part 6

82 13 4
                                    

و دون سابق إنذار بدأت السيدة تضعف صحيا شيئا فشيئا على الرغم من صغر سنها و عدم بلوغها مراحل الشيخوخة بعد ، اكتشفنا أنها قد أصيبت بمرض خبيث على مستوى الرئتين و كان في مراحل متأخرته ، أي ما يفصلنا على مغادرتها سوى أيام أو أسابيع ، فكثرت زيارات ولدها و جيرانها ، بعدها بأسبوعين تقريبًا توفية ، كنت أول مرة أحزن حزنا شديدًا على احدهم . انتهت مراسم الجَنازة و بقيت أنا و ابنها و الذي كان يدعى "أليكس" في ذلك الذي أصبح بلا روح ، عندها خيرني بين مغادرة المنزل أو الذَّهاب معه إلى المدينة التي يقيم بها ، لأنه سيبيع المنزل في وقت ليس ببعيد ، لو يكن لدي خيار آخر سوى الموافقة فأنا لا أعرف عن العالم الخارجي شيئا و لا أجيد التعامل معه . في الواقع أليكس كان شابا لطيفا يبلغ 22 عاما ، على حسب علمي كان أبواه مطلقان و كان يعيش مع والده في المدينة قبل استلامه إدارة لأحد مشاريعه بعدها إستقر ، و أصبح ذو عقارات بينما والدته كانت تفضل أن تعيش في المزرعة بعيدة عن الضجيج و القلق و عالم السرعة . و نحن ذاهبان في سيارته كنت فاتحة للشباك أحدق في الناس كان كل واحد منشغل بشيء يفعله كنت أنظر إلى أطفال صغار ذاهبون إلى المدرسة رفقة آبائهم و اخزون يلعبون في ما بينهم ، كنت أشعر بحزن شديد على نفسي و حالي .

كان ذلك ظاهرا على ملامح وجهي لذلك حاول أليكس أن يلهيني قائلا :
_أنا شَاكِر لك ، لقد اعتنيتي بأمي جيدا و أسعدتها ، سأحرص على أن أرد جميلك هذا
_و أنا أيضا أشكرك لاحتوائي و الاعتناء بي، سأحرص أنا أيضا على رد الجميل .
 وصلنا إلى البيت، لقد كان عبارة عن شُقَّة فخمة في عمارة زجاجية طويلة ، خرجت من السيارة و أنا مرتدية نظارات شمسية و الشعر يغطي معظم وجهي. كان تعامله معي يوحى حقا على أنه يريد رد الجميل و أنه ممتن للغاية ، كان دائمًا يحاول جعلي سعيدة لكن فمي لم يكن يبتسم أو يتكلم إلا في حالات نادرة مضت الأيام و نحن على الحال نفس نادرًا ما يكلم الأحد الآخر ، لكننا كنا نعتني ببعضنا البعض ، كما قلت سابقا أنني سأرد الجميل ، لذلك كنت أحضر له أطباقا مما علمتني إياها والدته ، كنت أحضرها بسرعة كي أدخل غرفتي قبل أن يعود و أحرج من تصرفاتنا الغريبة أمام بعضنا البعض. في إحدى الأيام بينما كنت وحدي في المنزل كنت نائمة فحلمت بذلك الحلم المخيف و المؤلم فاستيقظت مذعورة مدركة أن الحلم قد عاد من جديد ، ذهبت لأغسل وجهي ، و فجأة نظرت إلى المرآة ، لأصرخ بصوت عال كان انعكاسي في المرآة هو تلك الجثة ذو اللسان المقطوع المختفية مند مدة . فجأة بدأت لين (الميتة) المنعكسة على المرآة تتحدث إلي على الرغم من انعدام لسانها :
_لقد التقينا أخيرا
 _من أنت ؟
 _أليس واضحا ؟ أنا أنت
_مهلا ما الذي يحدث ؟ 
_سترينني كثيرا ، أعطيتك فرصة لتعيشي حياتك لكنك لست شخصا يعتني بالفرض و يستغلها .
_ماذا يحدث (و أنا أضرب رأسي بقوة)
_أتذكرين عندما كان يكرهك الجميع في المدرسة ، كان الأمر مسليا !
_مند متى و أنت تراقبي... أو عندما رمتك عائلتك في مستشفى ؟ كم هذا مثير للشفقة
_أصمتي ، أصمتي ،أصمتي .
كنت أصرخ ، و أضرب المرآة كي تتكسر و يختفي كل شيء ، لكنها استمرت بالظهور حتى بعد انشقاقها _ كنت أستمع لك و أنت تشكي همك لي ، لو كان وقتها بوسعي أن أتفل على وجهك لفعلت . خرجت من الحمام و أنا منهارة أحاول أن أستوعب ما الذي حدث للتو . و أنا أجشع و أبكي ، ثم جلست على الأرض واضعة رأسي على ر كبتاي إلى أن عاد أليكس في المساء ، فاندهش حينها رآني في تلك الحالة المزرية ، فتقدم نحوي و بدأ يتفقدني و يسأل:
_هل أنت بخير يا لين ؟ ما الأمر ؟..ما الذي حدث ؟ 
رفعت رأسي و عيناي مغرورقتان بالدموع ، لم أقل شيئا لكنني وضعت رأسي على ذراعيه اكتفيت بالصمت ، لكنه لم يستسلم و استمر بالسؤال ، لأنطق بصوت خافت
_ لقد تخيلت شيئا مخيفا فحسب
_و لما كل تلك الفوضى
_كنت أحاول صده عني
_ حسنا ، ذلك الشيء الذي تخيلته لم يعد هنا الآن ، لدى فل تهدئي و لتأخذي قسطا من الراحة .

 استيقظت في اليوم التالي وبعد ساعات متتالية من التفكير ، جاءني أليكس و تظهر على وجهه ملامح القلق :
_هل أنت بخير الآن
_نعم شكرا لاهتمامك بي
فاقترب من السرير و جلس بجانبي ثم قال
_لا أعلم ما الذي حدث البارح بضبط لكن أضن أنه يجب عليكي زيارة طبيب نفسي
_ ماذا ؟...لن أفعل
_لا تقلقي الأمر بسيط للغاية و لن يأخذ من وقتك الكثير ، أنا أعدك ...لقد أخبرتني والدتي عما مررت به و أنا أحاول مساعدتك و لن أأديك أو أتركك هناك ، سأبقى معك حتى تنهي حصتك و سنعود .
 لم أفكر في الموضوع حتى و اصررت على الرفض ، إلى أن سئم مني و غادر الغرفة. لم أتقبل فكرة عرضه هذا و شعرت أنه في اي لحظة قد يعيدني من المكان الذي هربت منه , و قررت أن أترك المنزل و أبحث عن مكان آخر أعيش فيه ، في الواقع لم يكن اتخاذ هذا القرار سهلا بالنسبة لي لأن مشاعري تحركت أخيرا و قررت أن تحب أليكس لكن إلى متى سأعيش بهذه الطريقة المشمئزة ، في تلك اللحظة عادت كل ذكرياتي المؤلمة ، و بدأت أستوعب إلى أي مدا أنا مظلومة في هذه الحياة. لم أرد أن يأنبه ضميره لجعلي أغادر منزله لذا تركت له رسالة مكتوب بها :
شكرا على الاعتناء بي مدة طويلة ، سأغادر ، سأذهب إلى مكان أستحقه أو يستحقني ، لا تبحث عني و عش حياتك كما لو أنك لم ترني قط . ربما سيكون من الصعب علي أن أنساك بسهولة لكنني سأحاول . شكرا لك و لأمك أيضا .

 لم أخد معي أي أغراض حملت معي فقط سكينا صغيرا و خرجت ، لأنطلق مرة أخرى إلى العالم الخارجي الذي يرى كل سجين حريته فيه . لم تكن في بالي وجهة محددة ، لذا كنت فقط أتجول بين الأحياء الراقية ، حتى وجدت نفسي في حديقة واسعة خضراء ثم جلست على العشب ، أفكر فيما سأفعله و أين سأذهب .

صمت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن