الفصل الرابع

454 62 5
                                    

نعم كانت تغار .. وكانت تُحب ..
أحبتني مثلما أحببتها، كانت تراني فارسها المغوار وبطل أحلامها المُفضل، تعلقت بي دون أن تشعر وفاجئها تَبلوُر إحساس الطفلة الهادئ البريء بداخلها إلى آخر أكثر تخبطًا ولهفة، تملكتها الحيرة والخوف من ازدياد تعلقها وتفكيرها لذا قررت الابتعاد كي لاتفضحها عيناها وابتساماتها وخجلها وخفقات قلبها، كانت تعلم أنها لم تكن ستستطع التحكم بتلك الاضطرابات مثلما استطعت أنا بصعوبة طوال تلك السنوات الفائتة، فمن فرط حرصي وحذري لم تعلم هي شيئًا عن حُبي لها في ذلك الوقت عندما ظنت بيّ الإعجاب الخفيّ نحو صديقتها ...

وقتئذ ..
عندما فضَحتها غيرتها وأحسست أنا بحُبها كانت لاتزال في الخامسة عشر من عُمرها بينما أنا لم أتخط الثامنة عشر بعد، كُنتُ في سنتي الأخيرة من المرحلة الثانوية بينما هي كانت في نهاية المرحلة الإعدادية ..
أغلبكم سيظن أن ذلك الحُب الصغير ماهو إلا درب من دروب المراهقة المُتخبطة ولم يكن سوى تعلق طفولي ساذج سُرعان ماسيقل تدريجيًا حتي يختفي وينتهي ماإن ينتقل كُلًا منا إلى مرحلته التالية ..
وكذلك ظننتُ أنا، لذا فضلت التريث وعدم مُصارحتها بما يُخالجني في ذلك الوقت، كُنتُ أعتقد أن ماإن تطأ قدماي درجات سلم الحرم الجامعي حتى يتغير عالمي بأكمله، سأُصبح أكثر رزانة وجدية وربُما لن يشغلني الحُب وقتئذ، أو من المُمكن أن ينبض قلبي لأُخرى دون أن أُقرر أنا ذلك، أو من المُحتمل أن يختفي شعورها المُراهق نحوي !

لكن مرت السنوات وأصبحت على أعتاب الجامعة هي الأُخرى، بينما أنا كِدتُ أن أُنهيها، وبعكس ماتوقعت لم يقل حُبها بداخلي بل إني شعرت به يزداد حتى كدت أن أغوص بأعماقه، فلم يزيدنا ذلك الابتعاد إلا شوقًا ولهفة، ولم أَمّل أنا من مُتابعة صفحاتها الإلكترونية بتخفِ مُطلق لايقطعه سوى سؤالي المُقتضب عنها بين حين وآخر في الأعياد والمُناسبات الرسمية، أما هي فكان الخفر هو مايُسيطر عليها فور أن تتقابل أعيننا في بعض التجمعات العائلية، فلا أتذكر أني رأيتها قط إلا بوجنتين مُخضبتين يكادان ينفجران من كثرة الإحمرار حتى في أكثر أيام الشتاء برودة ..
كنتُ أشعر بعينيها تبتسمان لي وكأنهما تُحدثاني بكلمات غير مسموعة، بل وكأنهما تدعواني للتقرب وتُشجعاني على البوح بذلك السر الذى يؤرقها ويؤرقني أكثر منها، لم تعلم هي شيئًا عن جهادي الخفيّ طوال السنوات الماضية....
لم تعرف أني لم أعد أُطق الانتظار أو الكتمان لأكثر من ذلك، ورغمًا عني في كُل مرة عندما يتملك الضعف مني دائمًا ماكان هُناك هاتف مُلِح بداخلي يحُثني على الصبر فكُنت استمع إليه مُضطرًا مُتأففًا، بخلاف ذلك اليوم الذي صممت أُذناي عنه بغضب عندما رأيتها بصُحبة آخر !

كُنا بداخل إحدى التجمعات العائلية التي لانلتقي إلا فيها، وتلك المرة كان بمنزل عائلتها إحتفالًا بنجاحها في الثانوية، وبما أن ذلك المنزل هو ماقضيت فيه أكثر أيام صِغري برفقتها، فكُنت أتعامل بأريحية شديدة وكأني من أصحابه ..
كانت غرفة الاستقبال تعج بالمدعويين بينما والديها مُنشغلان بالترحيب بالزائرين، ظللت أبحث بعيناي عنها لعدة دقائق لكني لم أجدها، فزاد تلهف قلبي ولوعته، فأنا لاأراها سوى في تلك الأوقات القليلة ولاأعلم متى سأنعم برؤيتها من جديد، لذا لم أُرد أن أفوت لحظة واحدة دون أن أملأ عدستاي بملامحها، لأُضيف بداخل ألبوم ذاكرتي العديد من الصور الجديدة لها بذلك الوقت المُميز ..
سعادة، إيماءات، ابتسامات، ضحكات وانفعالات استمتع بتذكرها عندما تغيب عن مرمى بصري، فُكلما أشتاق إليها أو أتلهف لرؤيتها أبحث عنها بداخل تلك الحياة الكاملة لها بداخل ذاكرتي  ..

غباء الحُبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن