كانت فتاتي التي تعلقت برؤيتها كُلَ صباح على بُعد عِدة خطوات مني عندما نظرت أنا لخالد كي ألفت أنظاره إليها بعدما حدثته عنها بالأمس، في تلك اللحظة رأيته ينظر إلي تلك البقعة والتي التفت أنا إليها بفضول لأري تلك الفتاة تقف بعيدًا وعلى شفتيها ابتسامة، ورغمًا عني ابتسمت أنا الآخر بعدما عَلِمت السر وراء انقلاب حال صديقي للأفضل على هذا النحو ..كان كُل ذلك في بضع ثوان تشتت فيها انتباهي كُليًا عمن تقترب نحوي حتى تجاوزتي وتجاوزتها ..
لم أعي سوى بعد أن ابتعدت عنها عدة خطوات وفي تلك اللحظة أرسل إليّ عقلي إشارات مُنبهًا .. فلقد كانت فتاتي تنظر إليّ ..
لأول مرة مُنذُ التقيتها رفعت وجهها وصوبت أنظارها نحوي على مقربة، لقد كانت تتأمل ملامحي في نفس الوقت الذي كُنتُ أنظر فيه إلى أُخرى، يالغبائي كيف لي أن أُضيع تلك الفرصة التي طالما انتظرتها ..
وددت لو أني استطع أن ألتفت إليها من ورائي أو أركض نحوها مُعتذرًا عن التفاتي لغيرها، لكني ترددت مُفكرًا بأنى بذلك سألفت انظار رِفاقي لما يحدث، لذا تمالكت نفسي مُفضلًا التصرف بهدوء وتأن بدلًا من أن يصدر مني فعل أرعن يضعها ويضعني في مأزق يزيد الأمور سوءًا ..كان ذلك الحدث الجلل في آخر يوم من أيام الأسبوع .. يوم الخميس، وكان يليه الجمعة يوم إجازتي الأسبوعية اليوم الوحيد الذي لا تقع عيناي عليها فيه، ورغم ذلك لم استطع الإنتظار وذهبت إلى مكان اللقاء في نفس الموعد، علّ الحظ يُصادفني وأراها وأُحدثها ..
ظللت أقطع ذلك الشارع الضيق جيئةٍ وذهابًا حتى صلاة الظهر متأملًا في أن ألمح طيفها أو أن يسوقني القدر إلى مكان سكنها أو محل عملها، لكن للأسف مر الوقت ولم يحدث شيء ..
واسيت نفسي مُطمأنًا بأني سأراها في الغد، ووضعت خطة لأتملص من صُحبتي وأذهب إليها، فإن لم أُحَدثها فسأتبعها دون أن تشعر حتى أعلم إلي أين تذهب في كُلَ صباح لعلني بذلك أتوصل إلي طريقة ما للتحدث معها والتقرب إليها ..لكنها لم تأت .. مرت الأيام والأسابيع والشهور ولم ألمحها من جديد، وكأنها لم تكن سوى طيف بداخل مخيلتي أنا فقط، وذلك الأمل بداخلي بدأ في الإختفاء تدريجيًا حتى حل محله الخوف والجزع، الخوف من ألا أراها ثانيةٍ والجزع من أن يكون قد أصابها مكروه ..
وكأن الحياة أبت أن تُعطيني كل ماأردته دُفعة واحدة، فما إن أطمأن قلبي على حال صديقي الذي انتهت أوجاعه حتى بدأت أوجاعي أنا التي طالما تمنيتها ..ألم أرغب في ذلك من قبل؟ أن أعيش لوعة الحُب وعذابه؟ أن أتذوق أسقام الفُراق وأسهر الليالي رغمًا عني بعد أن يُجافيني النوم من فرط انشغال قلبي وتفكيره في إحداهُن ؟
هاأنذا أتجرع آلام الاشتياق كؤوسًا .. ياله من إحساس مُوجع مُفجع أن يتعلق فؤادك رغمًا عنك بشخص لاتعلم عنه شيئًا، وتظل تبحث عنه بجنون ولهفة كمن يبحث عن الحياة، لكنك بداخلك تعلم يقينًا بأن تلك الحياة قد تخلت عنك وأنك في طريقك إلى الموت .. إلى الهلاك ..