مَا خابَ بصرُه، هي نفسُها التي كانَت اختهُ ذاتَ يوم وإن غيَّرت اسمَها وجميعَ معلوماتِها، هيَ ذاتُها الهارِبة مِن عدالته.
كان الرجلُ المِسكين الذي أجرَى معهُ اتصالًا قد نفَّذ ما أمرَ بِه دانيال سريعًا وبالحَرف، فلم يُخيم الليلُ إلا وظنونُه مؤكدة.
ولكن أنَّى لها وللذي ساعَدها الجرأةُ لإنجابِ طفلةٍ بعدما فَعَلا بفُؤادهِ الحزينِ سلفًا؟
ها قَد وجدها أخيرًا وما أقسم بأنَّه سينفذهُ يقتَرب، ومَع اقترابِ الموعد يَعي عدمَ رغبتِه بإنهاءِ حياتِها، ألآن وخطوةٌ تفصِلك عن حُلمك الوَحيد ستغيِّر رأيكَ يا دانيال؟ أعادَ لكَ ضميرُك ومبادئكَ أخيرًا؟
كلا، يريدُ لها عذابًا أبديًا لا الموتَ ببساطة فالحزنُ سيكونُ نصيبَ مَن لا ذنبَ له، نُسخة راشيل الصَغيرة.
حينَها لاحَ لهُ خاطرٌ عبقَري وراحَ يبتسمُ ويقهقهُ أرجاءَ شقتِه الفوضويةِ لفرطِ نشوتِه، لن تَموتي يا عزيزتي جينيفر! بل سأفعَل المثلَ وما أسهَل المهمة حينَ تكونينَ أُمًا!
بحسبِ ما جاءَه مِن معلوماتٍ فقد قدِموا لزيارة فنزويلا المَشؤومة، ومَع عودة الانكماشِ الاقتصادي وزيادةِ الجرائم فتوقيتُهُم مثاليٌ لأبعد حَد.
التَقط هاتِفه ليعيدَ الاتصال بمَن أَمر بتقَفي جينيفر وقالَ بحماسةٍ جليَّة:
«بعدَ يومينِ من الآن ازرَع نفسكَ أمام فُندق من تتبعتَهم نهارًا، وغدًا احصُل على بصماتِ السيِّدة»
«كمَا تأمُر، ولكِن لمَ تراقبُهم يا سيد دانيال؟»
لم يسألهُ أحدٌ عن سببِ أوامره طوالَ سَنوات خدمته، فلمَ الآن؟
«إني اشتبهُ بها، وأخذُ الحيطة واجِب.»
أغلقَ الخط والقى برأسِه على الوسادة براحَة غامِرة، متى كانَت آخر مرةٍ ذاقَ فيها طعمَ السعادة حتى نَسيها؟ من يَهتم الآن! ليَشبع مِنها فقَد تكون وجبَته الأخيرَة.
***
حدَّق في أزهار البَنفسج طويلًا قبلَ أن يَضعها بينَ القَبرين تحتَ شمسِ الظهيرةِ المزُعجة، يالَه من زهرٍ حزينٍ يرمزُ للحب.
حتى اللحظة لزِمه السؤالُ الأشد إيلامًا لفؤادِه ما أمضى مِن عمرِه حيًا، أما مِن سبيلٍ لنسيانِ الموتى وذِكراهم؟
وما وَجد جوابًا.
«أُمي وأَبي، اصفحا عن ما سَيفعله الغبيُّ الذي فرحتُما بِه طفلًا لكُما، اصفحا كمَا غفرتُ غيابَكما المُريع ولا تعتبَا علي، فما عُدت أطيقُ هذه الدنيا!»
حدَّق في الاسمينِ المنقوشَين على حجَر القبرَين وابتَهل لسانهُ ببعضِ الدُعاء قبل أن ينهَض متوجهًا إلى سيارَته الصغيرةِ مُتنَهدًا بضيق، كم أمضَى من عُمره كارهًا لذاته وحياتِه هائمًا في بؤسِه، أتُرى بسببِ خاتمَته يجدُه رفيقًا في الآخرة أيضًا؟
أنت تقرأ
دراجةُ أخي
Cerita Pendek«حَتى اللحظة لزِمه السؤالُ الأشد إيلامًا لفؤادِه ما أمضى مِن عمرِه حيًا، أما مِن سبيلٍ لنسيانِ الموتى وذِكراهم؟». *تنويه: يوجد في القصة بعض الدموية وقد لا تناسب مرهفي الإحساس*