مقدّمة

128 16 42
                                    

السلام عليكم ورحمة ﷲ وبركاته

بسم ﷲ والحمد للّه وصلّى ﷲ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أكتب بتواضع قصّتي هذه الّتي سمّيتها '' نداء في الظلمات '' ، متوكّلا على ﷲ راجيا منه الأجر والثّواب.

وأعتذر  أعزّائي القراء عن كلّ خطأ يعترضكم ويفسد عليكم كما أرجو منكم تنبيهي إليه ومساعدتي على الإصلاح قد الإمكان عسى أن يجعل ﷲ ذلك في ميزان حسناتكم.

نبدأ إن شاء ﷲ..

****

كانت الجزيرة تبدو خلّابة عن بعد؛ فنور القمر قد أنار ما توسّطها من غابات ومن جبال كان أبرزها وأشدّها عظمة وشموخا جبل  وحيد القرن وقد سمّي بذلك لشكله الذي يشبه قرني وحيد القرن بحيث أنّ أحدهما أضخم من الآخر، ولهذا الجبل هيبته عند سكان الجزيرة، فكم رويت عنه وعمّن يعمره الأحاديث وكم إنتشرت حوله الإشاعات الغريبة والأساطير المشوّقة التي تنتشر في تلك المدينة الساحليّة كما ينتشر الوباء.
تلك المدينة التي تضيئها في الليل الأنوار المتنوّعة للطّرقات والمحلات والمنازل، والتي إتّخذ سكانها من السواحل أراض للسّكن بعيدا عن الغابات والجبال المخيفة.. فبدت المدينة في الليل للناظر عن بعد طوقا ذهبيّا نُثرت فيه بعشوائيّة قطع من الألماس المشعّ.

كان هوتارو جالسا على متن زورق صغير إبتعد كثيرا عن اليابسة، وكان يتأمّل الجزيرة منبهرا بمنظرها المُهيب، إذ قد بدت له كائنا  غامضا يخفي في داخله أسرارا لا يعلمها أحد. وبمجرّد أن خطرت على ذهنه لمحة من الحكايات الّتي سمعها عنها إقشعرّ كاملُ جسده. وكان الطّقس لطيفا مائلا إلى البرودة، والجوّ حوله هادئُ يعمّهُ السّكون إلا من رقرقة لطيفة للماء إثر رقص المجذاف الخشبيّ عليه.

لكنّ تأمّله لم يدم طويلا، إذ عكّرت مزاجه رائحة منكرة تفوح من السّمك الطازج الذي يصطاده صاحبه..

وسرعان ما عاد إليه التوتّر والإرتباك بعد أن زاولاه لبضع دقائق، فوضعه هذا ليس مريحا البتّة، هو لم يبتعد عن اليابسة بهذا القدر من قبل، بل إنّ هذه أوّل رحلة صيد يقوم بها في حياته، وخشب هذا الزّورق خشن ويابس يؤلمه الجلوس عليه، تتوسّطه بركة ماء مالح تقع مباشرة أمام قدميه، والرّمال منتشرة في أنحاءه، فما وقعت يد صديقنا في مكان إلا وتلطّخت بالحصى الرّطب المزعج

وفوق ذلك.. كيف يشعر بالراحة ورفيقه هذا يجلس وراءه، وكيف يقدر على الإستغراق في التّأملّ وسط هذا الصمت المربك الذي يقطعه بين الفينة والأخرى سؤال غريب من ذاك الرّفيق عن أحواله أو عن شعوره بالملل من عدمه.. أو ربما سأله إن كانت هذه النزهة تنال إعجابه أم لا..

وتذكّر أنّ صاحبه طلب منه طلبا غريبا غامضا بعث في قلبه ما بعث من القلق والإضطراب وعدم الإرتياح وودّ لو يستفسر عنه ليزيح هذا الغموض لكنّ الحياء حال دونه ودون ذلك.

'' هوتارو إذا أخبرتُك بالعودة فلا تعد.. ولا تسلّمني المجذاف مهما حصل.. لاتخف إن تصرّفتُ بغرابة أو غضبتُ علَيك.. المهمّ ألا تعود الى الجزيرة حتى الرّابعة صباحا.. ''

كان هذا ما طُلِب منه، فتساءل عما تخفيه تلك الكمات من غموض وما تُخبّئه له من متاعب، تساءل في نفسه '' قال '' لا تسلّمني المجذاف مهما حصل '' أيعني هذا أنّي سأستلم مهمّة التّجذيف؟ كيف هذا وأنا لم أجذّف من قبل؟ ثمّ '' لاتخف إن تصرّفت بغرابة أو غضبت عليك؟ '' و '' إذا أخبرتك بالعودة فلا تعد؟ '' أيأمرني بأمر وينهاني عنه في الآن ذاته؟ ماذا يعني ذلك كلّه؟ ''

إنّه ليشعر بالملل والضّيق والخنق، وقد ندم أشدّ النّدم على قبوله بهذه النّزهة الطويلة..

كان رأسه يدور لهذا وكانت نبضات قلبه ترتفع وأمّا ندمه على القبول بهذه النزهة الطويلة، فهو يزداد كل ما إزدادت مدّة جلوسه على هذا القارب! إنّه الآن فقط يريد العودة الى اليابسة بينما يبتعد عنها، وخجله المفرِط يمنعه من البوح ببنت شفة..

****

كفّ الماء عن الرّقرقة فجأة وقيل من وراءه
_هوتارو هلا واصلت التجذيف بدلا عني؟

إنتفض قلبه لسماع هذا إنتفاضة عنيفة ولكنه سرعان ماإلتفت إليه وقال بتلعثم قبل التفكير في أي شيء:
_ح.. حسنا..

نداء في الظلمات (مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن