الخشبية ونظراته تحوم حول رفوفها باحثاً باهتمام عن كتاب ما.
علقت عينيّ الصبي الأشقر لثانية أطول على الشاب المنهمك بتفحص الكتب.. كان يرتدي اليوم بنطال جينز أسود مع قميصٍ قطني يماثله اللون بياقة عالية أخفت رقبته ومعطفه البني الداكن الطويل وصل الى ركبتيه.. شعره الأسود مصففاً بعناية ليُظهر ملامح وجهه بعينيه الكبيرتين المستديرتين وشفتيه الرقيقتين.. كان وسيماً، أنيقاً وبهالة واثقة قوية، جعلت الصبي الأشقر يزيح عينيه القلقتين عنه ويفرك يديه المتعرقتين معاً قبل أن يحاول تشتيت نفسه بعمله.
هذا الصباح الخريفي جاء محملاً بنسيم بارد زاد من القشعريرة المنتشرة بالفعل على جلد الصبي الأشقر، لذا أحكم اغلاق سترته الصوفية الزرقاء بينما يتجه إلى ركن القهوة الصغير بجانب منضدة المحاسبة لصنع كوباً من الشكولاتة الساخنة كي يدفئ به جسده الرقيق.
كانت مكتبته الصغيرة بتصميم داخلي جميل يعطي الإيحاء لمن يتواجد بها وكأنه يتجول في بيت آمنٍ دافئ وحميمي.. رائحة الكتب القديمة تحمل معها عبق الحكايا والروايات.. تحمل قصص التاريخ والحضارات.. تحمل أخبار أولئك من غاصوا في اكتشاف أغوار النفس البشرية وعادوا محملين بالأجوبة والأسرار.. تحمل مشاعر العشاق ممن عاشوا قصص حب خالدة نقشت نفسها بين سطور الصفحات.
إضاءتها الناعمة تنساب من بين جدرانها لتملأ المكان بإحساس الهدوء والصفاء.. الطاولات الخشبية المستديرة بمقاعدها الكتانية المريحة والمصفوفة بجانب الجدار الزجاجي للمكتبة توفر للقارئ لحظات سكينة يعيشها بين العالم المحمول في يديه وبين العالم الخارجي حيث أوراق الشجر الخريفية تفترش الأرض بألوانها الدافئة لتعطي المشهد أمامه جمالية حالمة.
"عذراً،" ظهر صوت الشاب فجأة ليستدير الصبي الأشقر بجسده نحوه مترقباً دون أن يلتقي بعينيه. "أنا أبحث عن طبعة قديمة من رواية الجريمة والعقاب لفيودور دوستويفسكي. هلّا ساعدتني في ايجادها من فضلك؟".
أومأ الصبي الأشقر برأسه ببطء بينما يتجه مباشرة إلى قسم الروايات العالمية.. استعان بالسلم الصغير المتواجد هناك كي يصعد عليه ويستخرج الكتاب بكل سهولة من أحد الرفوف العلوية.
أنت تقرأ
ليالي الخريف
Fiksi Penggemarتجول جيمين بعينيه في أرجاء النادي ومشاعر الحزن قد بدأت بنشر جذورها في قلبه.. كان ينظر الى الناس من حوله آخذاً مشهد من يتحدث ومن يضحك، من يغني ومن يرقص بكل سعادة وابتهاج ليتساءل في نفسه ما سيكون شعوره لو كان حراً مثلهم، لو كانت نشأته مختلفة، لو لم يك...