هوتارو

50 7 34
                                    

السلام عليكم ورحمة ﷲ وبركاته

مدّ هوتارو  يديه لإستلام المجذافَين ليلاحظ يوشيرو أنّهما ترتعشان فيبتسم ويقول مازحا بلطف:
_ماذا؟ هل أنت خائف من التّجذيف؟

نفى هوتارو ذلك خجِلا وإستلم منه المجذافين محاولا أن يبدوَ أمامه طبيعيا ويوهمه أنّ ذلك السؤال لم يوقع أثرا في نفسه..

فهوتارو يعلم أنّ رفيقه جاهل بمعنى ما قاله وجاهل بما تخفيه كلمة '' خائف'' من معانيَ عميقة لايدركها إلا قلّة حول العالم أو ربّما لايدركها أحد إلا هو كما يظنُّ؛ هوتارو قد بلغ السّابعة عشر من العمر وقد فكّر في الخوف وبحث في جوانبه كثيرا حتّى إكتشف حقيقته، هو يعلم أنّ الخوف إنّما ينبع من الرّغبة، والمرء يخاف من عدم رغباته، أي أنّه إن أراد شخص ما شيئا ، ثم شكّ من إمكانيّة تحقيقه حينئذ يخاف. وقد ضرب هوتارو في ذلك مثل الحياة، فالحياة رغبة والناس تخاف عدمها وذلك فسّر به الخوف من الموت، كما ضرب مثلا لرغبة النّجاح والتي ينقضها الفشل فمن أجل ذلك يخاف النّاس من الفشل. ومن هذا إستنتج أنّه إذا وُجِدت رغبة، وُجِدَ خوفٌ.

وقد كان لهوتارو تجربة طويلة مع الخوف في حياته؛ كان قد عرف ثلاثة شبّانٍ يقاربونه في العمر، أوّلهم كان بدينا وثانيهم طويلا ونحيلا أمّا قائدهما فكان بين النحالة والبدانة وبين الطول والقصر، وكان هؤلاء الثلاثة قد تبنّوْا ذلك المعتقد الفاسد الّذي يُسمى ''  قانون الغاب'' ، إذ أنّ الشّهرة والنّفوذ والنّجاح والإحترام في نظرهم لايُكسبُ إلا بالقوّة، فعثوا إذا في الأرض فسادا ؛ يلقون على هذه كلاما قبيحا، وينهالون على هذا ضربا عنيفا ويغتصبون من ذاك طعاما لذيذا ومالا كثيرا.

وكان من عادتهم زيارة المعهد كلّ صباح ليذكّروا الطلاّب بوجودهم ولعلّهم يحصدون بعضا من الثّروات من مال وطعام وشراب يبدؤون به يومهم.

وكان هوتارو يهابهم ويخافهم خوفا شديدا؛ كان يخاف إذا مرّ بقربهم أن ينظروا إليه، فإذا فعلوا هرع يُخفض بصره ويسرع إلى دخول المعهد، ليلوم نفسه هناك لوما شديدا على ما أبدته من خوف، كما كان يخافهم أكثر حين يراهم وهم في صدد الإعتداء على أحدهم وقد بدا في وجوههم الغضب المصطنع، وبدا على الضّحيّة خوف مكتوم أو بارز،  فكان هوتارو يتوقّف متردّدا ينظر ثم مايلبث أن يهرع الى المعهد خوفا من أن يلاحظوه، ثم يلوم نفسه لوما عنيفا على عدم مساعدة ذلك المسكين وعلى ما أبدته من خوف وجبن.

حتّى حان عليه الدّور يوما فحلّ محلّ تلك الضّحايا. كاد قلبه أن ينخلع من مكانه من شدّة الخوف ولو كان ذا حاجة حينها لما قدر على إمساكها ولفُضِح أمره أمامهم، لكنّه نجا بفضل بضعة شجعان تدخّلوا وأنقذوه منهم.

وكان من أولاءك الشّجعان صديقة وصديق طفولته وقد وعداه منذ ذلك اليوم أن يرافقاه كلّ صباح إلى المعهد، وذلك مما سمعوا من تهديدات مخيفة ألقاها عليه أولاءك المتنمّرون.

نداء في الظلمات (مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن