part 8

92 15 13
                                    


بدأت أركض ، لم يغادر الشرطيان سيارتهما و تبعاني بها ، أما والدي فاستمر بالصراخ كالمجنون أمام باب البيت . بينها كنت أجري تائهة بين الأحياء شعرت بشخص سحبني إلى زاوية بين جدارين ، صرخت بصوت عال و أنا أرتعش من الخوف ، ففتحت عيناي ببطء حينما سمعت صوت مألوف يقول :
_اهدئي كان ذلك أليكس
 _ ما الذي تفعله هن..كيف و صلت..إلى.. هنا ؟
_علمت ذلك فحسب
_ماذا ...كيف ؟ 
_أخبرتك أن والدتي أخبرتني عنك و عن مدينتك .. مضيت هذه الفترة في البحت عنك و ها أنا قد وجدتك
_ لكن لماذا ؟
_في الواقع قرأت رسالتك ، كما كان من الصعب عليك نسياني فهذا صعب علي أنا أيضا . 
_ حسنا ... علينا الهروب الآن
_ لماذا ؟
_ الوقت ليس المناسب للشرح يا أليكس .
كانت صوري منتشرة في كل مكان و الشرطة تبحث عني ، كنت أبحث على مكان أبقا فيه أنا و أليكس بينما تهدأ الأمور قليلا و أجد حلا .
 كانت بلاغات الجرائم التي فعلتها تراكمت عند الشرطة و معرفتهم لي أنني في تلك المنطقة قد سهلت عليهم الأمر ، لذا استبعدت فكرة الرجوع من حيث أتينا . لكثرة التفتيش و مع أنني بدأت أفقد الأمل إلى أنني لن أستسلم بتلك السهولة ، أخبرت أليكس أنني سأعيش إلى أن يقبض علي ، سأهرب فقط لأعيش لحظات قليلة قبل سجني ، رفض ذلك لكنني أضررت على موقفي ، و في المساء خرجنا سويا إلى مركز المدينة حيث توجد محلات ملابس ، ملاهي ، حياة أخرى تأخرت في اكتشافها . دخلنا إلى أحد الملاهي ، كنت أقلب عيناي أحدق في أشكال الناس ، طريقة رقصهم و ابتساماتهم المزيفة ، لو كان بيدي لسميت كل الملاهي الليلية مراكز تصنع ، لكنها جذابة الأرواح ، مشبعة للشهوات ، قلت ذلك لأنني سرعان ما اندمجت و شرعت في الرقص و الصراخ و شرب الخمر ، في رمشة عين أصبحت مثلهم ، أصبحت أرى العالم بطريقة مختلفة عندها علمت لما الجميع مبتسم هنا. وأنا منغمسة في الشرب و التدخين أمسك بي أليكس و ساقني إلى مكان شبه بممر منعزل ، سألته عدة مرات إلى أين نتوجه لكنه تجاهل أسئلتي و استمر بسياقتي إلى مكان ما ، كان تصعب علي الرؤية بسبب نسبة الكحول التي احتسيتها و قفنا عند دورات المياه ، فرش الماء على وجهي إلى أن عاد وعيي نوعا ما ، فصرخت في وجهه :
_ما بك الآن
_ الشرطة.. إنها في الخارج
_ماذا ؟؟ أنا لم أتمم سهرتي حتى
_ليس وقت السهر الآن ، يجب أن نفكر في خِطَّة ما
_ ....فلنصعد إلى سطح المبنى .
 كان ذلك الملهى يقع تحت عمارة طويلة ، لذا صعدنا نحو السطح عبر سلم الطوارئ و صلنا و غلقنا الأبواب و جلسنا على الأرض نضحك على حالنا ، ثم هم الصمت بعدها حينما نطقت :
_لقد رددت الجميل أيها الشاب الوسيم .
 ثم وقفت و اتجهت نحو حافَة السطح أنظر إلى الأضواء تحتي و ريح يطير شعري لتظهر ملامح وجهي البريئة و الناعمة ، أتى أليكس و وقف بجانبي ، فقلت له
_جميل أنك ستكون موجدا في ذكرياتي مستقبلًا
_أعدك سواء كنت معي أم لا ، سأتذكرك إلى الأبد
عدنا إلى مكاننا الأول حيث كنا جالسان و قلت مرة أخرى:
_ لقد حان الوقت
_حان وقت ماذا ؟
 _عليك أن تغادر ، لا أريد أحملك مسؤولية شيء لم تقم به ، لذا أرجوك اذهب ، عش حياتك ، و امضي قدما .
 بدأ ينطق معارضًا ، لكنني لم أعره لحظة لإتمام كلامه و قاطعته بقبلة ، كنت واضعة يدي على وجهه البارد حتى شعرت بقطرات دموعه الساخنة تسقط على يدي ، تراجعت ثم مسحت دموعه و وقفت ثم أمسكت يده و اتجهنا نحو الباب و أشرت إليه ليغادر كانت عييناه توحي إلى رفضه لكن الواقع هو من يقرر لا يمكنه أن يخاطر بحياته و يدمرها من أجلي ، و قبل أن يغادر عانقني بقوة لكنني أبعدته و أغلقت الباب.
بقيت جالسة هناك حوالي ساعتين أفكر في أليكس ،لين ، الماضي... حتى سمعت طرقا قويا على الباب ، ظننت أنه كان أليكس لكن في الواقع كانت الشرطة قد عثرت علي .

 فتحوا الأبواب و دخل العديد منهم و معهم أبي ، كانوا جميعهم يحملون أسلحة ما عاد والدي الذي كان يحمل ورقة في يده ، سرعان ما رأيتهم يقتربون مني أخرجت سكينتي الملطخة بالدماء و وضعتها على عنقي ، لم تكن نيتي إيداء نفسي ، لكنها كانت الوسيلة الوحيدة لوضعهم تحت التهديد . وفي منتصف ذلك الجو الغريب و المنظر المضحك
_ارمي سلاحك و سلمي نفسك
_ لا لن أفعل
_ أبي : أمكسوها ... إنها وحش ، لدي مذكرة بأنها تعاني من إطرابات نفسية ...ستستمر بفعل المشاكل و قتل الناس.
استمر السيد أبي بالصراخ ، كان همه الوحيد هو القضاء علي ، من يوم ظهوري في هذه الحياة و هو يستمر بإخفائي و كأنني عالة على عائله السامية . لم أهتم لوجوده و اتممت تفكيري في البحث عن حل يرضيني و يرضي الجميع ، فقلت
_أولا الاسم الموجود في الورقة ليس اسمي ، أنا لين ديليون و أنا البنت الصغرى للسيد جيمس ديليون الواقف أمامكم ، لقد زور الوثائق للتخلص مني يمكنكم البحث و التأكد لستم مقطوعي الأيدي.
بالنسبة لي لقد عشت حياة طويلة بما فيه الكفاية كي أتوقف هنا ، كانت حياتي عبارة عن صمت و كأنني أعيش في أعماق المحيط أرى مخلوقات مخيفة ، الكل ينافق الآخر ، بينما أنا صامتة ، أنظر إليهم بتمعن و استغراب . لم تتح لي الفرصة لأعيش حياة هادئة و سعيدة كما يجب . تراجعت ببطء إلى الوراء و لزلت واضعة الأداة على عنقي وقفت على الحافَة و التفت إليهم ، لتظهر عليهم ملامح الارتباك ، منهم من يسأل حول ما ذكرت سابقا و منهم من يحاول منعي ، إلى أن كثر الكلام و أصابني صداع فقلت :
_المجرم الحقيقي هو الذي بينكم ، لست أنا . 
حينها صمت الجميع إصغاء لما سأقوله لكنني تصرفت ، أخرجت لساني و قطعته كما فعل تماما الرجل ذو الرداء الأسود و رميته في وجه أبي ، ليشهق الجميع ، عندها تأكدت أنني لن أنطق ببنت شِفَة ثانية إن نجوت من آخر شي مجنون سأفعله في حياتي. بعدها مباشرة أفلت تلك السكينة القذرة ، غمضت عيناي بقوة، و رميت نفسي من قمة المبنى الشاهق، فكان الهواء يلتف حول جسمي برياح متسارعة. أثناء هبوطي، شعرت بالزمن يتسارع ويتباطأ في آن واحد، وكأنني عشت حياتي كلها في هذه اللحظة المتدلية. صور حياتي مرّت أمامي بسرعة مذهلة، تفاصيلها ترسم ملامح مشهد حيّ بلا رجعة. كانت ثوانٍ قد تحوّلت إلى ساعات، وأنا في هذا الهواء المتلاطم، أنظر إلى مصيري وأشعر بالتحول الحتمي لعظامي إلى فتات تحت ثقل الارتطام .
 ارتطمت بالأرض !
لم أعد أشعر بأي شيء ، كنت فقط أسمع صدى صراخ من كانوا حولي ، كلام الناس يتداول عني كان مليئا بالشفقة و الندم ، منهم من يتأسف و منهم من يأخدني عبرة و آخرون يثرثرون بلا فائدة . كانت بداخلي صرخة عميقة تعبر عن صمت طائل أمده ، أردت إخراجها لكن الفرصة قد فاتت ، كنت بالفعل أرا نهايتي مند وقت طويل لكنني كنت غافلة عن ذلك ، غافلة عن جثتي التي ظهرت لي باستمرار و التي كنت أتساءل عن سبب  بكائها المتواصل و دموعها الحمراء و الآن ، أدركت !  

كنتُ كالشجرة البرية في غابة ملوثة، فقد كانت بيئتي تُسكنها أمراضٌ مختلفة. كل همسة في الهواء كانت تحمل معها سموم السلبية، وكل جزيئات التراب كانت محملة بأوجاع لا تُحصى. كانت نسمات الخيبة تعصف بأغصان تطلّ من قلبي، وكأن الجذور نفسها كانت تشرب من بركة اليأس. بينما نموت، نمتلئ أغصاني بأمراض الحزن والانكسار، وكأن الظلال المظلمة هي المسيطرة الخفية على مسرح الحياة.
                                             

    

      
                                                  النهاية
           

🎉 لقد انتهيت من قراءة صمت 🎉
صمت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن