المقدمة

2.3K 148 34
                                    

كُنت أسير في دُجى الطُرقات مُحطمًا، مُتهلهلًا بداخلي كمن مُزقت أحشاؤه بقسوة من قِبل حيوانه الأليف الذي طالما حنا عليه، فلم يكن الألم بداخلي من شدة بشاعة فعلته، بل لأنه منه وهو الذي أئتمنته على نفسي وسلمته مفاتيح روحي كي يستطع الولوج إليها وقتما شاء دون حواجز ..
صادفتني قطعة صغيرة من الحجر مُلقاه أمامي أسفل قدميّ بلا حول لها ولا قوة وكأنما القدر قد وضعها في طريقي لأركلها بكُل مابداخلي من غضب وقنوط وكأني أركل حيواني الأليف الذي خدعني وغدر بيدي التي امتدت له ذات يوم ..
وفي خضم يأسي ذلك رأيتها تندفع نحوي، تمشي بخطوات سريعة بينما رأسها مُطأطأة أرضًا فلم تُلاحظني ولم أتمالك أنا الوقت الكاف لتفاديها فأصطدم جسدها الصغير بجانب جسدي وسَقَطَت هي ..
سَقَطَت وكأنها ريشة في مهب الريح لاتمتلك القدرة على التماسك ولا القوة اللازمة للصمود ..
مددت يد العون لها لمساعدتها على النهوض لكنها بدت وكأنها لم تراني فلقد انشغلت بلملمة محتويات حقيبتها التي بُعثرت، وانتبهت أنا الآخر لتلك الفوضى التى أحدثتها لها رغمًا عني، فانخفضت واتكأت بإحدى ساقيّ أرضًا لمساعدتها ولكنها كانت قد انتهت وهَمت واقفة سريعًا ...
ارتفعت عدستاي إليها لأجدها لاتزال ناظرة أرضًا فلمحت تلك المسحة من الانكسار بداخل مقلتيها اللامعتين وكأن ماؤهما قد تجمع مُحتجُا طالبًا الإذن بالإنهمار، بدت لي في تلك اللحظة وكأنما خُذلت هي الأُخرى ...
تنبهت إلي فعلتي وإني لرُبما آلمتها أو آذيتها باندفاعي ذلك، فوقفت مُسرعًا وبادرت بالاعتذار لها، لكن يبدو أنها لم تستمع إلي كلماتي وكأني طيف أو شبح لايُرى ولايُسمَع، فلقد انطلقت مُبتعدة وهي تحتضن حقيبتها بقوة وكأنما تحتمي بها من غدر الزمان، فتعلقت عيناي بها رافضة التزحزح إلى أن اختفت صورتها عن مرمى بصري ..
في تلك اللحظة لم أعرف ماذا أعتراني، فلقد تبخرت أحزاني وانشغل عقلي بما يكون قد أحزنها إلى تلك الدرجة ..
لم تغب ملامحها البسيطة عن مخيلتي وراودني ذلك الشعور بأني أعرفها حق المعرفة، بل وتربطنا صلة ما أعجز عن تذكرها..
وكأنما تقابلنا مِن قَبل في عالم موازي تآلفت فيه أرواحنا وامتزجت ..
تمنيت بداخلي تلك الليلة لو أني آراها ثانية، بلا نُطق بلا حديث، فقط أراها ..  
وكأنما أراد القدر أن يُهديني أُمنيتي دون إلحاح، فبعد مرور الكثير من الأيام .. رأيتها .. وتلك المرة رأتني هي الأُخرى وتقابلت أعيُننا .. تُرى هل تتذكرني !

غباء الحُبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن