-على قيدكِ أنتِ!-

2.2K 74 58
                                    

«#الكاتبة»

دلف إلى المنزل بعد ساعات طويلة من الصدمات المتتالية منهك القوى..متهدل الكتفين و الرأس و الهمة..شاحب الملامح بشكل يثير الشفقة..لقد دفن ابنه اليوم بيديه الإثنتين..لقد دفن ابنه!

تلك الهالة التي ابتلعته اليوم و هو يتخطى الباب العريض بدت غريبة جداً على كل شخص اعتاد أن يشهد دخوله المنزل أو خروجه منه..

كتلك الخادمة التي اقتربت بسرعة منه لتقول فوراً بنبرة متأسية متعاطفة ؛

_سيد أكرم..و أخيراً عدت..لقد علمت بما حدث للسيد شهاب من الجرائد..آنا آسفة حقاً لو................

كانت نفس الخادمة التي استعان بها شهاب ذات مرة للتجسّس على سجى..و قد توقعت آنذاك أن يكون مصيرها الطرد منه بعد انتشار خبر زواجها بابن خالتها لؤي..لكن لحسن حظها فقد أرسله والده إلى الخارج فلم تراه مجدداً بعدها..

مجرد أن تواصل معها بضع مراتٍ و كانت غايته نفسها..أن يسألها عن سجى و لؤي و عن ما إذا قاما بزيارة القصر بعد رحيله..و كما هي العادة فقد اضطرت لأن تجيبه..و كان جوابها النفي طبعاً بما أنهما اختفيا حرفياً منذ ذلكٓ اليوم..

لم تكن إنسانة شريرة..و لم تحِب أبداً السيد شهاب أو أيّ من أفعاله تجاه ابنة خالته..إنها فقط إنسانة عملية تجيد إيثار مصلحتها على مصلحة كل من حولها..و هي أكثر من يعلم إلى أيّ حد كان يستطيع السيد شهاب التمادي في عقابه لو رفضت أوامره آنذاك..

و لا تنكر بأن فكرة ترك العمل خطرت في عقلها..لكن.. أيّ شخص مجنون يتخذ قرار التخلي عن العمل في منزل فاره كهذا بامتيازات لم تكن لتحظى بها في مكان آخر ؟!

كانت تتحدث بأسى..لكنها علمت بأنها لم تكن تخاطب سوى نفسها و هي ترى السيد أكرم يتجاوزها بخطواته المتخاذلة و كأنه لم يسمعها..سار بلا هدى نحو مكتبه إلى أن دلف إليه تحت نظراتها التي مزجت ما بين تعاطف غير حقيقي تماماً و دهشة شديدة جداً..

ثم أغلق الباب بقوة تناقض الإستسلام المرتسم على ملامحه..قبل أن يقترب من مكتبه إلى أن جلس فوق ذلك الكرسي الأثير لا يشعر بأيّ شيء..لا يتراود في ذهنه شيء عدا صورة ابنه البكر الذي فقده اليوم..

ما معنى كلمة "فقده" ؟ لقد فقده إلى النهاية ! لن يراه بعد الآن !

الآن أصبحت كل امبراطوريته فاقدة للمعنى..لمن سيترك كل شيء الآن ؟ من سيتولى منصبه من بعده ؟ من سيكون خليفته و ذراعه اليمنى إذا ما لفت به الحياة و أوهنته ؟!!!

لقد كان شهاب الأقرب إليه بين كل أبناءه..الآن يدرك عظم مكانته في قلبه !! الآن يشعر بأن كل همة أكرم الشاذلي و قوته قد خارت إلى الأبد..لا مجال لعودتها.. لا مجال لأن يستأنف حياته بطبيعية بعد هذا الحدث..

لقد كان هذا الفقد الأعظم في حياته..الأقسى و الغير متوقع..أن يموت الإبن قبل أبيه..أن يعاقبه القدر بفقد الإبن الأقرب إلى قلبه..فقط لأنه كان الأقرب إلى قلبه من بين إخوته مهما أذنب أو تجبر !!!

بلا مأوى.....! (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن