الفصل السادس
توقف بها الزمن لعدة لحظات لتحاول وقتها إستيعاب ما قاله، ما الذي يعنيه بوجود شخص ما معه بالمكان يريد قتله!؟...ماذا تعني كلماته المبهمة تلك!؟...و فجأة إنتفضت علي صوت همسه الضعيف ب:
-أنا إتصلت بيكي عشان أودعك.
تلاحقت أنفاسها برعبٍ فصرخت وقتها بخوفٍ و عبراتها تتراقص بعينيها، أما "فضل" فقد كان يركض ناحية غرفتها ما إن إستمع لصوت صراخها، بينما "عواطف" تتابع التلفاز بعدم إكتراث لأي شئ أخر:
-"مختار" متهزرش معايا، ناس مين اللي عايزين يقتلوك!؟
تجاهل "مختار" كلماتها ليهتف بنبرته التي سيطر عليها الذعر:
-إنتِ كنتي أحسن إنسانة عرفتها في حياتي.
كادت أن ترد عليه صارخة من فرط الذعر و لكنها توقفت فجأة عن الحديث ما إن إستمعت لصوت تلك الطلقات النارية ليختفي وقتها صوت "مختار"، فلم تشعر هي وقتها بأي شئ، حتي والدها الذي كان يهزها عدة مرات ليتسائل عن ما حدث لم تشعر به، هي فقط تنظر أمامها بشرودٍ و قد ظنت لعدة لحظات إن ذلك ما هو إلا كابوس ستخرج منه بأي لحظة، و لكن لا....كل شئ ينفي أفكارها تلك، هبطت عبراتها لتلهب وجنتيها ثم سقطت علي الأرضية الباردة عندما لم تستطع قدماها حملها، ثم وضعت كلا كفيها علي الأرض قبل أن تصرخ بنبرة هزت أرجاء المكان لتفقد الوعي بعدها:
-"مختـــار".
*************************
-يعني إية يعني!؟....هو عشان البيه بتاعها مات هتفضل هي قاعدالنا فيها!؟
قالتها "عواطف" بنزقٍ و هي تتخصر بغيظٍ فرد وقتها "فضل" بتوترٍ:
-وطي صوتك طب البت هتسمعك و هي مش ناقصة.
رفعت حاجبها الأيسر بغلٍ، ثم صرخت بحقدٍ و هي تقترب منه بعدة خطوات:
-طب إية رأيك بقي إنه يا أنا يا بنتك في البيت دة؟
إزدرد ريقه بوجلٍ قبل أن يهمس بنبرته المرتبكة:
-يعني إية!؟
*******************
كانت تبكي بهستيرية كعادتها، مر أسبوع و هي مازالت في كابوس خبر موته، حاولت فهم ما حدث و لكنها لم تأخذ سوي رد صديقه المقرب الذي قال إن "مختار" كان مهتم خلال تلك الفترة بأخبار الكثير من تجار السلاح و كاد أن يكشف عملهم المشين ذلك و لكنه لم يستطع بسبب قتلهم له، تشعر و كأنها في مسرحية درامية حزينة ستنتهي بوقتٍ ما بالتأكيد، و لكن كيف!؟...أهل مرت عليك تلك اللحظة من قبل؟...عندما تتسمر بمكانك فجأة لتكن غير قادر علي إكمال حياتك؟...من فرط الصدمات التي تعرضت لها ترفض إكمال أي شئ!...هي مرت بتلك الأشياء المؤلمة التي لا يتجاوزها المرء بسهولة!...نعم فقدان شخص عزيز علي قلبك ليس بالشئ الهين، و كأن تلك هي إحدي الندبات التي ستظل بقلبك لتتذكرها بكل يوم و ربما بكل ساعة ، و ربما بكل دقيقة!
قبضت علي هاتفها من علي الكومود لتفتحه مجددًا علي صورته تلك فأخذت تتأملها هكذا لعدة دقائق قبل أن تهمس بنبرتها المبحوحة:
-مش هتيجي نخرج سوا و نشرب عصير المانجا اللي إنتَ بتحبه؟
لعقت شفتيها قبل أن تهمس بنبرة شبه مسموعة:
-أنا وحشني صوتك أوي يا "مختار".
إبتسمت من بين دموعها الي تتهاوي علي وجنتيها بلا توقف لتهتف بلومٍ و هي تنظر لصورته بعتابٍ:
-كدة بردو تسيبني لوحدي، ما إنتَ عارف اللي إسمها "عواطف" دي بتكرهني إزاي.
جففت عبراتها قبل أن تهمس بتساؤلٍ و كأنها تنتظر إجابة:
-مش إنتَ وعدتني هتخرجني من البيت دة عشان أعيش سعيدة معاك؟
إرتسم علي ثغرها تلك الإبتسامة المريرة و هي تحتضن الهاتف بعدما قبلت صورته، ثم همست و هي تجز علي أسنانها بألمٍ:
-آآه لو تعرف أنا مش عارفة أعيش من غيرك إزاي.
و فجأة وجدت والدها يدلف للغرفة و علي وجهه تعابير الوجوم فلم تفهم هي سبب تعابير وجهه العجيبة تلك!
تجاهلت الأمر بعض الشئ ثم همست بنبرتها الضعيفة:
-شوفت يا بابا "مختار" حصله إية.
و فجأة تسمرت بمكانها و لم تتحرك قيد أنملة عندما إستمعته يهتف بنبرة مرتعشة:
-لمي هدومك يا بنتي و إمشي من هنا.
كانت تتوقع ذلك الشئ و لكنها ظنت إن والدها سينتظر عدة شهور أخري، أومأت له عدة مرات لتنهض من علي الفراش بخطواتها البطيئة، ثم إتجهت لخزانتها لتأخذ ملابسها بتلك الحقيبة الكبيرة، و قبل أن تأخذها لتغادر المكان نظرت له لتلومه علي ما فعله بها طوال حياتها، ثم همست بإنهيارٍ:
-عمري ما هنسي إنك مكنتش أب بجد ليا، ولا حتي هسامحك.
(عودة للوقت الحالي)
-حاجة صعبة إن الخذلان يجيلك من أقرب الناس.
قالتها "رواء" بعدما إنتهت من قص ما حدث معها، بينما "همسة" تنظر لها بشفقة بائنة فتابعت هي بإبتسامتها الساخرة:
-إية صعبت عليكي؟
أطرقت "همسة" رأسها بحرجٍ قبل أن تهتف بإستفهامٍ:
-و جيتي هنا إزاي؟
ردت "رواء" و هي تهب واقفة لتتجه ناحية الشرفة:
-عن طريق "هيثم" بيه، قابلته بعد ما إترميت في الشارع بتلات أيام و بعدها خدني هنا.
تابعتها "همسة" حتي توارت عن أنظارها لتهمس وقتها بنبرة شبه خافتة:
-إمتي همشي من هنا بقي.
و فجأة مر ببالها هاتف تلك الفتاة، لذا جحظت عيناها لتهب واقفة كمن لدغه عقرب، نعم هي الوحيدة بالبيت التي تملك ذلك الهاتف، نعم تلك الفتاة التي إستمعت "سلسبيل" تنادي بإسمها من قبل، نعم تدعي "ميلينا"، لذا خرجت من الغرفة سريعًا لتذهب لشرفة البيت بعدما رأتها من خلف الزجاج الشفاف، كادت أن تطلب هاتفها سريعًا و لكنها تراجعت عندما توقعت رفضها، لذا جلست علي ذلك الكرسي بجانبها و هي تتابعها بعينيها و لكن "ميلينا" لم تلاحظ وجودها من الأساس بسبب إهتمامها الشديد بهاتفها.
إشرأبت بعنقها قليلًا لتري ما الذي تفعله لتجدها تقرأ شئ ما فتفحصته هي بعينيها سريعًا لتجدها رواية ما و لكنها لم تدقق النظر كثيرًا لقراءة المكتوب، و فجأة وجدت "ميلينا" تهتف بتساؤلٍ و هي مازالت تنظر في هاتفها:
-إنتِ كتبتي الرواية دي إمتي؟
إزدردت "همسة" ريقها بتوترٍ قبل أن تهمس بصدمة لم تستطع إخفاءها:
-إنتِ عارفة إني بكتب!؟
أومأت لها "ميلينا" و هي تضع هاتفها علي تلك الطاولة لتلتقط كوب الشاي الدافئ لترتشف منه عدة رشفات قبل أن تهتف بنبرة غامضة:
-قرأت كل رواياتك.
لعقت "همسة" شفتيها قبل أن تهمس بفضولٍ:
-و عجبوكي؟
هتفت وقتها "ميلينا" بلا خجل و هي تنظر ل "همسة" بعنجهية:
-السرد بتاعك ضعيف جدًا كأنك عمرك ما قريتي أبدًا قبل كدة!
ثم تابعت بأسفٍ مصطنعٍ و هي تتابع تعابير وجه "همسة" التي أصابها العبوس ببرودٍ:
-متزعليش مني إنتِ كاتبة و لازم تتقبلي النقد.
تنهدت "همسة" قبل أن تجز علي أسنانها بضيقٍ لم تستطع التخلص منه بسبب رأي تلك الفتاة المتعجرفة بعض الشئ عن رواياتها، هي تتقبل جميع الأراء بالفعل و لكن ليس بذلك الأسلوب الفج الغير لبق، زفرت بتأففٍ قبل أن تهتف بإبتسامتها الخفيفة الزائفة لتحاول تجاهل ما قالته تلك الفتاة:
-سيبك من الكلام دة دلوقت، قوليلي بقي إنتِ إية جابك هنا؟
إبتسمت "ميلينا" بسخرية قبل أن تهتف بهدوء:
-هقولك و أهو تعمليها رواية من رواياتك.
تنهدت "همسة" بتعجبٍ و هي تتابع تلك الفتاة الغريبة و هي تنظر للأمام مباشرةً لتقص عليها كل ما حدث معها منذ ثلاث سنوات.
(عودة للوقت السابق)
-"رفعت" لازم تعرف إني ميهمنيش بابي خالص، أنا و إنتَ هنعيش سوا و هبقي سعداء أوي كمان.
قالتها "ميلينا" بإبتسامتها الرقيقة و هي تحيط وجهه بكفيها بحنوها المعهود فنفض هو كلا كفيها ليصيح بنبرته الحادة حتي تستفيق من أحلامها الوردية تلك علي كابوس الواقع:
-فوقي بقي يا "ميلينا"، إحنا مش في رواية من الروايات اللي بتقريها، فوقي البطل مش هيعيش مع البطلة زي ما إنتِ فاكرة.
جزت علي أسنانها بعنفٍ قبل أن تصيح بإهتياجٍ لم تستطع السيطرة عليه:
-و لية ميعيشوش سوا، أنا و إنتَ بنحب بعض و أكيد هنقدر نتحدي أي حاجة صعبة هتواجهنا!
وجدته يبتسم بتهكمٍ قبل أن يهتف بإستهزاء و هو يرمقها بسخريته المريرة:
-مش هينفع يا "ميلينا"، مش هينفع عشان الواقع المرير اللي عايشين فيه مش هيسمح، الدنيا مش هتسمح لواحد زيي يعيش معاكي، من إمتي الخادم بيتجوز الأميرة!؟
إقتربت منه لتجحظ عيناها بغضبها الجحيمي لتصرخ وقتها بإنفعالٍ و قد إحتقن وجهها بالدماء:
-إنتَ كدة بتهرب حتي من المحاولة.
هز رأسه نافيًا قبل أن يهتف بألمٍ و قد ترقرقت الدموع بعينيه:
-مش حقيقي، أنا حاولت كتير جدًا، لكن أبوكي "زاهي" بيه كان لا يمكن يسمح لبنته بإنها تتجوز السواق بتاعها، و عشان يعرف يضغط عليا صح خلي شوية كلاب يخبطوا إختي بعربية و حاليًا مرمية في المستشفى بين الحيا و الموت.
ثم تابع بنبرة مرتجفة و هو ينظر في عينيها مباشرةً ليجدها ترمقه بصدمة فهي لم تستطع إستيعاب ما قاله حتي الآن، كيف لوالدها أن يفعل شئ شنيع كهذا؟...كيف يهدم والدها فرحتها التي أخذت تخطط و تبني لها لعدة سنوات؟...و السؤال الأهم، الي أين ستذهب هي بعدما يتركها لتعد لتلك الحياة بمفردها كما كانت!؟:
-لازم تعرفي إني خدت قرار البعد دة غصب عني، و إنه مش سهل عليا بُعدك و فراقك زي ما إنتِ فاكرة، أنا من غيرك ولا حاجة يا "ميلينا".
إقترب منها قليلًا ليحيط وجهها بكلا كفيه قبل أن يقبل جبينها بقبلته الرقيقة التي كانت بمثابة قبلة الوداع، بينما هي عبراتها الحارة تتهاوي على وجنتيها لتلهبهما بلا رحمة، أما هو فإبتعد عنها ليهمس بأسي و عبراته تغمر وجنتيه مثلها:
-سامحيني يا "ميلينا".
تابعته و هي يتحرك ليخرج من البيت بأكمله فوضعت هي كفها الصغير علي فمها لتمنع صرخاتها العنيفة التي ستؤلم حنجرتها من الخروج، ثم أخذت تتفحص المكان بعسليتيها، و قد كانت تحاول إقناع نفسها بأن ما تمر به ليس سوي كابوس أحمق إحتل أحلامها الوردية لينغص عليها حياتها، بالتأكيد ستستفيق، بالتأكيد تلك ليست النهاية، مسكينة "ميلينا" كانت غارقة بعالم تلك الروايات التي تقرأها غافلة علي الواقع المرير الذي يصفع المرء من وقت لأخر عدة صفعات حتي يجعله يستفيق من أحلامه تلك، كانت تظن أن كل النهايات سعيدة، كانت تظن إن لا وجود للنهايات الحزينة و الغير متوقعة، و فجأة إنتبهت هي لصوت والدها بعدما خرج من أحدي الغرف هاتفًا بإنزعاجٍ:
-أوفر أوي "رفعت" دة!
بقلم/رولا هاني
.......................................................
أنت تقرأ
همسات حزينة
Misteri / Thrillerظلت تضرب صدره بكلا كفيها لعله يتراجع و لكنه ظل يتابع مقاومتها التي كانت بلا جدوي بتسلية، و فجأة إقترب منها ليقبل عنقها ببطئ مما جعل مقاومتها تزداد عنفًا لتحاول وقتها تحريك جسدها بتلك الصورة العصبية العشوائية، و فجأة أصاب جسدها الشلل من فرط الذعر الذ...