"لِقاء"

571 24 20
                                    

كانت تسير في الشوارع الممطرة، تشعر بالضياع ،تترنح أثناء السير كالمدمنين، كانت ترتدي ملابس سوداءً بالكامل وشعرها الأسود الطويل مبعثرٌ بطريقةٍ عشوائية لطيفةٍ إلى حدٍ ما، يغطي علي عينيها مخفياً هالاتها السوداء أسفل عينيها، تجهل وجهتها حتي اخذتاها قدماها لحي مدرستها القديمة، حيث كانت مرحلة طفولتها بالكامل هناك،حيث كانت هناك بداية صداقاتها،واول من تعرفت عليهم في حياتها من اصدقاء كانوا بذلك المكان ،رغم كرهها لذلك المكان في الوقت الحالي ولما يُعيده إليها من ذكرياتٍ مُؤلمةٍ لا ترغبُ بإسترجاعها إلا أن قدماها قادتاها إلى هناك ، كانت تتجول حول مبني المدرسة وتسترجع ذكرياتها الجميلة هناك رغم ما تجلبه لها من ألمٍ حين تنظر لواقعها الحالي، شعرت أنها تشم الرائحة المحببة الي قلبها، رائحة القهوة، فبالرغم من كل ما تمر به إلا أن القهوة كانت مهربها الوحيد، إدمانَها الخاص، مُسبب السعادة الخاصة بها ،مجردُ فنجانٍ من القهوة كان صديقاً لها، حقاً صَدَق من قال: "القهوة هي هرمون السعادة"

_______________________________

ذهبت وراء مصدر الرائحة حتي وصلت إلى مقهيً صغير ،دخلته فوجدت طاولةً شاغرة فجلست وقامت بطلب فنجانٍ من القهوة،كانت تحتسي فنجان قهوتها وتنظر لهطول المطر من خلف الزجاج وتتأمل قطرات المياه التي تنساب علي الزجاج ببطئ ، هي ترى أن لا شئ افضل من الجلوس وحيداً و احتساء فنجانٍ من القهوة تحت المطر ،ولكن بالعودة للواقع المؤلم ،ستعود أفكارها تطاردها دائماً وطول الوقت ،بدأت تتذكر علاقتها مع أسرتها كيف تأزمت وعلاقاتها مع اصدقائها الحاليين ،هم دائماً سندٌ لها ويشعرون بأنها ليست بخيرٍ ولكنها لا تقول شيئاً وتُخبئ ضيقها الشديد خلف قناعٍ كاذبٍ من الإبتسامة ، فاختارت أن تبتعد عنهم حتى لا تقوم بإيذائهم وفقدان أشخاصٍ أكثر فيكفيها عدد الأشخاص الذين فقدتهم حتي الآن، ووسط جميعِ
أفكارها هذه ، تفاجئت عندما سمعت اسمها يُنادي بصوتٍ مألوفٍ لها

" سارة!! "

أدارت رأسها بإتجاهِ مَصدرِ الصوت لِتتسع عينيها عندما رأت صاحبه

_________________________________

غريبةٌ هذهِ الدُنيا ، نقابلُ أشخاصاً فيكونوا لنا عوناً و سنداً ، وفي الجهة المُقابلة نقابل أشخاصاً فنتمني نسيانهم ولو أن الزمن عادَ بنا لاخترنا عدم اللقاء بهم ، فيالسخرية القدر، إذ هي ترى الآن أكثر شخص كانت تتمنى نسيانه
يقف أمامها وايضاً في أشد وقت ضيقٍ لها
" انتِ سارة ،اليس كذلك؟! "
لازالت تشعر أنها تتوهم وقالت
" مريم؟! "
كانت تلكَ صديقَتها الأولي ، صديقةُ طفولتها، من شاركت معها اعوامها الأولي في المدرسة ، ورغم ذلك فهما لم تعُودا تتواصلان ، أو حتى تزورانِ بعضهما ،كلُ ما تعرفُ إحداهما عنِ الأُخري أنها مازالت علي قيدِ الحياة ، حدث ذلك حين انتقلت سارة من البلاد بسبب ظروفِ عمل والدها وحينَ عادت بعد اعوام كانت قد انتقلت إلى مدرسةٍ مختلفة
" كيف حالك؟! ماذا تفعلين هُنا وَحدَكِ؟! هل تنتظرين شخصاً ما؟! "
نظرت لِفنجانِ قَهوتِها ثم اجَابتها
" لا....لا انتظرُ أحداً....أنا هُنا وحدي...اردت فقط احتساءَ فنجانٍ من القهوة وَسط هذا الجو "
رأت من خلف الزجاج زميلاتها القُدامى أو بمعني أصح صديقاتِ مريم الحاليين ينتظرونها بالخارج أمامَ بابِ المقهي
" اصدقائكِ ينتظرونكِ بالخارج "
قالتها وهي مُنزِلةٌ رأسها للأسفل ، كأنها تحاول صرفها بعيداً وبسرعة
" ف..في الحقيقة سأذهب لأدعو... "
"لا تفعلي"
قاطعتها بسرعة ،آخر ما تتمناه الآن أن تقابل أشخاصاً يذكرونها بالماضي اكثر ، ولا سيما زُملائها القدامي
" حسناً الى اللقاء ، اراكِ فيما بعد "
ودّعتها وخرجت من باب المقهى ،تنهدت وعادت تتأمل مشهد هطولِ الأمطار
"هي لما تأتِ ، نحنُ لم نلّتقِ ، وكأن شيئاً لم يكن "
كانت تُحادث نفسها ، وتحاول تهدِئتها ،حتي افاقها صوتُ جَرّ الكرسيّ المُقابل لها
"لماذا عدتي؟!"
سألتها بغضبٍ طفيف ،اجابتها مريم
" في الحقيقة أخبرتهم أنه قد مضت فترةٌ طويلة لم اركِ فيها لذا أجّلّت الخروج معهم لوقتٍ لاحِق"
رفعت رأسها بغضب وقد ارّتفعَت نبرةُ صوتِها قليلاً
" إن كنتِ تشفقين عليّ وفضّلّتي البقاءَ معي علي الإستمتاع مع اصدقائك فأشكُركِ ، ولكن اطمئنّي ، إنّني اُحبُ الجلوس وحدي"
نظرت لها نظرات مليئة بالريبة والإستغراب
" لماذا انتِ غاضبةٌ منّي، إن كان وجودي يزعجكٌ لهذا الحد ، فيمكنني أن اذهب "
" افعلي ما تشائين "
تجاهلت وجودها وعادت تتأمّل المطر
" إذن كيف تُبدين في الدراسة "
" بخير "
كانت إجابةً مُختصرة أو بمعني اصحّ كانت إجابةً كاذبة ، فهي لم تعد تهتم بأي شئ ، أهملت دراستها ، واهملت جميعَ الأشخاص المُحيطين بها ، وكأنها لم يعُد لديها أيُ أملٍ في الحياه ، بل هذا ما حدث بالفعل ، فَقدَت جميع أهدافها وطُموحاتها ، هي فقط تعيش لأن الموت ليس بيدها، فهي تريد علي الأقلِ أن تُسَلّمَ روحُها إلي ربها مؤمِنةً، وفجأةً قطع ذلك الهدوء رنين هاتِفِها ، ومن قبل أن تُخرِج هاتِفها من حقيبتها ، كانت تدري هوية المُتّصل
"نعم"
"نعم؟! ماذا تقولين أين انتي ، إلى اينَ ذهبتي، كيف تخرجين هكذا بلا استئذان "
"امي اهدئي أنا قابلت اصدقائي بالصُدفة فذهبنا لمركزِ الألعاب ، سأنتهي واعودُ بسرعة "
كانت تلك والدتها التي تشاجرت معها قبل أن تغضب وتخرُج من المنزِل وتُغلق الباب بِقوة بعد كثيرٍ من الصراخِ والغضب قد يكون أيضاً قد وصل الي الجيران ، بينما التي كانت أمامها تنظر لها بصدمة ، هي تَكذِبُ علي والدتها امامها بشأن مكانها ومن تتواجد معه ، أنهت المُكالمة مع والدتها و بدأت بتَصفُّح الهاتف قليلاً
" تكذبين؟! "
قالتها لها بعد وقتٍ من الصمت
" اجل، هل لديكِ مشكلة ؟! "
لم تُجِبها وحين شعرت سارة بالملل عادت لتدخل هاتفها في حقيبتها و كادت تُخرج محفظتها حتى تقوم بالدفع إلي أن صرخت مريم
" ما هذااااا ؟! "
اجابتها ببرود
"ما الأمر؟! لماذا تصرخين هل رأيتِ شبحاً ؟! "
أشارت إلي داخلِ حقيبتها
" لماذا تملكين شفراتٍ حادة معك ؟!!! "
حين انتبهت أن الشفرات ظاهرة من داخل الحقيبة قامت بإدخالها بسرعة داخل الحقيبة وقامت بتخبئتها داخل أحد جيوب المخفية
" هذا ليسَ من شأنِك "
" لا بالطبع هذا من شأني ، اجيبي علي سؤالي ، لماذا تملكين شفراتٍ حادة معكِ؟!!!! "
اشاحت سارة بنظرها بعيداً حتى شعرت بكُم سترتها يُرفع عن مِعصَمها وظهرت آثار مُحاولاتها في تركِ هذا العالم
" م..مما هذا؟!! سارة هل تحاولين قتل نفسك ؟!! "
حين رأت إصرارها علي المعرفة اجابتها ببرود
" اجل حاولتُ الإنتحار "
" كيف تُحاولين الإقدام علي شئٍ كهذا ؟!!! هل انتِ مجنونة ؟! هل انتِ يائِسةٌ من الحياة لهذه الدرجة؟!
شعرت بالغضب من كلامها ثم صرخت بصوتٍ عالٍ جعل كل من في المقهي يلتفتون إليهم
" ليس لديكِ اي الحق في انتقادي أو حتي التدخل في شؤوني "
" ماذا تقولين؟!! بالطبع لديّ الحقُ في ذلك ، الستِ صديقتي الأولي؟! بالطبع من شأني أن اخاف عليكِ ويُغضِبني شئٌ كهذا "
نظرت لها سارة بسخرية وقالت
" تشه... تخافينَ علي وتقلقين من فقداني؟! بأي حقٍ تقولين هذا وأنتِ التي تركتني وذهبتي "
توسّعت عيناها من الصدمة، تركتُها؟!! أليست هي التي سافرت وذهبت؟!! هل أصبحت الآن أنا التي تركتُها؟!!!
قامت سارة من علي الطاولة وبدأت بلَمِّ اشيائِها من علي الطاولة ، سمّاعاتِها ، دفترها واقلامِها
" انتظري الي اين تذهبين ؟!! "
" دعيني وشأني ، انتِ تُتعبين رأسي ، سأعود لأمي قبل أن تَموت من القلق عليّ "
قالتها بعد أن انتهت من وضع حاجياتها داخل الحقيبة وقامت بإرتدائها وذهبت للدفع ثم خرجت من المقهي بسرعة ، فلحقت بها مريم وامسكتها من كَتفها
" إنتظري ارجوكِ ، أخبريني بمَ فعلت ،اخبريني عن ذنبي حتي استطيع التكفير عنه"
قامت بإبعاد يدها عن كتفها ببعض القوة وصرخت في وجهها
" لأ لن انتظر دعيني وشأني ولا تريني وجهكِ مرةً أُخرى "
تركتها تحت المطر غارقةً في تساؤلاتها واستقلت سيارة اُجرَة بسرعة حتي تعود للمنزل

__________________________________

قامت بفتح باب المنزل بمفاتيحها حتي لا يشعُر احدّ برجوعها ، كان جميع إخوتها نائمين واعتقدت أن والدتها قد خلُدت الي النوم وشعرت بالإرتياح نوعاً ما لأنها سترتاح من اسئلتها حول خروجها حتي سمعت
" وأخيراً عدتِ "
كانت والدتها جالسة علي الأريكة وتحادِثُها بصوتٍ حاد
" اين كنتِ "
" ألم أُجِبكِ؟!! كنت مع اصدقائي، لا تقلقِ لم أكن اتسكع مع الفتيان "
"علي كلٍ سأتغاضى عن ما حدث اليوم "
" هل اتصل بكِ والدي ؟! "
" اجل لقد اتصل وسألني عنكِ ولكنني أخبرته انكِ نائمة ، ولكن تذكري لن أقوم بالتستر عليكِ في كل مرة "
اومئت لها ثم دخلت لغُرفتها وبدّلت ملابسها إلى ملابس نومٍ مُريحة ، ثم أخرجت شريط دوائها ، دواءِ إكتئابها الذي لا يقوم بجعلها تتحسن ولا يُغير اي شئ ،وهي تعلم ذلك تماماً لكنها مازالت تُحاول الهروبَ من كلِ شئ ، ثم اخلدت إلى النوم بعد يومٍٍ طويلٍ مرهِق ، ملئٌ باِلأحداث ، وبالطبع لم تنَم بسرعة ، بل نامت كعادتها بعد ساعاتٍ من التفكير المُستمر







انتهى

"هِيَ حَيَاةٌ"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن