_عزيزي يوشيرو..
لمّا سمع صديقنا صوت أمّه إتّسعت عيناه كمن رأى عالم الأشباح ومرّت على ذهنه في لمح البصر مقاطع القتال؛ لقطات الذّبح مصحوبة بالصوت الذي يصدره السكين عند تمزيق الرّقبة وصوت الخرخرة الذي تطلقه الضّحيّة عند ذبحها، ومشاهد البطون المطعونة والوجوه المُخترَقة بنصل السّيف، وصور الدّماء! الكثير من الدّماء في كلّ مكان وقد نزل عليها نور القمر فأبرز حمرتها القاتمة، وصوت قطرانها البطيئ من الجثث..كان يوشيرو قد تذكّر كل ذلك عند سماع وسوسة أمّه فتولّدت في قلبه رغبة جامحة في القتل!
بيد أنّه حاول إخماد النّار الملتهبة في صدره قائلا في نفسه '' حسنا كما تعلّمت، أوّلا خذ نفسا عميقا '' وأغمض عينيه فتنفّس بعمق إرتفع له صدره ثمّ أخرج الهواء من فمه بهدوء، كما جعل يطرد خواطر الشرّ الّتي تتدافع إلى عقله تدافعا.
لكنّ صوت أمّه أردف رقيقا عذبا '' مالذي تفعله هنا لما لست في الجزيرة؟ ''
ولازالت تلك الرّغبة في صدره تتصاعد لكنّه تجاهلها وفتح عينيه ينظر إلى الجزيرة وفكّر في نفسه '' هذه المسافة ليست كافية، عليّ أن أبتعد أكثر حتّى أضمن عدم عودتي قبل شروق الشّمس.'' ثم نظر لهوتارو فوجده مرتبكا، تكلّف بجهدٍ إبتسامة باهتة وقال بلطف كعادته:
_هوتارو هلاّ جذّفت بنا إلى الدّاخل قليلا؟ وأرني كامل قوّتك في التّجذيف.رأى هوتارو متردّدا فتأجّج غضب في قلبه وقد أصبح سريع الثّوران وبجهد جهيد كتم ذلك في صدره مع باقي المشاعر بينما قال هوتارو بعد وهلة :
_حسنا..
ثم جعل صديقه يجذّف بعزم وجعل القارب يتقدّم إلى أعماق البحر.وإزدادت الوسوسة حدّة إذ أردف صوت أمّه مؤنِّبا '' كيف تتجاهل أمّك يا يوشيرو ؟ ألا تشعر بالذّنب وأنت السّبب في موتها؟! ''
تجاهلها وحاول جاهدا تجنّب التّفكير فيما تقوله كما حاول جاهدا غضّ البصر عن رغبته في العودة والقتل، تلك التي ينبض لها قلبه بقوّة وتهيج لها مشاعره هيجانا متواصلا.
كما سخّر كامل تركيزه ليدفع عنه كلّ خاطر يهمّ بجذبه ليُغشيه في الظلمات، فتوغّل في صراعه مع نفسه وغاب عن العالم الخارجيّ، وبغتة وجد يده قد إمتدّت من تلقاء نفسها نحو المجذافين ووجد هوتارو ينظر إليه مبهوتا خائفا، ففزع وسحبها كمن لسعته النّيران الحارقة، ولكنّه سرعان ما رغب في مدّها نحو المجذاف مجددا ليستطرد فيثبّت كلتا يديه على طرفَي القارب ويرصّ على أسنانه مكمّشا وجهه محشرجا في نفسه '' توقّف!.. تذكّر أنّك قطعت عهدا لأبيك وأختك! ''
'' ألم تقطع عهدا لأّمك قبل ذلك؟ '' باغته ذلك الرّدّ من شبح أمّه وزعزعه فإستغرق في السّمع بينما واصل صوتها يوسوس في صدره '' ألم تُقسِم بأنّك لن تترك مجرما على قيد الحياة في هذه الجزيرة؟ أنسيت ذلك أم أنّك فقط تحاول التّهرب من واجبك؟ لقد تسبّبت في موتي ولن ترتاح روحي حتّى تثأر لي، أنا التي أحببتك وحميتك من أولاءك المجرمين حتّى آخر نفس لي ، أليس من العدل أن تقاتل من أجلي حتّى آخر نفس لك أنت أيضا؟ ''
أنت تقرأ
نداء في الظلمات (مكتملة)
Short Storyتتحدّث شابّان على متن زورق في أعماق البحر، لكل منهما فكره، تاريخه ورغبته الخاصّة، يمرّ بطلانا بحدث يُبرز جوهر الإختلاف بينهما.