يبدو أن الكُرة الأرضية قد توقفت عن الدوران بل وكأن الزمن قد تجمد عند تلك اللحظة عندما التقت أعيُنهما، فهاهي تقف عِند أولى درجات السُلم بوجه مُتورد وأعين زجاجية تخفي ورائها انفعالات جامحة عصفت بصاحبتها بعدما تعلقت نظراتها بذلك الشاب الوسيم الذي شغل عقلها لفترة ليست بالقصيرة ..
رغمًا عنها لم تجرؤ على التحرك قيد أُنمُلة كما لم تقدر على إخفاض بصرها عنه، وكأن ثِمة مغناطيس يجتذب نظرها إليه ولاتقدر على مقاومته، شعرت بقلبها وقد تسارعت دقاته؛ تمامًا مثلما كان يحدث من قبل فور أن تراه ..شعرت بذلك الارتياح المُحَبب يتسلل إليها ويشملها بداخله ماإن ارتكزت بعدستيها على تلك السوداويتين اللامعتين، وكأنها بالأخير قد عادت إلى أحضان موطنها بعد إقصاءها عنه لسنوات عِجاف..
رغمًا عنها أحست بشفتيها تبتسم بامتنان وكأنها تشكر ذلك الشاب على تواجده، لكن تلك الابتسامة سُرعان مااختفت تدريجيًا عقب أن تذكرت صفة تواجده في ذلك المكان .. فهو العريس المُنتَظر ...في تلك اللحظة فقط .. لفت أنظارها تلك الباقة من زهور الياسمين التي يحملها، في نفس الوقت الذي تعالت فيه أصوات الزغاريد من خلفها وطلبت منها إحدى السيدات التحرك من مكانها كي تمر العروس، فلم تشعر بنفسها سوى وهي تتزحزح جانبًا لتحل محلها رغد ..
أحست بالحزن يتسلل إليها دون وعي منها ليحتل مكانه الدائم بداخلها وشعرت بالتَخبُط يجتاح مشاعرها وهي ترى العروس تهبط درجات السُلُم في طريقها إليه، على الفور أشاحت بوجهها عنهُما إلى الأسفل بحسرة مُرغمة نفسها على عدم النظر إليه كي لايقهرها التماعة الفرحة والاغتباط التي ستملأ وجهه عِند رؤيته لعروسه، ولايؤلمها امتداد أصابعه إليها كي يلتقط خاصتها وهي تهبط الدرج نحوه ..
لم تدري كم الوقت الذي ظلت عليه وهي مُنكسة الرأس بتلك الصورة، كُل ماكانت تعيه هو تلك الخيالات التى رأتها بجانبي عينيها فلمحت العروس وهي تلتقط باقة الزهور ومن ثَم تأبطت ذراع عريسها وتوجهت برفقته إلى إحدى السيارات وسط كلمات التهنئة والمُباركة ممن حولهم ..انخفضت أصوات الزغاريد تدريجيًا عندما شرعت السيارة في التحرك والابتعاد، وبدأ الجمع أيضًا في الانفضاض، كُلٌ يتوجه إلى مركبته للحاق بموكب العروسين ..
في تلك اللحظة .. قررت هي بداخلها الانسحاب دون أن تلفت الانظار إليها لتفر هاربة إلى منزلها فرفعت رأسها بحذر للبحث عن صديقتها لكن عدستيها تسمرتا واتسعتا بذُعر عندما اصطدمت نظراتها بآخر شخص توقعت أن تراه بعد مغادرة العروسين ...ذلك الشاب الأسمر أو العريس _كما ظنت_ لايزال يقف بنفس البقعة التي كان عليها دون حِراك، بينما نظراته مُصوبة نحوها بشكل صريح مُباشر وتلك الابتسامة تطل من عينيه قبل شفتيه ..
هاهو يتقدم إليها بخطوات جامدة ثابته قاطعًا تلك المسافة الصغيرة التي تفصلهما، بينما هي ودون أن تعي قامت بالانكماش في وقفتها بعد أن زاغت نظراتها إلى ماحولها مُحاولة فهم مايحدث، فبدت كالفأر المذعور الذي يبحث عن مهربًا له للفرار من براثن صائده ..
![](https://img.wattpad.com/cover/301703736-288-k844776.jpg)